27

991 122 57
                                    

الموتُ قادِم... حامِلاً لونَ شَفتاك.

____________________

بروقٌ مُتتالية انقَدحت، غيمٌ كَثيفٌ تعانَق في رحمِ السماء مُنجِباً أمطاراً غَزيرة، ارتجَفت أشجارُ الحُقول و شرِبت الأرضُ حتّى ارتَوت.

في هذهِ السّاعةِ من المَساء لجأتُ إلىٰ حانةِ المَدينة الّتي دلّني لها 'بوغوم' مُؤخّراً، إنّها بساطةٌ علىٰ بساطة.. بَعيدة أبعدُ البُعدِ عنِ الرَفاهة و التعقيد
اتخذتُ إحدىٰ الطاوِلاتِ المُنعزلة مكاناً لِجلوسي
بِزاويةٍ أركُن بِها نَفسي و ارتَصُّ بِأوراقي

كُنت بِحاجةٍ ماسّة لِأن أكونَ وَحدي حتّى اجمَع شَتاتي لإستِردادِ رُشدي بَعد أن ثارَت مَشاعِري بِفعلِ خِطابِ أحدِ الثُّوّار
فـ أنا عَلى علمٍ تام بأنَّ إتيانِي بأيّ حَركة بسبيلِ المُقاوَمة لَها آثارَها و ضَرائِبها الّتي ستنعكِسُ عليّ بالعودةِ لي و مَعها فأس!

استَندّتُ بِمرفَقي عَلى الطاوِلة واضِعاً يدي عَلى خدّي، ثُمّ أخذتُ أُقلِّبُ صَفحات مُفكِّرتي المُزدحمة بِقصائِدٍ لِعُيونِ مُهلِكي و لا زِلتُ أشعرُ أنّي عاجِزٌ عن كِتابتِه بِشكلٍ لا يُقلّلُ من حجمِه بِقلبي، قَلمي حَفِظه... ما إن لامَس حِبرُه الوَرقة إلّا و أخَذ سارِداً عنه كأنّهُ أعظمُ إنتِصاراتِه و فُتوحاتِه

خَطبي الأكبَر أنّي واقِعٌ لهُ مِن رأسِه لأخمصِ قدميهِ و خافِقي مَشلولٌ بِحضرتِه عَلي، و إنِّي لأرفُضُ النُهوض.

" أنتَ هُـنا! "
لِوهلةٍ حسِبتُ أنّ صوتَهُ محضُ وهمٍ لِتولُّعِ مُخَيّلتي بِه
لكنّه وخزَ كَتِفي مُتحدّثاً معها..

استَدرتُ بِسُرعة لِأجدهُ يتكتّفُ بِغضب.. لَطيف
" جِـيون جونغ كُوك، ما الّذي آتى بِك إلى هُنا؟؟ "

" قُل هَذا لِنفسك أولاً، كِيم تايِهيونغ "
تحدّث بتهكُّمٍ، مَع طرقٍ مُتتابِع بقدمهِ على الأرضية

" لا تَختبِر صَبري و أجبني "
سحبتُه من يده مُهسهِساً أمامَ وجهِه الفاتِن

" كُنت ابحثُ عَنك!!! هل سآتي لِلشُرب مَثلاً أو لِلتسكُّع مع المَخمورين؟؟ "
حينما نطَق ذلك... ودِدّتُ لو أقطَع لِسانه،مُجرد تَخيل ما نَبس به يَجعلُني أتأجَّج

" هَل عليّ أن أُصدّقَ ؟ "
توسّعت عيناهُ بِسبب عدمِ تصديقي، هل يدّعي الآن!

أفلَت نفسه مِنّي و صَرخ جاذِباً أنظارَ الجَميع
" أيُّها ال...! كَيف تنطِقُ بذلك حتّى؟ ألا تثِقُ بي؟ أنا لـ... اترُكني تايِهيونغ، توقّف! أنزِلني ماذا تَفعل!! "

كُنتُ قد تداركتُ الأمر قَبل أن يَتم طَردُنا بِسبب الجلجةِ الٍتي أحدثها صَغيري و قُمت بِحملهِ عَلى كتِفي و الخُروج من الحانةِ الّلعينة... كانَ يضرِبُ ظَهري و يتكلم بِسُرعة لِدرجة لم أفهَم ما يَقوله، أنزلتُه أمامي...
أنفُهُ و وجنَتيه مُحمرّان بسبب الجو، عابِساً، مَع شعرٍ مُبعثر و يتنَفسُ بإضطِراب كأنّهُ خاضَ لِلتوّ حرباً ،ثُمّ تفرّقت شفتاهُ بُغية الحديث
" ماذا تَظُنّ نَفسك فاعِلاً؟ "

تنهدّتُ مُقترِباً منه، أمسكتُ وجهه بِيداي و بِهدوء تكلمت خافِضاً بصري نحوَ شفتاه المُرتجفتان بِسبب البَرد
" اهدَأ! لم أقصِد ذلِك، لكِن لِضمانِ بَقاءي مُسالِماً و هادِئاً إيّاكَ و التفوّهُ بالحَماقات،حَسناً؟ "

هزّ رأسهُ بالإيجابِ مُطيعاً لِحديثي..
" بوغوم.. بوغوم هو مَن دلّني لِمكانك "
وضّحَ لي لأعقِدَ حاجِباي و أُهمهم.. ذلك الأخرَق صَديقي كَيف يُرسِلُ طِفلاً مِثله لهذهِ المنطِقة... جونغ كُوك طِفل وليسَ فَقط بِعيوني
إنّه يَحسبُ أنّ جميعَ النّوايا تُشبِهُه و أنّ العالَم قِطعةُ حَلوى يَتناولَها بِملئ فَمِه

بدأ المَطرُ يلتَهِمُ أجسادَنا و ينخَزُ بِعِظامِنا، قيّدتُ يدهُ بيَدي لِلعودةِ...
كانَ الطريقُ بَعيداً و أنا هُنا أكبَحُ نَفسي عن تَوبيخِه، أخشى أن يَمرض!
" أُريد أن أعرِف ما الّذي طَراً عَليك فَجاة لِتودّ مُقابلتي؟ "

" تايِهيونغ.. سأُنضَمُّ للمُقاومة "
خرَج صوتُه أبحّاً مِن غِمده، نظرتُ له بِسرعة... ترَك يدي و توقّف عن السَير، أخفَض رأسهُ مُتحاشِياً النظَر لي و استَرسل خبَرُه
" سأكتُب، سأُشارِكُ بالثَّورات..."

و قَبل أن يُكمل حديثَه، صَرختُ بما كَظمتُ دونَ رأفة
" و أُمّك؟  هل سَتترُكها للحَياة وراءَك إن ما مسّكَ مكروه؟!
و أنا؟؟ ماذا عنّي جونغ كُوك ألَم تُفكّر بي؟
لا أُريد سَماع هذا مرّة أُخرى مِنك، مفهوم؟ "

لم انتَظِر سَماع جوابِه
ذلِك كان أمراً قاطِعاً لا يحتملُ النقاش و لا الإعتراض
أمسكتُ يدهُ من جديد و سارَ خلفي بِصمت



.

VK || 6:06حيث تعيش القصص. اكتشف الآن