63

537 62 24
                                    


السُجناء متحلّقينَ حول أحدهم حيثُ كانَ يُغنّي بصوتٍ عذب ألفتهُ أوجاعهم و وجدوا بهِ ما يشببههم، كان يمتلكُ صوتاً يحملُ ألف ندبة وندبة في كلّ منعطف تتلوه كلماته، و كنتُ أنا..
أقفُ على مقربةٍ منهم
أشاهدُ الوحدة الّتي غزت جمعهم
و كيف أكل الخواءُ أكبادهم، و أجسادهم، و تسلّى الفراقُ بقلوبهم، ذوي الأرواحِ الهلكى.. و القلوبُ المكرّسة للهزائِم و الأعيُن المخضّبة بالدّموع و أوسمةُ الشوقِ الّتي تعلو جِباههم..

رحتُ أنا أدورُ في فلكي، و أنتَ يا كوكبي تطاردني..
ألّا تنوي الإقتراب؟
فلا يُمكن أن ينوبَ عنك الخيال في كلّ مرّة أشتاقُ بها إليك و يرصُدني بها وجهك البعيد..!!
هذا غير عادل..

غير عادل ابداً.

أدرتُ وجهي لمصدرِ صوتٍ خافت لبكاء مكتوم آتٍ من السرير الّذي يُجاوِر سريري، كانَ رجلٌ في الخمسينَ من عُمرهيُنصت لشدوِ صاحبهِ في الغناء و يُسهب في البكاء أكثر..انتبهَ لنظراتي القلقة و المتفاجئة نحوهُ..فمسحَ دموعهُ و ابتلعها كطفلٍ صغير يُحاول أن يكونَ قوياً، ساوَرني فضولي لسؤاله عن سببِ بُكائه:
" علامَ تبكي يا عَم ؟"

فقالَ و قد علتْ شفتاهُ إبتسامة محرجة
" للموسيقى يداً تنبُش الدّموع و تفتحُ جروحاً كادت أن تندمِل في ذاكرةِ النسيان.."

إلهي!
كيف تُبكي أغنية عُمرها بضعُ سنوات
رجلٌ عمرهُ خمسين عام!

فجأة قالَ و كأنه سمعَ تساؤلاتي الدّاخلية:
" عندما تُبكيكَ أتفهُ الأمور، اعلم أن الألم بلغَ أقسى حدودهُ "

رُحماكَ يا إلهي بِقلوبنا المُقيمة على شفا دمعة!
الرّبُّ كافِلُ قلوبنا...
الرّب كافِلُ قلوبنا.

عدتُ خطواتي الصّغيرة لسريري، و جملتهُ ترنّ برأسي بصوتٍ أبحّ كستهُ تجاعيدُ الألمِ و الشوق لا الزمن!
فالزمنُ هنا توقّف..
لم نعدْ نحسب أعمارنا بالأيّام بل بالآلام
قلوبنا ساعة متوقّفة عن العمل
فالقلبُ الفرِح يركضُ بالوقت
أمّا نحن
فنركضُ بالمنفى.
رجلٌ شابت ناصيةُ رأسه داخلَ زنزانة سجنَ العالم خارِجها
أتُبكيهِ كلمات؟

كلمات..
كلمات..
طافت تلكَ الكلمات حولي
كأنّها نجومٌ و كأنّي قمرُها

" إنّي ظلامٌ يرتجي وجه الضحى
حنينٌ هامَ كهمسِ سرابٍ بوهمٍ قضى
يسابقُ وهجَ صحوةٍ فيها الرّجاء
..
خُذني إليك..."





كأنّي قمرٌ
أضاعَ شمسه

.

VK || 6:06حيث تعيش القصص. اكتشف الآن