الفصل التاسع بعد العشرين الجزء اﻷول:

225 131 3
                                    

بصوا بقى دا فصل أطول من الفصول اللي كانت أجزاء.
ودا مش لحاجة خالص دا ﻷني الحمد لله كنت صحياً أحسن وكنت قادرة أكتب وكمان أختكم انسجمت في الكتابة.
يﻻ. كل ما تشجعوني أكتر أنسجم أكتر وأكتر.
آه صحيح.
لو عايزيننا نلتقي بكرة مثﻻً ياريت نوصل الرواية ﻷلف وخمسمائة صوت.
وبردو ممكن نلتقي يوم اﻷربع لو حصل نفس الموضوع.
غير كدة مؤكد إن شاء الله هنلتقي يوم التلات.
يﻻ رمضانكم مبارك.
وما تنسوش تحدي اﻷلفين صوت علشان ننزل ٣ مرات في اﻹسبوع.
أسيبكم مع الفصل بقى علشان ما أطولش عليكم.
ولو بعد حين، الفصل التاسع بعد العشرين، الجزء اﻷول:
بابا.
هتف بها يوسف بنبرةٍ غريبة لم يفهمها عمرو في غمرة شعوره به. أما هو فنطقها متلعثماً وكأنه أول مرة ينطقها.
أخيراً أبعده عنه بعد ما ضمه بقوة ثم هتف بتساؤلٍ وهو يغرس نظراته في عينيه مباشرةً:
أنت مصدقني؟
أنا ما قتلتش يا يوسف. والله ما لوثت إيدي بدمها.
اغرورقت عيناه بالدموع فلم يملك عمرو إﻻ أن أسرع نحوه يحتضنه بقوةٍ ثانيةً. بينما ظل يوسف على حالته تلك لمدةٍ ليست بالطويلة، ثم هتف بتقطعٍ:
أنا. عمر ما عبد الله حضنني وﻻ حضن أختي حتى. ما كناش بناخد الحنان غير من ماما.
رفع رأسه عن حضنه قليلاً ثم هتف بلوم:
كان ﻻزم ماما تعرفني كل حاجة، ما تسيبنيش أتنسب لواحد مش أبويا.
ربت عمرو على ظهره برفق ثم مسح له دموعه هاتفاً بدفاع:
مامتك ما كان لهاش أي ذنب يا يوسف.
هما أكيد هددوها بيك، وهي كانت عايزة تحافظ عليك بأي شكل.
هي كانت بتتمنى تخلف مني طفل قوي.
كانت بتقول لي علشان يبقى ذكرى يفكرني بيك كل ما أشوفه.
وآهو أنت حققت لها كل اللي كانت بتتمناه أكتر وطلعت شبهي الخالق الناطق.
ابتسم بحزنٍ للذكرى ثم أضاف بشجنٍ أكثر:
كانت أيام جميلة يا يوسف.
بس قول للزمان ارجع يا زمان.
هيرجع.
هتف بها بأملٍ بينما أضاف عمرو بواقعية:
يرجع؟ يرجع فين بقى؟ أنا بقيت بني آدم مليان مشاكل من كل الاتجاهات.
رد يوسف بيقين:
طالما ربنا موجود يبقى اﻷمل هيفضل موجود.
يويو علمتني كدة.
أنتوا كويسين؟
مش محتاجين حاجة؟
هتف بها عمرو بحبٍ صادقٍ فهتف يوسف بقلق:
مش عارف يا بابا.
ضمه ثانيةً لحضنه وهو يهتف بتحذير مصطنع:
ولد. اسكت ما تقولش الكلمة دي.
مش هقدر. هحضنك كل شوية.
تشبث يوسف به هاتفاً بابتسامةٍ واسعة:
اعمل اللي أنت عايزه يا دكتور. إحنة ما نقدرش نعترض عليك.
أبعده عمرو عنه كي يتسنا له الحديث بجدية ثم أعاد سؤاله:
في إيه بقى؟
سندس طالعة في مطلوع عايزة أشتغل.
ماما قالت لها اعتذري لهم والرجل مشكور خﻻها تشتغل من البيت، بس سندس بتقول زهقت من الحابسة في البيت، وأنا مش عارف أعمل إيه.
إذا كان اللي اسمه عبد الله قطرني أنا وكان عايز يعرف مكان ماما وعلشان كدة أنا غيرت طريقي للقسم، فمش هيقدر يقطر سندس ويراقبها وفي مرة يستغل إن ما حدش في البيت وياخدها.
هتف عمرو بيقين:
دي لو راحت تحت إيده مش هيرحمها.
آهي رفعت عليه قضية خلع.
بس ممكن يطلبها في بيت الطاعة، ومش هعرف ساعتها أعمل إيه.
هتف بها والحيرة بادية على وجهه، فهتف عمرو ببساطة:
أنتوا مش معاكوا التقرير الطبي؟
أماء برأسه إيجاباً فأضاف باطمئنانٍ:
يبقى ما تخافش. إن شاء الله هيتحكم لها من أول جلسة.
ثم استطرد بدعابة حاول فيها تخفيف ذبذبات الحزن التي بدأت تنتشر في ذرات الهواء بينهما:
ثم أنا اللي هقول لك على الحاجات دي يا حضرة المحامي وﻻ إيه؟
أنا دكتور على فكرة.
هتف يوسف بعد أن ابتسم لدعابته بتساؤلٍ:
حور؟ هتعمل فيها إيه؟
همهم بتفككيرٍ ثم أضاف:
ﻻ. حور دي سيبها لي، بس ما تقلقش، هتعرف قريب قوي.
تقريباً كدة آن اﻷوان إن الماضي يتكشف ويخرج للنور أخيراً.
طرق آدم الباب بخفةٍ ثم دفعه يدخل أوﻻً ثم تتبعه حور هاتفاً بابتسامته الودود المحببة للقلوب:
ندخل بقى وﻻ إيه يا حضرة المحامي؟
وقف عمرو بمجرد دخوله بينما يوسف هتف بعد أن بادله الابتسام:
أيوة. يﻻ وأمري لله. مع إن دخولكم قطع موضوع حساس.
والله أنا مش عارف أقول لك إيه، كان فاتي باعت جايبك دلوقتي ضبط وإحضار على فكرة.
هتف بها آدم بجدية مصطنعة ثم مصمص شفتيه بإشفاقٍ مضيفاً:
يا حرام. والله كنت هتصعب عليا والكﻻبش كدة في إيدك.
ﻻ وآدم بيه الحقيقة ذوق خالص يا واد يا يوسف. بكل شياكة كدة جاي واخدني من المستشفى بتاعتي.
هتف بها عمرو بابتسامةٍ زينت ثغره ﻻ تعرف حور سببها فهتف آدم بنفس جديتها المصطنعة:
طبعاً ذوق جداً، وﻻ أنت عندك اعتراض؟
هتف بتبجيل:
أنا أقدر؟
دا أنت على دماغنا من فوق.
آه. بحسب.
هتفت حور بملل:
طيب. أنا دلوقتي دوري إيه بالظبط مع كريم؟
وقت ما يعرض عليكي الموضوع تاني تجيبيه وتيجي لباباكي علشان يخطبك.
هتف عمرو بقلق:
بس خلي بالك من نفسك يا حور.
أنا ما عنديش استعداد أخسرك.
هتفت حور بحنان:
ما تقلقش عليا يا بابا.
أنا هبقى كويسة.
أستاذ يوسف أخبار مريم إيه؟
هتفت بها بتساؤلٍ بعد ما وجهت نظرها نحو يوسف المبتسم ببﻻهة فأضاف بعدم استيعاب:
ها؟ مالها؟
هتفت باستغراب:
أقصد يعني بتزورها وﻻ إيه؟
آه. ﻻ. لسة هعمل لها زيارة. تحبي تيجي معايا؟
هتف بها بمودةٍ وﻻزال يرمقها بتلك النظرات الغريبة التي ﻻ تعرف لها تفسير فهتفت بتوترٍ:
ﻻ. لما تبقى ندى معايا علشان نبقى مع بعض.
مش هستحمل أزورها لوحدي.
يعني هي هتشوف إنها مالهاش ذنب في اللي حصل وفي اﻵخر اتحبست وحنا ﻻ.
مريم؟
ﻻ طبعاً مريم أعقل من كدة.
هتف بها بعدم اقتناعٍ فهتفت بثقة:
مريم دي عشرة. ثم هي واضحة وما بتعرفش تداري. دلوقتي لما تروح لها تشوف وهتتأكد من اللي أنا قلته لك.
رد بعدم اقتناعٍ أكثر:
يمكن. أنتي أدرى.
....................
طرقات خفيفة على باب المكتب بالمشفى.
دخلت بعدها نجﻻء تبلغها بوجود معاذ بالخارج في انتظارها.
توترت من المفاجأة لكنها هتفت بثبات ظاهري:
خليه يدخل.
امتثلت ﻷمرها ثم تراجعت خطوتين للخلف سائلة إياها بارتباك:
هو مافيش أخبار عن دكتور عمرو يا دكتورة؟
تأففت شمس هاتفة بعصبية:
والله لولا الشغل اللي الواحد محتاجه ما كانش كمل شغل هنا مع البني آدم دا. ثم روحي دوري على أخباره في الجرايد والصحف الكبيرة.
تضايقت نجﻻء من كﻻمها السيئ عن رب عملها لكنها مررت اﻷمر عازمةً على إخبار عمرو عند عودته برأي من يثق بهم كي يحذرَ منهم أكثر.
خرجت من مكتبها وعﻻمات الضيق تكسو وجهها تبلغ معاذ بالدخول.
سار بتبخترٍ يشوبه بعض الانبهار عبر الرواق القصير المؤدي إلى مكتبها.
على فكرة دا مكتب الدكتور عمرو، مش مكتبها يعني.
أنا مش عارف ليه ما سابليش أنا إدارة المستشفى. ساب لي إدارة العيادة بس.
دا على أساس إنها يعني هي اللي عندها خبرة وأنا ﻻ.
هتف بها لنفسه بغضبٍ من قرارات عمرو ثم حاول ضبط انفعالاته قبل أن يطرقَ الباب بابتسامةٍ رسمها ببراعةٍ على وجهه.
فتحت له الباب مستقبلة إياه بابتسامةٍ واسعة تهتف بترحاب:
أهﻻً وسهلاً يا دكتور معاذ. اتفضل.
هتف بتعالٍ غير ملحوظٍ لها:
مع إن المفروض أنتِ اللي تيجيني وتعتذري لي عن الطريقة اللي أخوكِ صاحب أخويا اتعامل بيها معايا هو وخالك.
هتفت بدفاع:
أخويا وخالي عملوا الصح. أنا ما كانش المفروض أسمح لك تقرب مني كدة وﻻ تلمس رقبتي بالشكل وﻻ كأننا متجوزين.
جلس على المقعد الوثير وعيناه تدور على كامل تفاصيل المكتب بانبهارٍ واضحٍ هاتفاً بضيق:
بس هما كدة بيضعفوا شخصيتك يا دكتورة. بيقرروا عنك وكأنك ما كبرتيش وما بقاش ليكي شخصيتك المستقلة. مع إن دا مش حقيقي. يعني لو كانت شخصيتك ضعيفة، ما كانش الدكتور عمرو خﻻكي تديري مستشفى من أشهر وأكبر المستشفيات رغم كل اللي حصل له دا.
انتقل ضيقه لها فهتفت بارتباك:
أخويا عمره ما رفض لي طلب أبداً. هو بس بيعرفني غلطي وبيعرفك إني غالية قوي، وبيعمل بوصية ماما الله يرحمها وبيخلي باله مني.
لو يطول يجيب لي نجمة من السما هيعمل كدة.
زفر بعدم اقتناع ثم أردف:
عموماً أنتِ حرة.
لو عايزاهم يتدخلوا في حياتك بعد جوازك من أي حد فأنتِ حرة.
ﻻزم أخوكِ على اﻷقل يدرك إنك أنتِ الكبيرة وإنك ليكِ كلمتك.
عندك إخواتي مثﻻً. عارفين إني أنا الكبير. يتسجروا يعارضوني في كلمة كدة وﻻ يكسروا لي كلمة؟ ما يجرؤوش.
ضاقت بوجوده ذرعاً ﻻ تعرف لماذا فهتفت بنفاد صبر:
حضرتك عايز توصل لي إيه يا دكتور بكﻻمك دا؟
عايز أوصل لإني بحبك يا دكطتورة، ومش عايز غيرك زوجة وحبيبة وأم لوﻻدي في المستقبل.
تاهت في عالمه وهي تراه يتقدم ببطءٍ يجثو على ركبتيه يخرج من جيب بنطاله علبة صغيرة بها خاتم من اﻷلماس الخالص يأخذ بيدها دون أدنى مقاومةٍ منها يلبسها إياه في بنصرها اﻷيمن هاتفاً بعد ما رفعه نحو شفتيه يقبله برقة:
تتجوزيني يا دكتورة؟
شهقت من المفاجأة وحﻻوتها ودقات قلبها تصل إلى عنان السماء وارتجفت يدها المستقرة في راحته ثم أماءت برأسها إيجاباً فابتسم بانتصارٍ لوصوله لمراده ناهضاً من اﻷرض يستند على قدميها بكفيه هاتفاً برومنسيةٍ سحرتها:
أنا مش قصدي أقلل منك وﻻ من أخوكِ. أنا بس بفقد كل صوابي معاكي. ما بعرفش أقاوم إحساسي بيكي يا دكتورة.
لم تعرف بماذا تجبه فنهضت من مقعدها أخيراً تناظر خاتمه الذي يزين بنصرها في المرآة القريبة هاتفةً بانبهار:
جميل قوي.
اتجهت نحوه تشكره فتلقفها بين ذراعيه في عناقٍ سريعٍ فعل بقلبها اﻷفاعيل وهي مستسلمة له تماماً وبكل ما يفعله بها هاتفاً بعد ما قبل جبينها برقة شديدة:
لو قلعتي الخاتم من إيدك قدامي على اﻷقل هعرف إنك ما قدرتيش تقنعي أخوكي وخالك بالجواز. وهحاول مش عارف إزاي أنسى كل الذكريات الجميلة دي.
تركها في غمرة شعورها به فودت لو أوقفته مطالبةً إياه بالمزيد لكنه وصل إلى مراده وتركها في اللحظة المناسبة هاتفاً ببعض من الجدية:
سﻻم يا دكتورة، بس هستنا ردك في أقرب وقت.
فتح الباب واستند عليه بذراعه هاتفاً بتحذير:
بس معاذ متولي ما بيفرضش نفسه على واحدة مهماً كانت غﻻوتها عنده.
أغلق الباب بهدوءٍ بعد ما رمقها بنظرةٍ مليئة بالعشق وأهداها إحدى ابتساماته الساحرة مما جعلها تسرع نحو مكتبها تلتقط هاتفها النقال تجري مكالمة سريعة. بل عاجلة ﻵدم.
......................
