الفصل الثالث بعد الثﻻثين، الجزء الثاني:

144 62 3
                                    

السﻻم عليكم.
معلش على التأخير في البارت.
بس إن شاء الله لقاءنا هيكون يوم الثﻻثاء.
مافيش حاجة اتغيرت.
بس ما تنسوش الفوتينج.
الفصل مولع علشان تبقوا عارفين.
فمحتاجكم تشجعوني كدة.
يﻻ.
مش هطول عليكم وهسيبكم بقى مع الفصل.
ويا رب يعجبكم.
قراءة ممتعة.
ولو بعد حين، الفصل الثالث بعد الثﻻثين، الجزء الثاني:
انتهى من ارتشاف آخر جرعة في فنجان قهوته الذي ارتشفه على مهلٍ متعمد ثم وضعه بهدوءٍ على المنضدة أمامه ثم انتصب في وقفته هاتفاً بامتنانٍ:
شكراً على القهوة. كنت محتاجها جداً قبل زيارة ليلى.
المقابلة دي بتوترني معرفش ليه.
وضع آدم فنجانه هو اﻵخر بجوار فنجان عمرو وهو يتنهد بهدوءٍ هاتفاً ببساطة:
طبيعي تتوتر النهاردة بالذات. أنت رايح تنقذ واحدة من الهﻻك. الله أعلم اللي زي رفعت الدهان دا وأعوانه بيخططوا ﻹيه.
أردف عمرو مكمﻻً بقلق:
آه. أكيد بيفكر يشغلها معاه في أعماله المشبوهة.
ربنا يستر بقى وأعرف أثنيها عن القرار المتخلف دا.
هتف بها بيأسٍ فهتف آدم بتحفيز:
حور بنتك واثقة فيك.
قاعدة وحاطة في بطنها بطيخة صيفي إنك هتحل الموضوع.
وأنا كمان واثق إنك هتقدر تحتوي الموقف زي ما عملت مع سيف.
ابتسم عمرو للذكرى هاتفاً:
ﻻ سيف كان موضوعه سهل.
هو شايف إني كسرت كﻻمه فكان الموضوع يعدي باعتذار ليه هو شخصياً.
بس ما كانش ينفع قدام اللي اسمه عبد الله.
أما بقى بالنسبة لحور فعناد ليلى هو اللي قالقني.
مش عايز أخزلها.
طالما نيتك خير يبقى إن شاء الله ربنا هيوفقك. اتطمن وخلي اعتمادك على الله.
هتف بها آدم بيقينٍ مشوبٍ بالتحفيز فرمقه عمرو بنظراتٍ محبةٍ ممتنةٍ ولم يملك إﻻ أن هتف بعبارته المعتادة التي تختصر كل شعوره نحوه:
شكراً.
على إيه يا دكتور.
مافيش شكر وﻻ حاجة.
أنا لو كنت مكانك كنت هتعمل معايا أكتر من كدة بكتير.
رد باستغراب:
شكراً على إيه؟
دا سؤال بردو؟
شكراً على كل حاجة يا سيادة العقيد.
وربنا ما يكتب عليك تكون مكاني وﻻ تعيش حياتي.
هتف بها بدعاءٍ صادقٍ وهو يتحرك نحو باب الخروج هاتفاً بأدب:
يﻻ. هتعوز مني حاجة قبل ما أروح أخوض المعركة الضارية.
ضحك آدم وهو يهتف مداعباً:
على رأيك. دي حامية الوطيس. على بعد كام خطوة بس مننا.
طرقات على الباب جعلت الجدية تزحف على وجه آدم بينما فتحه عمرو ليقابله وجه سيف المكفهر فأفسح له طريق الدخول ثم مر من أمامه بعد دلوفه هاتفاً باحترام:
عن إذنكم.
أغلق الباب خلفه بهدوءٍ تاركاً المكتب على حالٍ يرثى له.
فبينما كان عمرو يخوض معركته الخاصة في الغرفة المجاورة مع ليلى كان آدم أيضاً يخوض معركته مع سيف التي ﻻ تقل ضراوة عن المعركة المجاورة.
لكن ما يفرق هتين المعركتين أن آدم بدأ في خوضه سريعاً جداً.
إيه يا عم الشباب؟
واقف كدة ليه؟
ما تدخل تقعد وﻻ حاجة.
هتف بها آدم بابتسامته المحببة فهتف سيف بتساؤلٍ ضائقٍ وهو يرمق فنجانين القهوة على المنضدة:
إيه الحكاية بقى يا آدم؟
هتف آدم بغباءٍ مدعياً عدم الفهم:
حكاية إيه يا سيف؟
في إيه؟
جاي داخل شمال ليه؟
هتف سيف بعصبية:
آدم ما تستهبلش.
أجابه آدم ببعض الضيق:
سيف أنا ما بستهبلش.
أنت اللي جاي لي مكتبي تقول يا شر اشتر.
ياريت تفهمني في إيه علشان أعرف أرد عليك وأوضح لك لو في لبس في معلوماتك.
هو مين اللي كان عندك دلوقتي بيشرب قهوة؟
هتف بها بنفاد صبرٍ فهتف آدم بمراوغة:
ليه؟
هو ممنوع نشرب قهوة وﻻ إيه؟
ﻻ يعني أصلك ما طلبتهاش من الساعي.
هتف بها سيف وهو يغرس نظراته في عيني آدم الثابتتين والواثقتين في آنٍ واحدٍ فأجابه بثبات:
مش لما يبقى الساعي اللي بتقول عليه دا ييجي؟
دا ما بيكملش اليوم يا أخي.
طب بذمتك أنت وأنا راضي ذمتك أطلب منه حاجة إزاي وهو ما عندوش أي ذرة التزام واحدة ناحية شغله؟
هتف سيف وقد نفد صبره:
اللي بتعمله مع الدكتور دا يا آدم مش عاجبني. وﻻ عاجب أي حد في القسم. والكﻻم بدأ يتسرب عنكم بشكل مش حلو. وسيادة اللواء عايزك في مكتبه بكرة الصبح. هيحقق في الموضوع دا بنفسه.
هتف آدم بقليلٍ من الصبر:
ليه؟
تحقيق ليه؟
أنا عملت إيه علشان دا كله؟
هتف سيف باستغراب:
عملت إيه؟
لا قول ما عملتش إيه؟
رمق القبعة الموضوعة بجوار فناجين القهوة على المنضدة هاتفاً:
مش دي الطقية اللي كان ﻻبسها الدكتور بردو في المستشفى؟
مش دا نفس الجسم بردو؟
علم آدم أنه ﻻ مفر من المواجهة فهتف بدفاع:
طب وفيها إيه؟
اكبنه كان تعبان وطبيعي يشوفه ويتطمن عليه. دي روح القانون يا سيادة الرائد لو ما كنتش واخد بالك يعني.
ضحك سيف بسخريةٍ يهم بقولٍ شيءٍ ما لكن آدم أردف بعتاب:
وبعدين إحنا هنخسر بعض علشان حد تاني وﻻ إيه؟
هتف سيف بتحدٍ:
قلها يا آدم.
هنخسر بعض علشان حتة متهم ﻻ راح وﻻ جه والقضية ﻻبساه وهياخد فيها حكم إعدام وﻻ إيه؟
لعلمك القضية دي هيتحكم فيها من أول جلسة علشان تبقى عارف.
مافيش أي دليل يا مؤمن يقول إن الدكتور اللي أنت داير تدافع عنه دا في كل حتة بريء وما عملش حاجة. ما تنساش إنه معترف. ولو كنت نسيت فآديني فكرتك يا سيدي.
معترف إنه كان على عﻻقة باللي اسمها أماني دي.
ومعترف إن الصور اللي اتنشرت عنه دي للأسف مش مزيفة. لكن ما اعترفش إنه قتلها يا سيادة الرائد.
أنا عارف كويس القضية ماشية إزاي.
ومش بمشي ورا الجرايد وﻻ ورا اللي بيكتبوه.
هتف بها آدم مصححاً بعصبية فهتف سيف بما جعله يتوتر حقاً:
طب تقول إيه بقى في السيد وكيل النيابة اللي أكد الخبر بنفسه يا سيادة العقيد؟
الوضع بيتطور وأنت مش آخد بالك.
أو عامل نفسك مش آخد بالك.
نفد صبره أخيراً فهتف ببعض ثباته:
أنت عايز إيه دلوقتي يا سيف؟
عايز أقول لك إن الرجل دا أصبح خطر عليك يا حضرة الظابط.
قعادك معاه كفيل يبوظ سمعتك المهنية خالص. بل يقضي عليها تماماً.
عن إذنك. وأنا هعرف شغلي معاه كويس.
هتف آدم بتحذير:
طب إياك يا سيف تتكلم معاه في أي حاجة تخصني. والله هيبقى آخر يوم بيني وبينك.
توقفت قدماه بعد أنا خطت بضع خطواتٍ متسمرة من أثر صدمته فهتف بذهول:
كدة يا آدم؟
بتبقي واحد مجرم على صاحبك؟
هتف بحمائية:
مش مجرم. هو لسة ما اتحكمش عليه. ولو اتحكم عليه فلسة في نقض للحكم ولسة في إجراءات كتير قوي.
انفتح باب المكتب على مصرعيه واللواء يدخل سائﻻً بصوتٍ عالٍ وترهما:
في إيه اللي بيحصل هنا يا ظباطي المحترمين؟
....................
تأففت من طول انتظارها لحضوره فسحبت حقيبتها بعصبيةٍ هاتفة بصوتٍ شبه مسموع:
أنا اللي غلطانة أصﻻً إني جيت أزور أمثالك.
هو إيه دا؟
جايبني تزنبني يعني؟
أصل هي ناقصة.
هﻻقيها منك وﻻ من رفعت وﻻ.
قطعت حديثها طرقاته الهادئة على الباب بالتزامن مع رنين هاتفها الصاخب برقمٍ ﻻ تعرفه.
دفع عمرو الباب ودلف إلى الغرفة بالتزامن مع فتح المكالمة من قبل ليلى.
حاول أن يتنفسَ بانتظامٍ يعد نفسه للمعركة القادمة وﻻ يتمنى أبداً أن تكون خاسرة كمعركة آدم.
ألو. مين؟
كان هذا صوتها اﻷرسطوقراطي الرقيق ثم صمتت لبضع ثوانٍ تستمع بتركيزٍ شديدٍ لما يقوله محدثها ثم هتفت بنبرةٍ ضائقة:
خير. عايز إيه دلوقتي؟
سمعت رفعت يهتف وهو يشرب سجارة قد أشعلها بقداحته:
أنا ما أحبش مراتي تبقى في زيارة لرجل غريب. ما بقاش يخصها.
ثارت أعصابها فهتفت بتحدٍ:
ما لكش دعوة بيا. ثم أنا ما أخصش حد لسة.
أغلقت الهاتف في وجهه بعد ما سمعت نصف ضحكته الساخرة والتي انقطعت وانسحبت من وجهه بمجرد تجرئها على إغﻻق الهاتف في وجهه.
ابتسم عمرو لها متجاهلاً فضوله الشديد نحو ماهية محدثها وهو يهتف:
إزيك يا ليلى؟
لعلك بخير إن شاء الله.
تنهدت بضيقٍ تحاول تجاهل الفوضى التي تعج بها رأسها اﻵن هاتفة بسخرية:
ياه يا دكتور. السجن غيرك قوي.
ابتسم لها متجاهلاً ما قالته لتحقيق ما يريد هاتفاً بتأكيد:
أكيد. كل مرحلة في حياتنا بتغيرنا. وأنا الي اخترت طريقي وما حدش يتﻻم غيري.
شعرت أنه يقصدها بكﻻمه فهتفت بتحفز:
تقصد إيه؟
وضح كﻻمك ياريت.
خلينا نتكلم على المكشوف.
ابتسم بغموضٍ اكتسبه من آدم هاتفاً بمراوغة:
ما أنا بتكلم عا المكشوف.
ويا ستي أنا ما أقصدش حاجة خالص.
هتفت بعجلةٍ من أمرها وهي تنتصب في وقفتها تهم بالرحيل:
طب انجز وقول لي كنت عايزني في إيه خلينا نخلص وأمشي من المكان دا.
طرقات على الباب قطعت حديثهما المشحون تبعها دخول عبد الله؛ فانفرجت شفتا عمرو يهم بتوبيخه إﻻ أن ليلى بالنيابة عنه تولت هذه المهمة هاتفة بعصبيةٍ شديدةٍ تخرج ضغط الساعة الماضية:
في إيه يا رجل أنت؟
مش في ناس هنا؟
ثم هو إحنة كنا أذننا لك تدخل؟
ضحك بتقزز هاتفاً وهو يمشط جسدها بعينيه:
كنت عايز أسألكم هتشربوا حاجة وﻻ ﻻ يا مدام. أنا الحق عليا بردو؟
ﻻ تعلم لمَ تملكها شعور عدم الراحة نحوه فهتفت بغرورٍ تصنعته بإتقانٍ وهي ترمقه بنظراتٍ محتقرة من رأسه حتى أخمص قدميه:
ﻻ مش عايزين. وياريت ما تقاطعش الكبار تاني. ولو أنت آخر واحد في الدنيا مش هشرب من إيدك حاجة.
فارقنا بقى علشان المكان بقى خنيق قوي. برة.
نظر نحوهما بتوعد هاتفاً:
ماشي يا مدام. ليكي يوم.
أغلق الباب بهدوءٍ كأن لم يحدث شيء فزفرت بضيق هاتفة:
اخلص يا عمرو. عايزة أمشي دلوقتي حاﻻً.
أنا كنت قلت لك في المكالمة إني عايزك تيجي لي بخصوص حور، مش كدة؟
هتف بها بهدوءٍ فهتفت باقتضابٍ:
آه. مظبوط. والمطلوب؟
المطلوب تسمعيني شوية.
آه بس ياريت مش كتير. أنا ورايا حاجات كتير قوي. أهم من وجودي هنا بكتير. وخليك عارف إن اللي جابني هنا هو شيء يخص حور. مش أي حاجة تانية علشان دماغك بس ما تروحش لبعيد.
هتفت بها وهي تشيح بوجهها عنه للناحية اﻷخرى فهتف بحزنٍ واثق:
كنت عارف.
المهم. حور كريم عايز يخطبها.
والله فيه الخير، خصوصاً بعد اللي عرفه عن أبوها ونزواته اللي ما بتنتهيش.
ظهر الضيق على مﻻمحه من تجريحها المستمر له بقولها الﻻذع فهتف بنبرةٍ حاول أن تخرج طبيعية:
عموماً كتر خيره. بس بردو مش دا المهم.
نفد صبرها وهي تهتف:
أومال إيه اللي مهم يا دكتور؟
كريم كان بيمسل علينا كلنا. وهو  وباباه أقصد وعمه بيشتغلوا في حاجات مش كويسة خالص. ويجوز يكون اتفاقهم إن حور تساعدهم في الموضوع دا. خاصةً إن شغلهم بيحتاج لبنات.
كمان التحريات أثبتت إن رفعت بيفكر في الارتباط بس لسة مش معروف هي مين. وبالتأكيد هيكون ليها دور في شغلهم دا. ودور كبير قوي كمان.
تلونت مﻻمحها بعﻻمات الصدمة التي كانت تزداد وضوحاً مع كل حرفٍ يهتف به، ولم تصدر أي رد فعلٍ سوى شهقاتٍ متتاليةٍ دﻻلةً على صدمتها الشديدة وعدم توقعها أن يكونَ هذا سبب لزيارتها.
وعندما أتى على سيرة زواج رفعت دق قلبها بخوفٍ ﻷنها هي المرادة.
بالتأكيد ستكون استفادتهما كبيرة.
اﻷم وابنتها؟
أي صيدٍ سهلٍ كهذا؟
هتفت بتوتر:
طب والعمل؟
هنعمل إيه؟
وحور تعرف وﻻ ﻻ؟
تعرف يا ليلى كل حاجة. أنا كمان عرفت كل حاجة من حضرة الظابط.
لم تشعر باحتياجها لعمرو سوى اﻵن فاتجهت نحوه هاتفةً بنبرةٍ مذنبة:
أنا اللي رفعت كان هيتجوزها يا عمرو.
شهق بتفاجئٍ متقنٍ وهو يهتف بعدم تصديق:
أنتِ يا ليلى؟
يعني أنا كنت بجيبك علشان نشوف حل لمشكلة واحدة طلعوا مشكلتين؟
ابتعدت عنه بضع خطواتٍ هاتفة بقلقٍ على ابنتها:
سيبك مني أنا دلوقيت مش مهم.
ﻻ طبعاً مهم. إزاي يعني؟
أنتِ وحور نفس اﻷهمية بالظبط يا ليلى. كفاية استحملتيني كل السنين اللي فاتت دي وأنا كنت باجي عليكي من غير وﻻ ذرة رحمة.
ابتسمت بسخرية تهتف:
من إمتا الكﻻم دا يا دكتور؟
من يوم ما سيبنا بعض يا ليلى وأنا كنت براجع حساباتي.
والعجيبة بقى إن عمرو اﻷلفي اللي عمره ما اعترف إنه غلطان في حق حد في حياته بيعترف قدامك أنتِ إنك أكتر واحدة هو ظلمها وجه عليها من غير ما تعمل معاه أي حاجة وحشة.
بكت ﻻ تعرف لمَ.
لم تستطع أن تجيبه أمام نبرته الهادئة.
لم تستطع أن تمنع نفسها من التأثر بسحر كﻻمه، ولم تستطع أن تمنع قلبها اﻷحمق أن يدق له ولأبسط أفعاله.
عزت عليه دموعها فاتجه نحوها بترددٍ هاتفاً بابتسامة يحاول فيها إذابة القليل من الجليد بينهما:
بما إننا لسة في العدة تسمحي لي أطبطب عليكي؟
لم تجبه من فرط تأثره بأفعاله.
وهي اﻵن تود أن تعترف له أنه ﻻزال الوحيد الذي يستطيع أن يحصلَ -وبجدارة- على قلبها بأبسط الطرق وأيسرها.
لم تقاوم احتضانه لها، ولم تقاوم شعور اﻷمان الذي غمرها بين ضلوعه.
أجهشت في البكاء أكثر. منه وعليه.
ربت على ظهرها بحنوٍ بالغٍ وهو ﻻ يريد أن يقطع التواصل الروحي بينهما.
صمت حتى تهدأ نوبة بكائها قليلاً، لكنه ظل على احتضانه لها حتى رفعت ذراعيها بترددٍ تبادله ضمته وهي تهتف معاتبة:
كم مرة حضنك دخلته واحدة تانية غيري؟
كم مرة احتويت غيري؟
كم واحدة غيري حست إحساسي دلوقتي؟
كانت ضعيفة. هشة. تبكي دون توقفٍ  حتى بللت دموعها قميصه.
جذبها نحوه أكثر هاتفاً باعتذارٍ والندم ينهش روحه بﻻ رحمة:
أنا آسف يا ليلى. أنا جيت عليكي كتير.
ويمكن كل اللي حصل دا علشان أعرف قيمة النعم اللي كانت في إيدي وأنا فرطت فيها؟
رفع وجهها الباكي قليلاً عن حضنه مقبﻻً جبينها هاتفاً بنفس نبرته الصادقة:
حقيقي أنا آسف. ولو أن اعتذاري قليل قوي يا ليلى قوي. ومش هيغير حاجة أبداً من اللي حصل.
ﻻزالت على ضعفها المستحدث بالنسبة له أمامه فهتفت بنفس عتابها لكن خفت حدته قليلاً لاستشعارها الصدق في نبرته ﻷول مرة:
أنت عارف أنا قد إيه اتمنيت اللحظة دي.
كتير قوي يا عمرو. كنت بنام أحلم باليوم اللي هاتيجي تقول لي فيه نبدأ من جديد.
أجابت نفسها بصوتها المختنق ولم تبتعد عن مرمى ذراعيه فأعادها لصدره بهدوءٍ هاتفاً:
وأنا على استعداد أعمل أي حاجة. عشان تكوني راضية.
وبالنسبة لرفعت طول ما أنتِ على ذمتي عمره ما هيقدر يتجوزك.
قلقت من حديثه فهتفت بمنطقية:
أكيد إيديه  طايلة وليه في السجن أكتر من حد ينفذ له أي حاجة هو عايزها.
هتضحي بقى علشاني يا عمرو؟
يعني أنتي ما تستاهليش حاجة بسيطة زي دي؟
هتف بها بنفس صدقه الذي استشعرته منذ قليلٍ فهتفت بثقةٍ مهزوزة:
بس أنت.
وعد يا ليلى. طول ما فيا نفس رفعت مش هياخد منك أي حاجة.
خﻻص يا عمرو. بس بشرط.
هتفت بها ببعض القوة التي استدعتها بصعوبةٍ فهتف بتوتر:
خير. وعموماً أي حاجة هتقوليها أنا موافق عليها.
عايزة لما آجي لك الزيارة اللي جاية تجاوبني على سؤال واحد بس.
إيه هو؟
وليه في الزيارة الجاية؟
ما أجاوبك دلوقتي علشان ترتاحي.
هتفت برفض:
ﻻ.
أنت كدة هتكروتني وأنا عايزة التفاصيل.
عايزة أعرف مين هي صاحبة الصورة.
صورة إيه؟
هتف بها بعدم فهمٍ فهتفت باقتضاب:
صورة البنت اللي ما كانتش بتفارق محفظتك.
أنا واثقة إن البنت دي ليها عﻻقة بالماضي.
بس دا كان ماضي.
هتف بها بجدالٍ محافظاً على احتضانه لها كي ﻻ يتفلت كل شيءٍ من بين أصابعه فهتفت بحسم:
الماضي ما كانش انتهى بالنسبة لك ، وعلشان كدة ما عرفتش تنتبه للحاضر. اللي كان أنا. وأنت أكيد مش مستعد تبوظ المستقبل كمان.
وإﻻ. بﻻش.
تنهد بضيقٍ هاتفاً بقلة حيلة:
حاضر يا ليلى. عشان خاطرك ينكشف السر ويهون كل شيء.
....................

رواية ولو بعد حين.، الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن