P/53

592 41 5
                                    

-
الساعة الـ 12 ليلًا .. :
بعد مراجعات طويله و فحوصات للتأكد من سلامة فيصل ، خرج على مسؤليته ببعض الرضوض الخفيفة و ضربة برأسه اللي انجرح بعمق متوسّط لكنه اصرّ على خروجه .
نزل من السيارة وهو يغلق الباب و خلفه خيّال ، تجاهل فيصل طلال اللي نطق وهو يراقبه بقلق : انتبه و لاتجهد نفسك كثير .. ، قطّب طلال حاجبيه و عينه على فيصل اللي يمشي متجاهله : فيصل سامعني ! ، تأفف و همس : استودعتكم الله .
اخرج فيصل سلسلة مفاتيحه من جيب شورته و اللي تقفقفت ببعضها معلنه قدومه ، اخرج المفتاح المطلوب و دخل للبيت و خلفه خيال الصامت تمامًا و اللي اغلق الباب خلفه بهدوء .. اكمل فيصل مسيره و طاحت عينه على المُلحق الخارجي واللي يصدر منه الصمت و الظلام خيّم عليه ، ما اهتم لكنه تذكّر خلال الايام السابقة ما شاف و لا صادف ثنيّان نهائيًا .. مشى بخطوات هادئة و بطيئة يتحاشى يسرع و يوقظ ألمه اللي بدأ يفيق من جديد و يشدّ عِصاب الوجع على فيصل ، رفع يدّه يتحسس الشاش الأبيض اللي يحاوط رأسه ، كان بينزعه لولا شرارة الألم اللي لسعت جرحه و نزّل يدّه ، نطق خيال بعد تردد وهو يناظر لكيسة الادوية اللي ماسكها : عمّي اعطيك مُسكّن الحين ؟ .
تجاهله فيصل و اكمل خطواته .. دخل للبيت و خلفه خيّال اللي يمشي بهدوء .. التفّ وهو يغلق الباب خلفه ، دخل فيصل على صوت التلفزيون المفتوح على إحدى قنوات الأطفال ، و دُنا جالسه فوق الطاولة الدائرية متربعه و تتابع بإنسجام .. بجانبها على الكنب لتين اللي مستلقيه على ظهرها و متغطيه نصها ببطانية خفيفة رماديه و بحضنها الأيباد مشغّل على احدى مقاطع الشروحات و على رأسها سماعات البلوتوث الكبيرة .. نايمه بعمق و تعب واضح و رأسها مستميل لليمين بوضعية غير جيدة لرأسها ..
التفتت دُنا من استوعبت وجود فيصل و ناظرت له و تدريجيًا توسّعت احداقها و تركت ريموت التلفزيون اللي طاح من يدّها و هي تهمس بصوتها الطفولي : بـ .. بابا ! .

نزلت بسرعه من فوق الطاولة و بطريقها تعثّرت طاحت على الأرض تحت نظرات فيصل اللي وقف يناظرها بصمت ، اعتدلت بوقفتها و اقترب له بشفتيّن متقوّستين و بصوت ارتجف و هي تشوف الشاش الأبيض فوق رأس فيصل واللي بِلا شعور منّه تصبّغ بالدمّ اللي خرج من جديد : بابا هذا ايش ؟ ، قالتها و هي تأشر على رأسه ثم نطقت بصوت مهزوز : انت تعبان ؟ ، اقتربت له ومسكت يدّه و سحبته لتحت تنزّله لمستواها ، بِلا شعور منّه استسلم و نزل لمستواها وهو يناظر لها بِلا حدود .. يتأمل للحظات و من ثم يستوعب للحظات اخرى انها بنته .
انلجمت و عيونها تناظر للتعب اللي طغى على ملامح ابوها و بقعة الدمّ اللي تصبّغت بالجانب الايمن من رأسه فوق الشاش ، حاولت تقوّي نفسها ما تبكي ، ناظرت بعيونه تتأكد بخوف من ردّة فعله لو اقتربت له ، ارتخت نظراته بِلا شعور منّه كأنه يناديها وهو مايشعر .. اقتربت له و حاوطت رقبته بأذرعها الصغيرة و هي تقاوم بُكاها بشدّة و تحتضنه اكثر ، ما بادلها و لا رفع يدّه عليها .. جلس يناظر للأسفل و قلبه يخفق بقوة و زاد وجع عجز يتحكّم فيه و يتحمّله وهو يسمع انفاسها الصغيرة تكبح بكاها و شهقاتها ..
عجز يتحمّل و ابعدها بهدوء عنّه ، تلاقت عيونهم بهاللحظة عيون البنت بأبوها .. شيء بداخله اجبره يبرر و همس : مافيني شي .
وقف و استدار جهة الدَرَج مشى صاعد لفوق .. و هي تناظره بعيون خايفه ، تقوّست شفتيّها و هي تشوفه بدأ يختفي من امام ناظريها صاعد للأعلى ، التفتت لخيّال الواقف و اقتربت له و هي تقول : خيّال بابا وش فيه ؟ ليش برأسه فيه دمّ ؟ .
ابتلع خيّال ريقه بغصّه ثم نزل لمستواها وهو يتغصّب الابتسامة و يقول وهو يمسح على شعرها : طاح على رأسه بس رحنا للمستشفى و عطوه علاج .. لا تخافين هو بخير خلاص ؟ .
هزّت رأسها بالايجاب و شفتيّها متقوّسه ، تهرّبت بكلامها و هي تقول : بروح انام ، اسرعت بخطواتها هاربه لفوق و هي تقاوم بُكاها بشدّة تركض تحاول تلحق على نفسها تنهار بغرفتها قبل يشوفها احد ..
تنهّد خيّال و عينه عليها حتى اختفت .. التفت للصالة و انتبه لِـ لتين المستلقية على الكنبة الطويلة ، قطّب حاجبيه بخفّه و اقترب لها بهدوء،كسر خاطره شكل رأسها مستميل بشكل خاطئ و اقترب لها بتردد وهو يمدّ يدينه .. اخذ السمّاعات من فوق رأسها ثم عدّل رأسها بهدوء و ابعد يدينه لكن رجع رأسها يستميل من جديد ، عدّله مرّه اخرى بهدوء و لكن رجع يستميل و هي تنهّدت وهي تحرّك رأسها للجهة الاخرى ، مدّ خيّال يدّه و طبطب على كتفها بهدوء و خفّه وهو يقول : لتين ؟ .. لتين .
فتّحت عيونها بخفّه و نطقت بصوت ثقيل بِلا وعي : ر روّاف ؟ .
خيّال طبطب من جديد بخفّه على كتفها وهو يقول : انا خيّال .. ، تحرّكت تحاول تعتدل وهو شتتّ نظراته عنها و نطق : ء شفتك نايمه هنا و صحّيتك مايصير تنامين تحت .
اعتدلت بجلستها و رفعت يدّها تغطّي وجهها و شعرها انسدل يغطي وجهها وهي تتنهّد بصوت مكتوم وسط كفّيها .. بعّدت يدينها و كشّرت بخفّه من الاضاءة،قطّبت حاجبيها و همست رافعه نظرها له : الساعة كم ؟ .
خيّال رجع يناظر لها : الساعة 12 .. عندك دوام بكرا ؟ .
لتين غطّت جبهتها بيدها و هي تتأفف و تقول : ايه عندي اختبار نهائي ..
خيّال و عينه على لتين اللي تدوّر جوالها حولها : ء متى تخلص اختباراتك ؟ .
لتين التفّت تأخذ جوالها من داخل الكنب و هي تقول : الاسبوع الجاي ، التفتت له وهي تتنهّد و تفتح جوالها : و بعدها اجازة الفصل الثاني بس كلها بتروح مذاكرة للتحصيلي .
خيّال عطاها السماعات و همست له تشكره وهو دخّل يدينه بجيوب شورته وهو يقول : حلو يعني يمديك تتفرغين له .. ء الله يوفقك .
التفت له و ضحكت بخفّه و هي مبتسمه : و اياك بس حبيبي خيّال فيه فصل ثالث لسى ماخلصت .
قطّب حاجبيه و همس باستعجاب : فصل وشو ؟ ، تراجع بخطواته سامح لها توقف من على الكنبة و هي تبعد البطانية عنها : كيف يعني ثالث ؟ رمضان الشهر الجاي ! .
استقامت بوقفتها و التفّت تأخذ ايبادها و سماعتها و ترتّب البطانية الخفيفة و هي تقول بضحكه خفيفه : ايه صارت ثلاث فصول مادريت ؟ ، تأففت و هي تناظره و كشّرت بضيق و هي تمشي امامه : لا تذكرني انه رمضان و دراسة كلما تذكرت تجيني ضيقة ، التفتتّ له اثناء مشيها : انا بروح غرفتي .. تبغى شي ؟ .

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن