P/55

221 34 8
                                    

-
-
شعر فيصل بقشعريرة و شعور مُضطرب اثناء حضنه لتميم اللي خارت قواه وسط حضن فيصل .. فيصل اللي يكاد ان يقتله بين يديه و وسط حضنه من مرارة الشعور بقلبه كأنه يحتضن عدوّه ..
ريّاس صدّ بسرعه معطيهم ظهره وهو يشتتّ نظراته يقاوم دموعه و رجفته،غمّض عيونه وهو يسمع أنَّة تميم و شدّ على غمضة عينه و قبضة يدّه بشدّه .. ابتلع ريقه بمرارة و عقله لا يتوقف عن فرز الكلمات السلبية بداخله ، فتّح عيونه عجز يتحمّل و التفّ و اقترب و ابعد تميم عن حضن فيصل بالقوة عن تميم الرامي بثقله على فيصل ، لفّ ريّاس تميم له و مسك اكتافه بقوّة و فعليًا هو اللي كان مثبّت تميم عن السقوط ارضًا ، نطق ريّاس بملامح بالكاد تكون ثابته و نطق بصوت يحاول يسيطر على ضعفه : تميم قوّي نفسك تكفى ادري بشعورك هاللحظة و اعرفه زين .. ، سكت يستجمع انفاسه بعد الكلام الصعب اللي خرج من جوفه ثم أردف : بتستسلم قبل روّاف يا تميم ؟ .
كانت هالكلمات بمثابة توعية لتميم الغائب عن الوعي و التركيز بهذه اللحظات .. هزّه ريّاس و صرخ بحلق جافّ : مو هو روّاف بغرفة ثانية روّاف ينتظرنا !! .
.
.
غـــرفـــة الإنـــعـــاش :
تحت الأضواء البيضاء المُشعّة بشدّة داخل الغرفة و التي تُلقي ظِلالاً شاحبة على كل شيء .. داخل تِلك الغرفة الواسِعة المُحاطة بأربع جدران كبيرة للوهلة تشعر وكأنك داخل عالم منعزل ، عالم تُحصد الأرواح فيه تارة و تارة تنجو منه بإعجوبة بفضل الله ، تلك الغرفة المَحشوّة بشتّى انواع الأجهزة الطبيّة المُتراصّة ببعضها ، كالجيش اليَقِظ ، بإنتظار أي اشارة لإنقاذ الارواح العالقة بين الحياة و الموت ، سرائر عِدّة تفصل عن بعضها بستائر زرقاء مسدولة ..
ساعات مُبكّرة من الفجر ، لكن هذا المكان لا يعرف الزمان و لا يعترف به ، فكل وقت مُتاح للموت او النجاة هُنا ..
في أحد الأركان ، غرفة مستورة بستارة تخرج منها جَلَبة و صوت دَويّ الأجهزة و همسات الطاقم الطبّي السريعة لبعضهم البعض ، أُضيئت إضاءة بيضاء كبيره مثبّته اعلى السقف تُلقي بنورها على جِثة روّاف واللي فارقت الحياة قبل ثلاث ثوان .. فوق رأس روّاف ممرض يضع جهاز التنفّس الاصطناعي على فَمّ روّاف بمحاولة لإرسال ذرات هواء الأكسجين لرئتيّ و قلب روّاف المُتوقّف ، على صدر روّاف المكشوف وُضعت وسائد الانعاش البيضاء الصغيرة الموزّعة على صدر روّاف و من خلف ظهره والتي تُجري عملية الإنعاش القلبي الرئوي ، إضافةً لضغطات الأنعاش اليدوية من احد الاطباء مباشرة فوق قلب روّاف المتوقّف من عدّة ثوانِ ..
و من الجانب الآخر حقن احد افراد الطاقم الطبي روّاف بالإدرينالين ..

بكل هذه الخطوات و كل هذا المجهود ، ثواني تمر و كأنها ساعات على افراد الطاقم الطبّي ، كان الدكتور المشرف على الحالة يُصِرّ و بشدّه وهو يقول " لحد يوقف .. لحد يوقف لازم يعيش "
ما كان يعرف روّاف معرفة شخصية ، و لكنه فقد في هذا اليوم 4 حالات .. و غير مستعد ابدًا لفُقدان الحالة الخامسة ، و اللي من حُسن حَظ روّاف انها كانت بين يدين هالدكتور ..
رنّة افزعت قلوب الطاقم الطبّي و التفتوا اربعتهم للجهاز العارض لنبضات قلب روّاف و اللي قبل اجزاء من الثانية كانت خَط مستقيم بِلا اي حركة ، تحرّكت نبضة صغيرة لا تُذكر ، نبضة من قلب روّاف المُهلك ، نبضة اخيرة تحاول التشبّت ببواقي حياته المحتومة ..
صرخ الدكتور للممرض برفع طاقة جهاز الانعاش القلبي الرئوي و نبضت نبضة اخرى من قلب روّاف ..
بذيك اللحظة ..
فتّح عيونه بشدّة و اذ هو مَلقي وسط مكان غريب ، ناظر حوله للضباب اللي يُحيط فيه ، جسده اللي يكاد لا يراه من شدّة الضباب المحيط به ، تحسسّ حلقه اللي يوجعه بشدّه ، فتح فمّه يحاول يتكلّم لكن لا يخرج له صوت سِوى نَفَس مبحوح مرتجف ، ارتجف قلبه بشدّة و مع كل نظرة له و تفحّص للمكان يحصّل شيء يُرعبه اكثر و يدَبّ الرهبة بقلبه ، قلبه اللي اصبح يضرب كالفأس بداخله و صوته صداه يُرجف أُذنيه ، غمّض عيونه بشدّة و غطّى اذانه بيديه وهو شادّ على اسنانه يحاول يكتم سمعه عن سمع نبضات قلبه المرعبة و الضاربة وسط طبول اذانه بشدّه ..
" روّاف ؟؟ "
فتّح عيونه مُلتقط هالصوت وسط صوت طبول نبضات قلبه المرعبة واللي توقّفت للحظة و توقّف كل مافيه اثر سماعه لذلك الصوت اللي رجع ينطق من جديد
" روّاف !! "
" يمّه ؟ "
نطقها قلبه بدلًا عن لسانه اللي انعقد عاجزًا عن الكلام ، توسّعت احداقه بشدّه و بدأ يتلفّت حوله و يحاول يتكلّم لكن لا يخرج منه سِوى انفاسه الجافّة ، دمّعت عيونه و قلبه ارتجف خايف .. خايف يفقد الصوت اللي سمعه للحظات .
" يمّه أنتِ هنا ؟ "
" يمّه وينك ما اشوفك "
" يمّه تسمعيني ؟ ما اقدر اتكلم !! "
كان كل هالكلام من داخله ، من قلبه المرعوب ، و اللي زاد رُعبه و ألجمه لِـ لحظات صوت عواطف اللي نطقت و بانت الحدّة بصوتها و بان الغَضب و هي تقول :
" وش جايبك هنا ؟ "
و بغضب اكبر :
" كم مرّة قلت لك لا تلحقني ! "
جسمه يَقشَعرّ اثر سماعه لصوت امه و تحرّك يحاول الوقوف وهو يتلفّت يدورها بلهفه و قلبه اصبح يرجف بسرعه شديدة ، تحسس حلقه و ضربه بقوة يحاول يخرج الكلمات العالقة وسط حلقه و دموعه تنزل بشدّه و داخله ينادي " يـــمّـــه ! " .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: a day ago ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن