مقدمة

79.3K 863 40
                                    

في ليل القاهرة الصاخب مثل نهارها. توقفت سيارة أجرة في ميدان رمسيس. أمام محطة القطار الممتلئة بالنازحين من وإلى أزحم مدينة في العالم. نزل خالد من السيارة، حمل حقائبه، وتوجه للمحطة. توقفت قدماه عندما سمع صوت شاب يصيح بغضب.

"مش تفتحي. ايه عامية"

التفت خالد للصوت ورأى فتاة صغيرة تتلجلج وتعتذر للشاب

"أسفة يا بيه. أنا أسفة خالص"

ثم فرت الفتاة هاربة هلعة ومرتعبة تتلفت وراءها كل حين وآخر. تتخبط في الزحام. راقبها خالد وتذكرها. فقد أعتاد رؤيتها جالسة على جانب الطريق تحت الشمس الحارقة تبيع المناديل بجوار مستشفى الأورام. وكثيرا ما طلبت منه امه رحمها الله أن يشتري منها ويغدق عليها بالمال رأفةً بحالها.

ثارت هذه الفتاة فضوله ليس لسبب معلوم له. فتتبعتها عينيه وهي تجري يمينا وييسارا. لاحظ بعض المتشردين يطاردونها. اقتربت الفتاة منه في محاولة بائسة للإختفاء وسط الزحام. مسكها خالد من ذراعها وسألها.

"في أيه بتجري كدة ليه؟"

نظرت له الفتاة بعيون دامعة تترجاه.

"أرجوك يا بيه ألحقني هيقتلوني"

"مين دول وعاوزين منك ايه؟"

"عاوزين يقتلوني"

سحبها خالد من يديها وبيده الاخرى حمل حقائبه وجري بها ودخل محطة القطار. أخذها لرصيف مزدحم وترك يدها.

"الدنيا هنا زحمة وفي شرطة يعني المكان هنا أمان. خليك هنا لغاية الصبح وتقدري تروحي"

"ارجوك ما تسبنيش هيقتلوني"

"بس القطر بتاعي فاضل له نص ساعة ويطلع مش فاضي. استني هنا للصبح وروحي على بيتك"

"ما هم مش هيسبوني. مش هاعرف اروح."

"ما أنا مش هينفع اوصلك بيتك. أنا مش فاضي. أستني هنا للصبح وبعدين روحي على بيتك"

نظرت الفتاة للاسفل بخجل وقالت.

"انا ماليش بيت."

"طيب ما تروحي مكان ما انت عايشة"

"يا استاذ ارجوك. اللي عايشة معاهم هم اللي كانوا بيجروا ورايا. عاوزين يقتلوني"

"انا القطر بتاعي دخل المحطة. انا لازم امشي دلوقت"

"طيب خدني معك"

 نظر لها خالد بتعجب وسألها.

"اخدك معي فين؟"

"اي حتة. المكان اللي انت رايحه"

"انا مسافر اسيوط. هتسافري معي اسيوط؟"

.بكت الفتاة وترجته

"اروح اي حتة وإلا هيقتلوني زي ما قتلوا اخويا"

أدرك خالد انه لن يستطيع تركها.

"طيب تعالي معي. بس بسرعة انا متأخر لوحدي"

"الله يكرمك يا بيه. الله يوفقك. ربنا يسعدك وينولك اللي في بالك"

"بس بس انت هتشحتي"

"اسفة يا استاذ"

"تعالي"

مسك بيدها قاد الطريق للقطار المتجه لأسيوط. ركب وتبعته هي. كان القطار مزدحم لا يوجد إلا مكان واحد محجوز لخالد. فوضع الحقيبة امام كرسيه وجلست عليها الفتاة.

"قولي لي بقى ايه حكايتك وليه الناس ده كانت بتجري وراك"

"بص يا بيه"

رفع خالد يده يقاطعها.

"لا بيه ولا تيه. لما تقولي لي يا بيه ولا يا استاذ بأحس اني عندي 30 او 40 سنة. انا يا دوب 16 سنة. قولي لي يا خالد"

"حاضر يا خالد بيه"

"وبعدين"

"خلاص يا خالد"

"كدة كويس قوي. اسمك ايه بقى الاول؟"

"اسمي مريم وهاحكي لك حكايتي"

"احكي السكة طويلة والمشوار ممل" 

لا تترك يدي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن