-
-
يا مقبل الأيّام ماعاد بي حيل
من وين اجيب لباقي العمر رغبة ؟
.
.
آناء الليل ..
ليلة ذات نسمة هبوب دافية ، راح ذاك البراد اللي يلفح الضلوع ، و جاء مكانه دِفء يخفي خَلفه قيظ الصّيف ، قيظ الصيف اللي هالسنة يستمدّ طاقته من قلب روّاف المحروق ، داخله الحارّ من شدّة الضيق و حرقة القهر ..
خرج لبلكونته بهدوء بِـ رِفثة عصاته ، و اغلق نوافذ البلكونة خلفه لأجل ان لا يذهب هواء المكيّف البارد خارج الغرفة و يدخل الهواء الساخن فيزعج دُنا النائمة بهدوء على سرير روّاف الواسع .. ، مشى خطواته حتى وصل للسّور و سند عصاته عليه ، و هو ارخى راحتيّ كفّيه على السور الدافىء ، عيونه تناظر للسماء المُظلمة الواسعة امامه .. اذانه تسمع اصوات مرور السيارات بالشوارع الرئيسية المجاوره و اصوات ابواقها ، انفه يستنشق رائحة الهواء الساخن ، و يديه الباردتين تستشعر دفء حرارة بناية السور .
بهالوقت ، استرجع احداث يومه " الموجع " كالعادة .. من فترة طويلة و روتينه هو روتين مضاعفة ألمه بشتّى الاشكال ، امًا سماع كلمات موجعه ، أو رؤية تصرفات غير متوقّعة ، أو التفكير بأسوأ الاحتمالات أوّلها " إنتظاره ليومه وهو ما عاش مع اخوانه ولا شبع منهم " ، ماينكر ، صار يخاف ! يخاف تمرّ هالأيّام اكثر و كل يوم يزيد الصَدّ مِن مَن حوله من قراب ، صارت فكرة الموت تُخيفه .. تدريجيًا تَقل رغبته بالموت قبل يشبع من احبابه ..
بدأ يفكّر فيهم ، بمشاعرهم لو راح .. مين فيهم بيتدمّر اكثر ؟ وش نهايتهم ؟ يلحقونه بيديهم ؟ او ينتظرون يومهم بألم تركه روّاف يكبر بداخلهم كل يوم ..
شدّ روّاف على قبضة يدّه بِلا شعور منّه و ابتلع غصّته اللي تشكّلت وسط حلقه تضع بصمتها بحلقه بعد ما بصّمت الغصة بقلب روّاف .
فتح فمّه بخفّه و سحب نَفَس طويل نَفخ صدره ثم زفره بهدوء يصاحبه المه المُعتاد مع كل تنهيدة ، يقيده حتى من الراحة اللي هي ايضًا تتعبه .صارت تُخيفه فكرة الوِحدة ، الوِحدة اللي ذاقها بمُرّها الشين ..
برغم كل هذا ، فكرة الموت لا تزال تُسيطر على اكبر جزء من تفكيره ..
فكرة التحاقه بأمّه لا تزال هي رغبته و مُنياه ..
برغم ارتعابه من فكرة الابتعاد عن اخوانه ، لكن لا يزال مُغيّب عن الوعي بالحقيقة و الواقع ، لا يزال عايش بذيك السنوات قبل 12 سنة ..
الدنيا مالها لون و لا لمذاقها حلو من فراق أمّه ، زادت مرارتها و أسّود لون ايامه من بُعدهم عنّه ..
لكنه .. لكنه مافيه حيل يعيش اكثر ، بكل ليلة يستثقل هَمّ نهوضه بالصباح ، يفكّر هل هو بيفتح عيونه من جديد ؟ ولا ربّه بيقول لمُنيته كوني فتكون ..
غمّض عيونه بتعب من الصراع اللي يهشّمه بداخله ، ابتلع ريقه بمرارة ثم نطق بتنهيدة واسعه :
يا مقبل الأيّام ماعاد بي حيل
من وين اجيب لباقي العمر رغبة ؟
.
.
شَدّ روّاف على اجفانه و ارخى راحة يدّه فوق صدره ثم تدريجيًا بدأ يشدّ بقبضة يدّه ملابسه من شدّة الضيق اللي ضغط عليه و على صدره ..
رصّ على اسنانه بشدّه ، الآمه تتنافس بداخله مين ينتصر هالليلة و مين اقوى ! وجع مرضه ولا وجع روحه ..
فتّح عيونه بدأ يشعر باللاشعور ، بدأ يشعر بِـ ثُقل اكتافه و ظهره عليه ، بدأ يشعر بتلاشي الشعور لساقيه اللي اصبحتا أكثر ثُقلًا ، مسك عصاته استند عليها و التفّ ماشي بصعوبه مُتكئ بكل ثقله على العصا .. فتح نوافذ البلكونه الواسعه يخطو خطواته و تعثّر بالقطعة السفلية للنافذة و سقط على الأرض على وجهه متوجّع غمّض عيونه عاضّ على شفته السفلية بقوّة يقاوم الآمه اللي تتصارع بداخله ايهم الاقوى ، نزف الدمّ من شفتّه اللي عاضّ عليها من شدّته عليها و امتزج طعم ريقه بطعم الدَمّ المَرير ، الدَمّ النازف بشدّه من شفايفه واللي سال على دقنه .. رافقه رعاف انفه اللي بدأ يشعر بالدَمّ يسيل منه و يتخلل شعر شنبه و يشعر بِـ برودة ذلك السائل ..
اقتلب على ظهره منسدح على أرضية الباركية الباردة ،تأوّه من الألم اللي قبض كل عظمة بظهره و ارخى نفْسه و نَفَسه تدريجيًا سامح للألم يعبر بشكل تدريجي لا دفعة واحدة تُهلكه .. ارتخى بأكمله على الأرض و يدّه اليمنى ارخاها على صدره تحسبًا لأي قبضة ألم من قلبه اللي قد يغدر فيه فجأة ..
الاصوات صامتة من حوله ، لا يسمع سِوى نَبض قلبه اللي يُنبِض جسده بأكمله و ينبض بكل خلية فيه .. ابتلع بمرارة ريقه المُمتزج بالدّم و شدّ على غمضة اجفانه يحاول يضاعف قدرته على التحمّل ..
ارخى شدّة اجفانه و زفر نَفَس مُختل مرتجف .. بدأ يفقد الإحساس بجسده و ابتسم بخفّه من نشوة الشعور اللي خالجه و كأنه تحرر من الألم للحظات .. و من ثم غاب عن الوعي تمامًا .
.
.
دخل ثنيّان للبيت بخطوات مُترنّحة مُتثاقلة تارة على القدم اليمنى تصبّ ثقلها و تارة على القدم اليسرى ، اغلق الباب خلفه بقوة سمع صوتها كل من بالبيت .. اكمل خطواته المُتثاقلة لجهة المُلحق الخارجي ، اكمل خطواته بضياع يمشي بِلا وعي ، عقله اللاواعي واللي اعتاد على الطريق هو من يُرشده ..
للتوّ سارة خرجت تطمئن عليه ، و من سمعت صوت ضربة اغلاق الباب فزّ قلبها و اسرعت بخطواتها و هي تقول اثناء مشيها : هذا انت ثنيّان ؟ وينك فيه يا ثنيّا .. ، سكتت و احداقها توسّعت متحركة تنظر لهيئة ثنيّان و حركته المُريبة .. جسد يتحرّك بثُقل و ترنّح ، ماوضحت لها ملامحه بسبب ظلمة الحوش و بـ ردّة فعل سريعه اقتربت للجدار اللي جنبها و هي تتحسس بيدها مفاتيح لمبات الحوش ذات الإضاءة الكريمية ، ارتجف صوتها اللي خرج من جوفها المرعوب : ثنيّان !! .
اسرعت بخطواتها لجهته و من وضحت لها ملامحه شهقت واضعه يدّها على صدرها و عينها على ثنيّان الواقف بمسافة قريبة منها ..
أجفانه مرتخيه بـ ثقل على عيونه تُظهر نِصف بؤبؤ عينه فقط ، ثوبه الأبيض تلطّخ بِـ بعض بُقع الدَمّ ، قلّاب ثوبه مفتوح و ازارير ثوبه العلوية مفتوحه و ظهرت فنيلته الداخلية واللي هي ايضًا وضح عليها اثار الدَمّ ، شعره مُبعثر بعشوائية شديدة و وجهه وضحت عليه الكدمة اعلى عينه اليُمنى ذات اللون البنفسجي المائل للأزرق .. عيونه محمرّة وكأنها تنزف دم من شدّة احمرارها !
ارتجفّ فَكّ سارة اللي عجزت عن اغلاق فمّها و شهقت شهقة مرتجفة و نطقت بصوت مهزوز : ثنيّان .. ، شهقت بخفّه و اقتربت لثنيان خطوتين لكنها وقفت مُتخشّبة مكانها و توسّعت احداقها بشدّة من الرائحة الغريبة اللي شمّتها من اقتربت له .. غطّت فمّها بيدّها و عيونها المتوسّعة احداقها تنزف دَمع بِلا شعور .
ضحك ثنيّان و نطق بصوته الخشن وهو يرمش ببطء : وش فيك وقفتي ؟ ، استمرت الابتسامة المخيفة على شَفَتيه و اقترب لسارة اللي ما تحرّكت مكانها تحاول تستوعب ، تلاشت ابتسامة ثنيّان و اقترب لها بنظرة و ملامح مُخيفه ، مدّ ذراعه جهتها و هي ماتحرّكت ، كانت واثقه انه ما بيأذيها واثقة ان فيه شيء غلط بالموضوع ! لكن خابت ظنونها ..
شدّها بقوّة من شعرها المربوط و سحبها مقرّبها له بقوّة و هي شهقت باكية تحاول تكبح شهقاتها مُغمضة عيونها ماتبي تشوف وجهه حابسه انفاسها ماتبي تصدّق اللي تشوفه و تسمعه و .. تشمّه ! ..
أنت تقرأ
بين الحنان ونبضة البعد منصاب قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..
Mystery / Thrillerالــــبــــدايــــة : - بين الحنان ونبضة البعد منصاب قلب ٍ تعلّق في سرابك وزاحه انزف ألم والجرح تعميه الاطياب والحرف يطعني مساه وصباحه الناس تثني والمدح راح ما جاب هَمسِه ومنديله وريحة وشاحه اغراب لكن في شراييني اقراب فاح الغلا مابين واحه وواحه - رو...