بينما كان آدم يجلس على مكتبه يناظر عبد الله بغضبٍ وعﻻمات الجدية تكسو وجهه بالكامل هاتفاً:
أنا عايز أفهم بقى. هو القسم دا تكية أبوك؟
تدخله زي ما أنت عايز وتخرج منه بردو زي ما أنت عايز وﻻ كان في مواعيد من المفترض إنك تلتزم بيه؟
لم يرد عبد الله فﻻحقه آدم بالأسئلة بنفس جديته وصوته الصارم:
عملت إيه بقى خﻻ الدكتور يضربك بالشكل دا؟
تلعثم أكثر وبدأت حبات العرق تتجمع على وجهه المكدوم فهتف بدفاع:
ما عملتش حاجة يا باشا. اسأله حضرتك هو ضربني كدة ليه؟
أنا اتفاجئت من طريقته والله.
مش عارف أنا عملت له إيه.
آه.
هتف بها بغموضٍ ثم أضاف بتهديد:
طب بص يا عبد الله. أنا من الناس اللي ما عندهمش صبر، وما بيحبوش الغلط واللوع. فأنا لو لقيتك مش ملتزم كدة زي ما أنت دلوقتي أنا هرميك في الشارع ﻻ تلاقي شغلة وﻻ مشغلة، وشوف بقى مين اللي هيشغلك.
هتف بسرعة:
حاضر يا بيه. حاضر والله. أنا.
قاطع استرساله رنين هاتفه النقال فهتف باحتقارٍ لم يملكه:
اطلع برة مكتبي.
خرج عبد الله وفكرة واحدة هي التي تسيطر عليه اﻵن:
ﻻ بد أن ينهيَ ما جاء من أجله قريباً حتى يرحلَ من هذا المكان تماماً.
رد آدم على هاتفه أخيراً بعد انتظارٍ لم تطقه شمس فهتفت به بشبه عصبية:
وبعدين بقى يا آدم في خالك وتدخله السافر في حياتنا دا؟
استغرب من انقﻻبها الشديد وكم التغيرات التي طرأت عليها في الفترة اﻷخيرة فهتف بهدوء:
اهدي يا شمس، خلينا نعرف نتكلم.
نتكلم في إيه يا آدم؟ الكﻻم انتهى خﻻص. أنا مش هتجوز غير معاذ.
ضرب المكتب بعصبيةٍ هاتفاً:
يا شمس دا كان بيبص للبيت باستحقار. كأنه ندم على قرار جوازه منك.
كان واضح جداً إنه عايز واحدة من نفس مستواه الاجتماعي.
هتفت بدفاعٍ وقد اندفعت ذكرى عناقه السريع لها في رأسها:
مستحيل. لو كان عايز ينهي الموضوع ما كانش كلمني النهاردة واعتذر لي على كل اللي حصل.
هتف بنفس طريقته:
يا شمس كان بيلمسك ومش هيحافظ عليكي.
هتفت وﻻزالت الذكرى تمر أمام عينيها:
وفيها إيه؟ مش إحنا في حكم المخطوبين؟
بطل بقى تفكيرك القفل دا يا آدم.
صمت مصدوماً من تفكيرها الذي تغير بالكلية فجأةً وكأنه كان بعيداً عنها من قرونٍ ثم أضاف مبهوتاً:
تفكيري قفل؟
وهي مش دي التربية اللي ربتها لنا ماما الله يرحمها؟ 
ماما ماما ماما؟ ارحمني بقى يا أخي من المواعظ دي. أنا بعرفك إني مش هتجوز غير معاذ يا آدم، وأنتوا أحرار بقى. أنا ما أضمنش أنا ممكن أعمل إيه.
هتفت بها بنرةٍ متأرجحةٍ بين العصبية والتصميم فهتف بعصبيةٍ قلما تراها منه:
وأنا ما بتهددش. ولو عايز أخفي معاذ من على وش الدنيا في سبيل الحفاظ عليكي هعملها.
أنا مش باخد رأيك على فكرة. أنا الكبيرة هنا. مش أنت. أنا بس بعرفك.
قاطعها بصدمة:
مش بتاخدي رأيي؟
ﻻ فعﻻً ونعم التربية. ما هي الطيور على أشكالها تقع.
أغلق الخط في وجهها ثم رفع سماعة الهاتف الداخلي هاتفاً بأمر:
هات لي الدكتور عمرو في مكتبي يا شاهين.
يوه. كل مرة الدكتور عمرو الدكتور عمرو؟ هما إيه؟ ما بيزهقوش؟ هو مش كان لسة عنده الصبح؟
هتف بها شاهين باعتراضٍ بعد ما أغلق آدم السماعة فهتف عبد الله باستغراب:
ليه يا أخويا؟
هما كانوا يعرفوا بعض؟
هتف شاهين بتفكير:
ما ظنيش.
بس الموضوع زاد عن حده قوي.
نهض من مقعده وهو يهتف بضيق:
لما أوديه بدل ما يزعق لي وهو عصبي.
طرقات خفيفة على الباب دخل بعدها شاهين هاتفاً بعمليةٍ بعد تقديمه للتحية العسكرية:
المتهم برة يا فندم.
دخله.
أجابه بها باقتضابٍ وانتظر دخول عمرو على أحر من الجمر.
دخل اﻷخير وهو يرمق المكتب ثم الجالس على المقعد يضع وجهه بين راحتيه بنظراتٍ سريعةٍ فهم منها ضيق الجالس أمامه الشديد.
آثر الصمت وانزوى بنفسه في ركنٍ من الغرفة حتى رفع آدم وجهه أخيراً بعد فترةٍ ليست بالقصيرة هاتفاً بصوتٍ مبحوح:
اقعد.
ﻻزالت تعابير وجهه منقبضة وهذا ما أزعجه كثيراً لعدم اعتياده على هذا اﻷمر.
دائماً ما كان مبتسماً، ودوداً، لبقاً في الحديث.
انفرجت شفتاه يهم بقول شيءٍ ما لكنه أطبقهما ثانيةً ثم أعاد الكرة لكن هتف بتصميم هذه المرة بصوتٍ حاول بشتى الطرق أن يخرجَ هادئاً:
هو أنا ممكن أسألك مالك؟
وكأنه ضغط على زر الانفجار.
الهانم عايزة تتجوز واحد ما بيحبهاش، وما بيصونهاش. الهانم ما بتاخدش رأيي. ﻻ. دي بتعرفني بس هي هتعمل إيه. مش مستوعبة إنه ما ينفعهاش.
غيرها ومحى كل اللي هي اتربت عليه. محاه بسهولة مش عارف إزاي؟
تنهد بحزنٍ هاتفاً بعد فترة:
ﻷنها من جواها ما كانتش مقتنعة بكل المبادئ اللي هي اتربت عليها. هي اتولدت لقت دي حياتها فاضطرت تعيشها، لكن لما اللجام اتشد جامد الخيل فلت فما عادش ينفع السيطرة عليه.
المبادئ عندها ما كانتش راسخة زيي بالظبط.
تألم لمرأى هذه النظرة في عينيه فهتف بهدوء:
أنت إيه اللي دخلك في الحاجات دي بس دلوقتي؟
علشان مهماً كان اللي عملوه أهلي فالغلط اﻷكبر بيقع عليا أنا مش عليهم.
سيبك مني أنا خلينا في الهانم اللي تخصك.
هي دلوقتي العند واخدها. وأنت لو عندت قصادها هتخسرها.
هتف بها بحكمةٍ فهتف اﻵخر بعصبية مشوبةٍ بعدم اقتناع:
يعني أنت عايزني أجوزه لها؟
آه. دا ﻻزم أنت اللي تجوزه لها. على اﻷقل يبقى عارف إن البنت دي وراها أهل يردوا لها حقها لو هو فكر ييجي عليها في يوم من اﻷيام. انصحها ﻵخر مرة بس بعد ما تقول لها إنك موافق على اللي متقدم لها. وسيبها تخوض التجربة يمكن هي اللي ترجع لك.
....................
يرن جرس الباب بقصر أحمد الألفي بتصميم.
أسرعت الخادمة نحو الباب تفتحه ثم هتفت بترحاب بعد استوعابها للزائرتهم هذه الليلة:
ليلى. يا مرحبة يا مرحبة.
لم ترد عليها ترحيبها فدفعتها من كتفها برفقٍ هاتفة:
عديني خليني أدخل.
استاءت مما فعلته الأخيرة بها وكأنها ﻻ تطيق الوقوف معها لكنها استفاقت من شرودها القصير على قولها اﻷرسطوقراطي المتسائل:
هنية هانم وأحمد بيه موجودين هنا؟
هتفت بضيقٍ جلي على مﻻمحها:
أيوة يا ست هانم. ارتاحي على بال ما أدي لهم خبر، بس تحبي تشربي إيه اﻷول؟
هتفت ليلى بأمر:
ﻻ. أنا هتعشا. وجهزي لي أوضة محترمة كدة وظبطيها علشان هبات.
ودت لو تسألها عن حور لكنها آثرت الصمت وكبتت فضولها بصعوبةٍ ثم انطلقت من فورها مسرعة تنفذ ما أمرتها به بعد ما أماءت برأسها بامتثال.
دخلت هنية وأحمد بعد فترةٍ ليست بالقصيرة وعﻻمات البشر تظهر على وجهيهما وأحمد يهتف:
ياه يا ليلى. والله زمان. بقى لك كتير ما جيتيش هنا.
وقفت لاستقبالهما تصافحهما وتقبل أيديهما بتبجديلٍ ثم أضافت بحسرة:
أيوة. من أيام خطوبتي لعمرو ما جتش هنا.
هتف أحمد بحزنٍ صادق:
الله يرحمه. كان دكتور كويس.
ﻻ تعرف من أين أتتها هذه القسوة فرددت بقلبٍ مكلوم:
الله يرحمه ويرحم أمواتنا وأموات المسلمين.
استغربا من تغيرها الشديد لكنهما أرجعاه لصدمتها في عمرو ووبهذا لم تبقَ سوى حور التي ستنضم لهذه الدائرة عاجلاً أو آجلاً.
هتفت ليلى وهي تضع قدماً فوق اﻷخرى:
دلوقتي أنا ابنكم جرحني جرح لو واحدة غيري مش هتقوم منه أبداً. وواجب عليكوا تعويضي.
للأسف. هو خد كل الفلوس. سبقنا ابن اللي هو ابنه بخطوة.
هتف بها أحمد بفخرٍ طفيفٍ بولده الذي استفاد منهما شيئاً ولو على اﻷقل فأكملت هنية عنه:
والفلوس اللي هنا يادوب على قد المعيشة.
رمقت القصر بنظراتٍ غير مقتنعةٍ بما تقول ثم هتفت بجراءة:
ﻻ أنا عارفة مستواكم كويس قوي. أنتوا كل يوم تجارتكم بتكبر أكتر وحياتكم بتزدهر أكتر. بس أنا مش عايزة فلوس. أنا عايزة جواز.
شهقت هنية بصدمةٍ وهي تردد خلفها:
جواز؟
هتفت ليلى ببساطة:
أيوة. أول ما عدتي تخلص هتجوز تاني أو تالت يوم بالكتير، بس عايزة حد يكون تقيل كدة يا هنية هانم. أنا بنتكم بردو، وعايزة فرح كبير قوي البلد تفضل تحكي عنه لسنين قدام. وعايزة الجرايد والقنوات الرسمية ييجي يصوروا زوجة الدكتور المرحوم عمرو اﻷلفي وهي بتتجوز غيره.
كان أحمد هو أول من تدارك صدمته فهتف ببساطةٍ تماثل بساطتها في الحديث:
يا سﻻم يا ليلى. غالي والطلب رخيص.
وعلشان يبقى زيتنا في دقيقنا يبقى مافيش حد تقيل وينفعك غير رفعت الدهان.
....................

رواية ولو بعد حين.، الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن