٨..حكاية شؤم

4.2K 108 0
                                    

استرقت هزان النظر إليه فوجدت أنه مشغول بهاتفه..أخذت تأكل في صمت..كانت جائعة جدا لكنها كانت تكابر..ابتسم دون أن يظهر لها ذلك..و أبعد عيونه عنها لكي لا يحرجها..رن هاتفه فابتعد عنها و وقف بجانب النافذة..قال" نعم مارت" قال" صديقي..أين أنت؟" أجاب" لدي بعض الأعمال العالقة..سأنهيها و أتصل بك..ممكن؟" قال" حسنا..كما تريد..المهم أن تكون بخير" ابتسم ياغيز و قال" لا تقلق أخي..أنا بخير..إلى اللقاء" قال" إلى اللقاء" و أنهى المكالمة..التفت إليها فوجدها قد أنهت طعامها و أخذت تجمع الأطباق و تدخلها إلى المطبخ..تركت له طعامه و كأس الشاي خاصته..لكنه لم يكن جائعا..تبعها إلى الداخل..كانت تغسل الأطباق..اتكأ على الباب و أخذ يراقبها..في أعماق نفسه..كان يشتهيها..يريد أن يكون معها من جديد..أن يلامس كل قطعة فيها..كل تفصيلة من جسدها المثير..لكنه لن يسمح لهذه الرغبة بأن تسيطر عليه..يجب أن يساعدها دون أي مقابل..لا لشيء..لكي يثبت لها فقط بأن عمل الخير مازال موجودا في هذه الدنيا..انتبهت إليه فقالت" لقد تركت لك طعامك..لماذا لم تأكل؟" أجاب" لست جائعا..هزان..هل أنت متعلمة؟ هل لديك شهادات؟" نظرت إليه للحظة بحزن سرعان ما أخفته و قالت" أنهيت البكالوريا فقط..و لم أستطع مواصلة دراستي" اقترب منها..ربت على كتفها بخفة و قال" لا تحزني..سأجد لك عملا يحفظ لك كرامتك..و لن تضطري للخجل أو الخضوع لأي شخص" ابتسمت بسخرية و سألت" و أي مجنون سيوظف لديه فتاة لا تملك شهادات و لا خبرة و لا شيء" رد" أنا..ستعملين في شركتي..أنا أملك شركة معلوماتية و حواسيب..بالمناسبة..أنا ياغيز إيجمان..لم نتعرف سابقا" انفجرت ضاحكة و قالت" و انا هزان شامكران..سررت بمعرفتك..لكن لا أعتقد أنك سررت بمعرفتي" سألها" و لماذا ؟ لأنك مشؤومة كما قلت من قبل؟ لماذا قلت ذلك؟ هل تريدين اخباري؟" خرجت هزان من المطبخ و جلست و هي تقول" أنا متعبة..و أريد أن أنام الآن..اذا سمحت لي طبعا" نظر إليها للحظات..ثم قال" تمام..سأذهب و ادعك تنامين..و سأعود في الصباح..سأحضر لك معي بعض الملابس..ليلة سعيدة" و فتح الباب و خرج..

بعد خروج ياغيز..أنهت هزان تنظيف الأطباق و دخلت إلى الحمام..نزعت عنها ثيابها و وقفت تحت المياه الدافئة..جسدها منهك و متعب..قلبها و عقلها أيضا..تعبت من لطمات الحياة التي توالت على خدها..تعبت من تحمل اذلال البشر لها و من تنفيذها لكل ما يطلبونه..تعبت من تلك الكلمة المقيتة التي لاحقتها و التصقت بها منذ يوم ولادتها..فتاة ولدت لتموت أمها و هي تلدها..طفلة انتظرها أبواها طيلة خمس سنوات لم يرزقا فيها بالأطفال..و عندما أتت..لم تترك أحد منهما على قيد الحياة..أبوها كان التالي بعد وفاة والدتها بأسبوع واحد فقط..عمها و زوجته الشمطاء أخذاها إليهما لكي يربيانها..عام واحد فقط..تحملاها فيه..خسر فيه عمها مشغله..مورد رزقه الوحيد..بعد حريق هائل..و سقط ابنهما الوحيد سونار أمام سيارة دهست ساقه فأصبح أعرجا..و كاد يفقد رجله..قاما بوضعها في ملجئ للأيتام لكي يتخلصا من الشؤم الذي حل عليهما منذ اليوم الذي دخلت فيه بيتهما..في الميتم..كانت تلقب بالمشؤومة..لأن مديره توفي يوم وصولها..ثم توالت المصائب الواحدة تلو الأخرى..و ربط الجميع ذلك بها..حياة بائسة و ذليلة..كل أنواع القهر و الحرمان ذاقتها على مدى سنوات..كانت تدفن نفسها في دراستها..تدرس بجد لكي تستطيع تأمين حياة كريمة لنفسها..و ما ان تحصلت على البكالوريا..حتى عادت عائلة عمها لتأخذها إليها..لأن ابنهم سونار كان يريد أن يتزوجها غصبا عنها..كان يكرهها و يحقد عليها لأنه يعتبرها السبب في اعاقته..و كانتقام..كان يريد أن يتزوجها و أن يذلها و يجعلها خادمة له..رفضت بشدة..بكت..تحملت الضرب و الشتم..لكن دون جدوى..استفرد بها ذات مرة و حاول الإعتداء عليها فضربته على رأسه و كادت تقتله..حبسها عمها و زوجته في القبو طيلة أيام لم ترى نور الشمس خلالها..و في يوم الزواج..قامت هزان بالتبليغ عن سونار عندما عرفت بأنه بصدد تمرير شحنة مخدرات مع شحنة المشروبات الغازية القادمة بمناسبة العرس..ألقت الشرطة القبض على سونار متلبسا و هو يعاين شحنة المخدرات..فنجت هزان منه..لكنها لم تنجو من شتم عمها و زوجته..و تعييرها بالمشؤومة..هربت منهما..و صارت تبحث عن عمل هنا و هناك..تطرد من هذا المحل لكي تبدأ العمل في غيره..إلى أن جاءت تلك الليلة التي اختطفها فيها رجلان ملثمان عندما كانت عائدة من عملها في معمل الخياطة في ساعة متأخرة من الليل..و وجدت نفسها مسجونة في بيت للدعارة..حاولت الهرب أكثر من مرة..لكن دون جدوى..ضربتها المرأة المسؤولة عن الفتيات هناك..فاضطرت أن تقبل عندما عجزت عن ايجاد حل..و كان حظها جيدا هذه المرة عندما جعلها تلتقي بياغيز الذي كان أول رجل يلمسها..

تميمة حظي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن