ثنائي مثير للجدل

80 10 61
                                    

٤٠

في منتصف الليل

يقود عصام بسيارته في غور الليل الحالك كما لو كان يبحر في محيط عميق لا ضوء فيه ولا صوت ولا كائن حي.

يسير بسيارته على طريق صحراوي طويل لا نهاية له متجهاً إلى إحدى القرى للتحقيق في جريمة حدثت فيها. من شدة الظلام القاتم كانت كشافات سيارته لا تصل لأبعد من مترين أمامه.

كان الهدوء مزعجاً، لا يسمع سوى صوت الرياح التي تضارب السيارة واحتكاك عجلاتها بأسفلت الطريق. شعر بضيق من ذلك السكون المستقر فقرر تشغيل راديو السيارة.

«عيالي ماتوا يا فوزية، عيالي ماتوا»

«تستاهل، حد قالك تخوني مع خمسة وأربعين واحدة؟»

يبدو أن كان مشهداً من مسلسل إذاعي، وانتبه عصام من حديثهم وشعر بشيء مألوف ولم يعجبه ذلك، فقرر أن يحول إلى محطة اذاعية أخرى وكانت قصة إذاعية مرعبة.

«سمعت الصوت جاي من البيت المهجور اللي كانوا دائماً أهلنا يحذرونا من أن نقرب له، بس أنا فضولي أكلني لأن دي مش أول مرة أسمع فيها الصوت... مش يمكن في حد جوا وعايز مساعدة مثلاً؟ قررت أدخله، خصوصاً إن بابا كان قديم ومعليهش قفل، وأول ما فتحت الباب، لقيت قدام عيني حوالي خمسة وأربعين جثة متعلقة في السقف ومشنوقة... كان المشهد بشع»

نفخ عصام بنغص بعدما اندمج بالقصة وسمع ذلك الرقم مجدداً، فحول إلى محطة أخرى ليحول إلى إذاعة الأخبار.

«على أحد الطرق الزراعية المتجهة إلى المنصورة، وقعت حادثة عنيفة أدت إلى مقتل خمسة وأربعين شخصا، ويقال إن أرواحهم تحوم حول ذلك الطريق، إذ أن هناك شهوداً أقروا بأنهم رأوا خمسة وأربعين طيفاً في هذا الطريق تلاحقهم وتهاجم عليهم بنية قتلهم»

أغلق عصام الراديو تماماً بعنف ضائقاً صدره، وفور أن رفع نظره للطريق وجد أمامه جمعاً من الفتية تصل أعمارهم من ستة عشر إلى أربعة عشر عاماً، واقفون يحدقون فيه بأعين باردة، بشرتهم شاحبة صفراء لا دماء في عروقهم. كانت ثانية واحدة فقط رآهم فيها عصام أمامه قبل أن تتوقف سيارته فجأة وتنطفئ كشافاتها.

قبض قلب عصام وتزايدت أنفاسه هلعاً، وحاول تشغيل السيارة مراراً وتكراراً ولكنها تعطلت تماماً.

_عايز تهرب من إيه؟ دول عيالك من حلمك ودمك؟ خاف من عيالك؟

كان القائل هو أحمد الذي ظهر فجأة في المقعد الخلفي من السيارة. كان الظلام دامساً كما لو كان ان ثقبًا اسود ابتلعه، ما يفزعه حقاً أنه لا يرى أي شيء حوله، ولكنه يسمع فقط، وكل ما سمعه بعد صوت أحمد هي أصوات ركض تلك المجموعة التي كانت تهز الأرض، وكل ضربة بقدمهم كانت وكأنها تضرب بقلبه وبضلوع صدره، مما جعله رئتيه تنقبضان من الهلع.

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن