الفصل الرابع بعد الثﻻثين، الجزء اﻷول:

153 61 4
                                    

السﻻم عليكم.
الحمد لله البارت الجديد نزل أهو.
بس ما تنسوش الفوتينج فضلا وليس أمراً؛ ﻷن التفاعل على الرواية اﻹسبوع دا قليل قوي قوي.
ولو الفصل عجبكم ما تنسوش تقولوا لي رأيكم في كومنت.
اﻷحداث بتشتعل أكتر وأكتر.
يﻻ.
قراءة ممتعة.
ولو بعد حين، الفصل الرابع بعد الثﻻثين، الجزء اﻷول:
كان معاذ يترأس المائدة -كعادته- منذ وفاة والديه.
جلست ندى برفقة خالد على المقعدين المتقابلين وكل منهما غارقً في أفكاره الخاصة، حتى قطع معاذ الصمت بقوله المرح:
إيه يا شباب الجيل الصاعد؟
ما حدش سألني يعني هتتجوز فين يا معاذ؟
ردت ندى باستغراب:
يعني إيه يا ميزو؟
طبيعي مش لسة في خطوبة؟ ولسة هتشوف شمس حابة تقعد فين؟
ضحك معاذ بهدوءٍ هاتفاً باعتراضٍ:
ﻻ ﻻ يا ندوش. أنتِ فاهمة غلط خالص.
شمس مين دي اللي آخد رأيها في حاجة؟
وضعت ندى الملعقة التي كانت تمسك بها على المائدة بعصبيةٍ هاتفةً باستنكار:
يعني إيه يا معاذ مش هتاخد رأيها؟
دي حياة قايمة بينكم على المشاركة.
مش واحد فيكم بس هو اللي ياخد كل القرارات.
ابتسم لها معاذ بهدوءٍ هاتفاً ببعض الصرامة:
ندى. كملي أكلك.
ثم هي كانت حرة لحد ما اختارت إنها تتجوزني. وأنا ما غصبتهاش على حاجة. وﻻ ضربتها على إيدها. كله كان قدامكم.
قطع خالد الحوار المحتدم بينهما بسؤاله الغامض:
إﻻ قول لي يا معاذ.
أنت ليه لسة شغال مع المجرم اللي اسمه عمرو اﻷلفي؟
أجابته ندى ببعض العصبية:
إيه يا خالد؟
منين بتقول عليه مجرم وهو لسة ما اتحكمش عليه؟
مش المتهم بريء حتى تثبت إدانته؟
هتف خالد بهدوء:
حبيبتي أنتي مش فاهمة حاجة.
حتى لو هو طلع بريء. وأنا بقول لو يعني خلاص سمعته اتضربت في السوق.
أيوة بس.
هتفت بها ندى مجادلة فقاطعها معاذ بجوابه المؤيد:
فعﻻً يا خالد. دا اللي كان أستاذ في طب المخ واﻷعصاب. بس هو هياخد زمنه وزمن غيره؟
أنا اللي مقعدني معاه بس إني باخد خبرة.
أيوة يا معاذ بس إحنا معانا فلوس كويسة الحمد لله تخليك تفتح عيادة وأنت مرتاح، وﻻ حتى مستشفى لو حبيت.
هتف معاذ بضيق:
يا ابني ما أنا بتنيل آخد خبرة. يعني أنا محتاج إني أتشهر من خﻻل شغلي مع عمرو.
هتف خالد يناقشه:
أيوة يا حبيبي بس الوضع دلوقتي اتغير.
الناس بالشكل دا مع طول استمرار شغلك معاه مش هتجيلك.
يعني هيقولوا إن عمرو دا هيطبع عليك، ومش بعيد تكون زيه والكﻻم دا يعني.
أنت فاهم يا ميزو بقى.
هتف معاذ بقلق من القادم:
طب والحل يا خلود؟
حل بسيط خالص.
هتف بها ببساطةٍ ثم صمت لبرهةٍ كي يضمنَ حصوله على جل تركيزه فهتف معاذ بنفاد صبر:
انجز يا خالد وقول لي إيه هو؟
بص يا سيدي.
شمس ما هتصدق تتنقل معاك لبيت تاني وحياة تانية ما كانتش تحلم بيها. وهترضى بأقل القليل يعني.
شمس؟
وهي هتسيب مستشفى عمرو اﻷلفي بعد كل اللي وصلت له دا؟
هتف بها بنبرةٍ محبطة فرد خالد بابتسامةٍ واثقة:
لما تعرف إنها هيبقى لها الربع من إيراد العيادة أو المستشفى مش هتنطق بوﻻ كلمة. وهتحس إنك جوزها حبيبها ومقدرها.
يعني اتجوزها واستفيد من خبراتها اللي كونتها على مدار السنين اللي فاتت.
هتفت ندى باستنكارٍٍٍ:
معقول؟
بعد دا كله تسيبه في شدته؟
طب مين اللي هيدير المستشفى وهو مش موجود؟
هتف معاذ بعد تفكيرٍ سريعٍ يقلب الأمور في رأسه:
مش شغلنا بقى. يبقى يطلع من السجن يديرها هو.
هتف بها بشبه نبرةٍ شامتة فهتف خالد بسخرية:
ما حدش قال لبنته ما تدخلش كلية الطب.
كان فاتها دلوقتي بتلم بﻻوي أبوها.
ضحكا الاثنان بسخريةٍ بينما ضاقت ندى ذرعاً بجلستهما فنهضت بعصبيةٍ دافعةً مقعدها للخلف ببعض العنف هاتفة:
الحمد لله شبعت. بس ياريت تفكروا إن حور صاحبتي وما أحبهاش تتضر في حاجة. خاصةً إن الدكتور عمرو كان واثق في شمس جداً.
هتف معاذ ببراءةٍ مصطنعة:
يا أختي أنا مش هغصبها على حاجة. أنا هعرض عليها وهي بقى توافق ترفض هي حرة.
آه بعد ما تزين لها العالم الجديد اللي هي هتدخل فيه.
ممكن يا ندى ما تتدخليش في اللي ما لكيش فيه؟
ويا ستي روحي قولي لصاحبتك تلحق تشوف حد مكانها قبل ما هي تمشي.
انصرفت من أمامهما تضرب الأرض بقدميها من الغضب، بينما كان خالد يعتدل في جلسته كي يجلس قبالة معاذ هاتفاً بعملية:
ركز بقى معايا يا نجم علشان تعمل مشروع مضمون.
ومستشفتك تنافس مستشفى عمرو اﻷلفي في فخامتها وشهرتها.
......................
جلست يمنى شاردة في المشفى على كرسيها بغرفة يوسف وسندس بجوار فراش اﻷخيرة لتسمعَ سؤالها المقتضب:
ليه؟
ليه يا ماما ضيعتي الفرصة من إيدك؟
نظرت نحوها معاتبة وهي تهتف:
بقى أنتي كنتي عارفة كل اللي حصل يا سندس وما هانش عليكي تعرفيني مين دا.
هان عليكي تسيبيني في شكي دا وما فكرتيش ترحميني منه؟
هتفت سندس مدافعة:
يا ماما أنا ما عرفتش إن دا الدكتور عمرو إﻻ لما حور قالت لنا.
والله ما كنت أعرفه.
ووقت ما حور كانت بتقول لنا كانت بتأكد إن الموضوع يفضل سر.
تقريباً الظابط اللي كان معاه هو اللي منبه عليه يعني ما يقولش علشان ما تحصلش مشكلة وكدة.
فأنا مش ذنبي والله يا حبيبتي.
لو كان بإيدي كنت هعرفك طبعاً.
أنا ما ليش غيرك أنتي ويوسف يا ماما.
ومش عايزاكي تزعلي مني علشان خاطري.
غلطة مش مقصودة ومش هتكرر تاني.
ابتسمت يمنى لها وهي تهتف:
طول عمرك بتعرفي تكسبيني يا سندس.
سواء أنتي سواء يوسف.
وما بعرفش أزعل من حد فيكم.
هتفت سندس بحب:
ربنا يبارك لنا فيكي يا ماما وما يحرمناش منك أبداً.
صمتت قليلاً تحاول ثبر أغوار قلبها بنظراتها المسلطة على مﻻمحها المبهمة بالنسبة لها ثم أردفت بتساؤل حذر:
بس أنتي حسيتي بإيه ساعة ما شوفتيه؟
ولما كلمتيه؟
تنهدت يمنى وقد عاد قلبها لنبضه الصاخب ثم أجابتها بتوتر:
معرفش يا سندس.
كانت مشاعر غريبة ومتلخبطة قوي.
مرة حسيت إني نفسي أخده في حضني وأشيل عنه كل التعب اللي شافه.
ومرة حسيت إني عايزة أعاتبه على كل اللي حصل من أهله فيا وهو وﻻ سأل وﻻ اهتم يعرف أنا فين.
ومرة تالتة حسيت إنه بقى ضعيف. مكسور. مش عمرو اللي كنت عارفاه. ضحكته مش صافية زي ما كان معايا.
وبعدها استغفرت ربنا ﻷني استحرمت أفكر في رجل مش ليا وﻻ عمره هيكون في يوم من اﻷيام.
عمرو كان حاجة حلوة قوي. دخل حياتي وساب لي القليل من الذكريات الرائعة أعيش عليه.
استيقظ يوسف على رنين هاتف والدته فسحبته يمنى بسرعة من أمامها تطالع اسم رضوة على الشاشة ثم أجابتها على الفور وابتسامة واسعة ترتسم على محياها:
ألو. إزيك يا رضوة يا حبيبتي؟
طمنيني إيه اللي حصل؟
انتبه يوسف عند سماعه لاسم رضوة وتساءل بفضول:
في إيه يا يويو؟
في حاجة؟
بينما كانت رضوة تشرح لها الموقف الراهن فاختفت ابتسامتها وحل محلها القلق واﻹحباط وهي تسأل بقليلٍ من اﻷمل:
يعني مافيش فايدة؟
مش هيعرفوا يلحقوهم؟
استمعت لها قليلاً ثم أضافت بامتنان:
شكراً يا رضوة على تعبك معانا.
ما نجيلكيش في حاجة وحشة.
صمتت قليلا لتسمعها تسأل عن يوسف بحيائها المعهوود فهتفت بابتسامةٍ ودودٍ تجيبها:
يوسف كويس الحمد لله بيسلم عليكي كتير. وإن شاء الله هيخرج قريب.
صمتت قليلاً ثانيةً تسمع ردها بينما كان سندس ويوسف يتبادﻻن النظرات المتسائلة بينهما وكانا يتحرقان فضوﻻً لمعرفة ما يجري من أحداث.
انتبها على إغﻻق يمنى للهاتف ووضعه أمامه وهي تتنهد بإحباط.
انفرجت شفتاها تهم بقول شيءٍ ما لكنها أطبقتهما ثانيةً مرغمة.
كيف ستطلب من يوسف وهو في هذه الحال أن يبحثَ لهم عن مكانٍ آخر للسكن؟
كيف سيبررون الأضرار التي حدثت للشاليه؟
في إيه يا يويو؟
كان هذا صوت يوسف المتعب الذي أفاقها من شرودها التي انسحبت فيه رغماً عنها فتنهدت بضيقٍ ثم تنحنحت تنظف حلقها قبل أن تجيبه بضيقٍ جلي:
عبد الله وشوية ناس ما أعرفهمش اتهجموا على الشاليه.
شهقت سندس بصدمةٍ وهي تسأل:
وهو عرف منين عنواننا؟
هتف يوسف وهو يحاول التذكر:
أنا ما شوفتوش كان بيراقبني.
المرة الوحيدة اللي لمحته فيها ما سكت لوش. وما مشيتش إﻻ لما اتطمنت إنه بعد خالص عن المكان.
وفضلت ألف شوية في الشارع وعملت مشوار كان مهم وقتها واتأكدت تماماً إنه ما كانش ورايا. يبقى عرف العنوان إزاي؟
أجابته يمنى بعدم معرفة:
مش عارفة يا يوسف. المهم رضوة بلغت البوليس بس هما كانوا هربوا.
رضوة مين؟
هتفت بها سندس بفضولها المعتاد فهتف يوسف بضيق:
هقول لك بعدين.
ثم توجه ببصره نحو يمنى هاتفاً بتعب:
يبقى أنتوا ما عادش ينفع تروحوا هناك تاني. أنا مش هبقى بشتغل بتركيز وهبقى قلقان عليكم طول الوقت.
هتفت سندس بضيق:
طب والعمل يا يوسف؟
هنروح فين؟
....................
شهقا الاثنان بتفاؤٍ بعد ما قاله سيادة اللواء وهو يرمقهما بنظراته الغاضبة.
لم يطل الصمت في الغرفة سوى لعدة ثوانٍ ثم انفجر فيهما غاضباً حتى فزعا من أماكنهما:
حد فيكم يفهمني في إيه؟
وﻻ أنتوا مش فالحين غير إنكم تفتحوا زوركم على بعض؟
دلوقتي لما جيتوا قدامي القطة كلت لسانكم؟
تجرأ سيف يشرح له الموقف بتلعثمٍ وبكﻻمٍ غير مرتب هاتفاً بتوتر:
يا سيادة اللواء. كل الحكاية إني كنت بقول ﻵدم إن عﻻقته بالدكتور عمرو عاملة له مشاكل، وإن ما كانتش لسة عملت له فهتعمل له في المستقبل.
همهم اللواء بتعبيرٍ غير مفهومٍ لكليهما ثم أضاف بغيظٍ مكتوم:
كمل يا سيف. كمل.
بس يا فندم فصوتنا علي غصبٍ عننا والله. ما قصدناش والله نزعج حضرتك.
هتف بها سيف بنفس توتره وهو يتوقع اﻷسوأ فهتف اللواء بهدوءٍ:
وأنت يا آدم؟
إيه اللي حصل بقى؟
تنهد آدم بهدوءٍ يرتب أفكاره ثم أردف:
يا سيادة اللواء حضرتك كلفتني بالكﻻم مع الدكتور عمرو عن المهمة اللي تخص رفعت الدهان، فطبيعي يبقى في بيننا تواصل كبير، والنهاردة كانت الآنسة حور بنته عندي، وأنا ما اتعودتش أتقابل مع واحدة من غير علم حد من أهلها؛ فعلشان كدة استدعيته ييجي ويشوف كل حاجة قدامه، وكمان علشان لو اﻵنسة حور مش هتقدر هو يحاول يقنعها لو قدر، ولو ما كانش قدر كنت هطلب نجتمع علشان نشوف خطة تانية.
والطقية؟
سأله بها سيف بعصبية فهتف اللواء بعدم فهم:
إيه حكاية الطقية دي كمان يا سي آدم؟
فهموني كل حاجة.
هتف آدم بثباته الذي قلما يهتز في هذه المواقف:
حضرتك مقتنع اﻷول بضرورة التواصل بيني وبين عمرو؟
تنهد بتفكيرٍ ثم أردف:
يجوز. ليه ﻻ؟
كلنا عارفين تدينك وحدودك اللي بتبقى حاططها مع البنات.
بس أنا بردو عايز أعرف إيه موضوع الطقية دا؟
هتف آدم شارحاً:
مافيش. جا لي خبر إن يوسف اتضرب بسكينة من واحد سكران حاول يعتدي على اﻵنسة ندى أخت سيف، ويوسف يبقى ابن الدكتور عمرو، فطبيعي زيه زي أي أب غلبه حنينه ناحية ابنه، فاترجاني يروح يشوفه.
فأنت لبسته الطقية علشان ما حدش يعرف بخروجه معاك وتبقى س و ج ومش هنخلص.
هتف بها سيادة اللواء يكمل عنه فهتف آدم مؤكداً:
أيوة يا فندم.
انا كنت بستخدم روح القانون.
وطول الوقت كانت عيني عليه.
وما كانش هيهرب ﻷني كنت متابعه طول الوقت.
وهو مش هيضحي بسمعته أكتر ما هي ضاعت بسبب القضية اللي شغالة دلوقتي.
ومعنى هروبه إنه بيثبت التهمة على نفسه وبيعترف بقتل أماني.
ضرب اللواء طاولة المكتب أمامه بعصبية مما أفزعهما ثانيةً ثم هتف صارخاً بغضب نحو سيف:
وأنت مالك بقى يا سيف بكل الموضوع دا؟
أنت مش ليك دور محدد في المهمة دي وهو مراقبة رفعت الدهان وأعوانه؟
وأدهم بيراقب المواني والمطارات علشان لو في حاجة دخلت أو خرجت باسم رفعت الدهان؟
يبقى ليه حاشر نفسك في أدوار غيرك؟
هتف سيف مدافعاً:
أنا كنت خايف عليه.
وكنت. بحذره من تصديق عمرو دا.
هتف الرجل بصرامة:
كنت شايف إن في حاجة مش عاجباك يبقى تيجي وترد عليا وتتناقش معايا فيها.
مش تروح تتخانق مع صاحبك وتخسره علشان خاطر عمرو أو أي حد.
وفكرة بقى إن هو مصدق إنه ما عملش القضية حرية شخصية.
أنت ما لكش إنك تتدخل فيها.
وﻻ أنت وﻻ غيرك.
طالما ما بيخالفش القانون يبقى مش من حق حد يحاسبه على أي حاجة شخصية طالما بيخرج كل دا برة شغله.
واعتبر إنك مسجون وحد من إخواتك ﻻ قدر الله حصل له حاجة.
شوف أنت هيكون شعورك إيه وقتها.
وعلى استعداد تعمل إيه بس تروح تتطمن عليه وتشوف أخباره.
شوف قد إيه هتفضل قلقان رغم إن اللي حواليك بيحاولوا يطمنوك.
لﻷسف يا سيف.
آدم بينجح وبجدارة إنه يحط نفسه مكان اﻵخرين وبيفكر زيهم وبيشوف هو هيتصرف إزاي.
الفرق اللي بينكم إن آدم ظابط شرطة إنسان.
وأنت بتطبق القانون بحذافيره من غير ما تدخل إنسانيتك خالص.
....................
أخيراً دخل زنزانته بعد غيابٍ طويل.
حاول أن ينام على اﻷرض الصلبة لكنه كلما أغمض عينيه راوضته صورة يمنى. لكنها اﻵن تتشاجر مع صورة ليلى.
كلما حاولت صورة أن تطفو على رأسه أزاحتها اﻷخرى وطفت مكانها على سطح أفكاره.
عﻻقته بليلى اﻵن أصبحت غريبة جداً.
لم يعد يعرف لها تفسير حقاً.
تريد إجابات كثيرة ﻷسئلة يؤلمه الحديث عنها حقاً.
فزع من نومته على انفتاح باب الزنزانة على مصرعيه ودخول أحدهم ثم إغﻻق الباب خلفه ولكنه لم يتحرك إنشاً واحداً وظل واقفاً مولياً له ظهره.
اعتدل في جلسته بسرعةٍ وهو يشعر بالخطر هاتفاً بثبات:
مين؟
لم يجد رداً سوى ضحكاتٍ غير مألوفةٍ على أذنه فتساءل ثانية بعصبية خفيفة:
أنت مين؟
بص لي وكلمني زي ما بكلمك.
انطلقت الضحكات للمرة الثانية والسخرية تبدو واضحة فيها فهتف بصوتٍ عالٍ وقد ثارت أعصابه:
بقول لك أنت مين؟
ولو ما ردتش عليا دلوقتي أنا هنادي للعساكر يشوفوا شغلهم معاك.
هتنادي لمين يا دكتور؟
العسكري شاهين نايم في العسل بيحلم أحﻻم سعيدة.
والظابط بتاعك اللي أنت مماين معاه عنده اجتماع ومش فاضي لك.
وما بقاش غيري أنا وأنت في المكان والعداوة ثالثنا.
وخليك فاكر أنت اللي ابتديت.
هب واقفاً من مكانه يمسكه من تﻻبيبه في حركةٍ مفاجئة فصرخ الرجل بغضبٍ وهو يحاول تخليص نفسه منه بصعوبة:
ابعد إيدك القذرة دي عني؟
لم يستجب عمرو له بل هتف بنبرةٍ عدائية:
اﻹيد القذرة دي قتلت زي ما أنتوا فاكرين فما عندهاش مشكلة تقتل تاني لو ما عرفتنيش أنت مين دلوقتي حاﻻً.
نجح الرجل في تخليص نفسه أخيراً وهو يهتف بأنفاسٍ لهيثة:
بص يا دكتور.
ألقى ورق الجرائد في وجهه هاتفاً بابتسامةٍ متشفية:
أنا عايزك تقرأ كدة بتمعن علشان أنا هاجي لك تاني نتناقش في اللي هتقراه.
دي مش الجريدة الرسمية بالمناسبة.
دي تدريب كدة على اللي هيتطبع عنك في اﻷيام الجاية.
وعايز لما آجي لك تكون هادي وأعصابك مش مشدودة كدة علشان نعرف نتكلم.
أنا لسة عندي كروت كتيرة قوي ممكن أستغلها.
فما تضايقنيش وتخليني أجيب آخري.
هم بإمساكه ثانيةً لكنه كان اﻷسرع هذه المرة فدفعه بعنفٍ فسقط على ظهره واصطدمت رأسه بعنفٍ بالأرض الصلبة فبدأ في فقدان وعيه، لكنه سمع الرجل يهتف وقد بدأ وعيه يتسرب منه تدريجياً:
دا جزاء اللي يعاديني ويحاول يتعرض لي بأي شكل من اﻷشكال يا دكتور.
أخيراً.
لم يعد يدري بما يحدث أمامه بسبب إغمائه المؤقت بعد إغﻻق باب الزنزانة بمفتاحه اﻷصلي وخروج الرجل آمناً من القسم كما دخله.
....................

رواية ولو بعد حين.، الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن