ولو بعد حين، الفصل الثﻻثون، الجزء الثاني:
ثبت أكرم المطواة في ظهر يوسف كي ﻻ يفقد دماً أكثر مما فقده للتو، ثم صعد به نحو السيارة هاتفاً في ندى بجزع:
تعرفي تسوقي؟
هتفت بصوتٍ متقطع:
أنا تعبانة.
مش هينفع تشيليه أنتِ. لو بتعرفي تسوقي تعالي على نفسك معلش، واطلعي على مستشفى الدكتور عمرو اﻷلفي.
فكرت قليلاً في ما فعله هذا الشاب من أجلها فتغاضت عن تعبها قليلاً ونهضت من مقعدها بتثاقلٍ تنفذ ما قاله لها.
ركبت في مقعد السائق وأدارت السيارة بحذرٍ فهتف بها مشجعاً يحثها على الحركة:
ماتخافيش. أنا معاكي. بس بسرعة الله يخليكي خلينا نلحقه بسرعة قبل ما اﻷمر يتطور.
هتفت برعبٍ وهي تسلط نظرها نحو يوسف وتارةً نحو الطريق:
حاضر. بس قول لي إنه مش هيحصل له حاجة بسببي.
هتف بها أكرم وهو ﻻ يزيح عينيه من على يوسف:
ماتخافيش، إن شاء الله خير. ربنا عالم بنيته، وإن شاء الله هيجازيه على قد نيته. ثم أنتِ ذنبك إيه حتى لو حصل له أي حاجة. أنتِ ما لكيش أي ذنب، وﻻزم تعملي محضر في الحيوان اللي اتعرض لك دا.
أيدته بإماءةٍ من رأسها، وسيطر الصمت عليهما طوال الطريق حتى توقفت السيارة بهم أخيراً أمام المبنى الشاهق.
نزلت هي أوﻻً ثم تبعها وهو يتحرك بحذرٍ كي ﻻ يحدث أضرار بيوسف.
صرخ بكل ما أوتي من قوة وهو يهرع نحو البوابة الخارجية:
دكتور. عايزين دكتور. معانا مريض حالته خطيرة.
هرول بعض العاملين نحوهم ليروا الحادث الذي تعرض له يوسف ثم وضعوه على الفراش النقال ودخلوا به حيث غرفة الطوارئ.
هتف الطبيب برسميةٍ موجهاً حديثه ﻷكرم وندى بعد ما لحقا بالعمال بأقصى ما لديهما من سرعة:
ما تقلقوش يا جماعة. الموضوع بسيط، وكمان أنتوا جبتوه بسرعة ودا كويس علشانه. كمان الطعنة مش قوية واللي طعنه إيده ما كانتش مظبوطة.
هنشوف الطبيب المختص يتصرف في الموضوع دا.
عبث أكرم قليلاً في هاتف يوسف حتى وصل إلى رقم أخته فاتصل به على الفور هاتفاً بسرعةٍ بعد ما أتاه الرد المرح كعادتها:
ها يا سي جو. إيش أخبارك؟
أستاذة سندس، إحنا في مستشفى دكتور عمرو اﻷلفي أنا هاجي أجيبكم علشان.
قاطعته صارخةً بقلق وبدأ قلبها يدق بعنف:
ليه؟ في إيه؟ يوسف ماله؟
انخلع قلب يمنى بسبب نبرة ابنتها الملتاعة فركضت نحوها على الفور تجذب الهاتف من يدها تطبق عليه بكفها المرتعش تسأل بصوتٍ خنقته دموعه:
إيه اللي حصل يا فندم؟
هتف أكرم بابتسامةٍ وصلتها عبر اﻷثير لكنها لم تكن كافية بتاتاً كي تطمئن:
ما تخافيش يا مدام يمنى. أنا هاجي آخدكم وأعرفكم كل حاجة في الطريق.
اجهزوا أنتوا بس.
بينما أمسكت ندى هاتفها بيدٍ مرتجفة تجري اتصالاً بسيف تهتف بصوتٍ متقطع:
سيف. الحقني.
قفز من مقعده سريعاً دافعاً إياه بعنفٍ حتى سقط وهو يسألها بصوتٍ قلق:
إيه اللي حصل يا ندى؟
هتفت بارتعاشٍ:
معرفش. حد اتهجم عليا وكان عايز يعتدي عليا، ويوسف خطيب مريم صاحبتي شافهم بالصدفة وحاول ينقذني بس هو ضربه وهرب.
وأنتي فين دلوقتي؟
هتف بها بنبرةٍ أهدأ قليلاً بعد تنهيدة ارتياح قصيرةٍ خرجت من فمه، فهتفت بدموع:
في مستشفى عمرو اﻷلفي.
مرت الذكرى الوحيدة التي جمعت بينه وبين عمرو أمام عينيه ثم هتف بعد شرودٍ قصير:
خليكي مكانك. أنا جاي لك حاﻻً.
أغلق الهاتف دون أن يمهلها فرصة الرد ثم سحب مفاتيحه ومحفظته وسﻻحه وهرول خارج المكتب.
طرق الباب على مكتب آدم ولم يكن يعرف بوجود حور وعمرو بالداخل، فدخل دون أن يسمعَ إذنه له بوجهٍ قلق يهتف بجزع:
الحقني يا آدم.
هب واقفاً من مقعده هاتفاً بقلقٍ انتقل إليه من سيف على الفور، بينما كانت حور ترمقه باهتمامٍ هي وعمرو:
في إيه؟
ندى.
مالها؟
حد حاول يتهجم عليها بس ربنا ستر وهي دلوقتي في مستشفى الدكتور عمرو وفي واحد بتقول خطيب مريم صاحبتها مضروب ﻷنه كان بيحاول ينقذها.
يوسف.
هتفت بها حور بقلقٍ حقيقي ثم أضافت بإشفاق:
دا لو حصل له حاجة مش بعيد مريم تروح فيها.
بينما أجابه آدم وهو يسحب مفاتيحه هو اﻵخر:
طيب روح وحصلني وأنا جاي وراك حاﻻً.
هرول سيف نحو الخارج وهو يهتف برجاء:
أرجوك يا آدم ما تتأخرش.
هتفت حور بقلقٍ متزايدٍ على ندى:
أنا جاية معاك. ما ينفعش أسيبها وهي في الحالة دي لوحدها. دي عمرها ما سابتني.
بينما أخيراً صدر أول رد فعل من عمرو والذي لم يكن آدم وﻻ حور يتوقعه أبداً.
أسرع نحو آدم يتعلق في مﻻبسه هاتفاً برجاءٍ وقد ملأت الدموع عينيه في منظرٍ تراه حور عليه ﻷول مرةٍ في حياتها:
أبوس إيدك. اعمل أي حاجة فيا وخدني معاك خليني أشوفه. علشان خاطر حبيبك النبي. أبوس إيدك. اعدموني وأنا معترف بكل التهم وحاكموني بس خليني أشوفه وأتطمن عليه.
أشفق آدم على حاله ولم يعرف ماذا يفعل معه.
ظل يفكر قليلاً وارتد عمرو خطوتين للخلف بقلة حيلةٍ مما عزز أكثر إشفاق آدم عليه.
نهض من جلسته أخيراً هاتفاً باقتضاب:
خليكوا هنا ما تتحركوش.
خرج من المكتب وتركهما كل منهما في واديه الخاص.
استغلت حور أخيراً فرصة خروج آدم فسألته وهي تسرع نحوه تجفف الدمع العزيز الذي ترقرق من عينيه القويتين دائماً من لحظات:
بابا. هو إيه عﻻقة حضرتك بيوسف؟
ليه كنت ملهوف عليه قوي كدة وعندك استعداد تعمل أي حاجة في مقابل إنك تروح تشوفه؟
وﻷن الحقيقة ﻻ بد أن تظهر ولو بعد حين، فقد شعر عمرو أنه حان الوقت على اﻷقل ﻹظهار بعضاً منها، فهتف بنبرةٍ خاليةٍ من التعبير وعيناه مثبتتان على مﻻمح وجهها الشاحب:
يوسف. يبقى. أخوكِ يا حور.
تزامن دخول آدم مع شهقتها المصدومة لكنه لم ينتبه للفوضى التي يعيش فيها عقلها اﻵن وهو يضع قبعة على رأس عمرو أخفت وجهه بالكامل تقريباً ثم وضع الحديد في يديه ثم هتف بصوته اللين لكنه صبغه بنبرةٍ آمرة:
وﻻ كلمة مع أي حد يا دكتور غير بإذني. خروجك هيعمل بلبلة في الرأي العام. ومش كل الناس بتستخدم روح القانون.
هز رأسه موافقاً ثم أشار آدم نحوه وحور هاتفاً بابتسامةٍ زينت وجهه:
يﻻ. بس بسرعة علشان ما أتأخرش على آدم أكتر من كدة.
....................
بعد ما أغلقت يمنى باب الشاليه انطلقت مع سندس نحو الطريق المؤدي إلى السيارات.
أمسكتها بقوةٍ من ذراعها وهي تهتف وكأن سندس قد عادت صغيرة:
ما تسيبيش إيدي مهماً حصل لحد ما نركب العربية.
تمردت سندس وحاولت جذب ذراعها ببعض القوة وهي تهتف باعتراض:
في إيه يا ماما؟ هو أنا لسة صغيرة يعني على الكﻻم دا؟
كانت نبرة يمنى تحمل الكثير من الجدية وقاطعة جداً في ردها وهي تهتف:
سندس. أنا أدرى واحدة بمصلحتك، وأكتر واحدة عارفة عبد الله ممكن يعمل إيه.
ابتسمت سندس باستخفافٍ وهي تهتف:
وﻻ يقدر يعمل حاجة يا ماما. زمن بابا انتهى خﻻص. هو دلوقتي قالب علينا الدنيا ومش ﻻقي يا عيني حد يدله علينا.
ردت يمنى بقلق:
أبوكي ليه في كل سكة مخرج. مافيش حاجة بتقف قصاده. وعنده استعداد يعمل أي حاجة وكل حاجة علشان يوصل لنا.
ظلت سندس على ابتسامتها وهي تهتف بعدم اقتناع:
يا ماما يوصل لنا فين بس؟ دا أنا وأنتي ما شوفناش الشارع من ساعة ما جينا هنا.
صف أكرم سيارته أخيراً بالقرب من الشاليه ثم نبههم لوجوده فهرولت يمنى وهي تجذب سندس نحو السيارة وهي تهتف بنفس قلقها:
ما حدش عارف يا سندس القدر مخبي لنا إيه.
ثم أعادت جذبها من ذراعها ببعض القوة وهي تسرع من خطواتها أكثر هاتفة بأمر:
همي شوية خلينا نلحق نتطمن على أخوكي.
ركبتا في السيارة بعد ما ألقتا السﻻم على مسامعه رده هو بأدبٍ ليس غريباً على طباعه.
هتف بهدوءٍ وهو ينظر نحو يمنى من المرآة:
أكيد عايزة تسأليني عن ابنك. مش كدة؟
هتفت بلهفة:
هو كويس؟ أرجوك ما تخبيش عليا وطمني.
أوقفت سندس رجاءها الملهوف بقولها المهدئ:
يا ماما استني شوية وأستاذ أكرم هيطمننا.
بينما رد أكرم بعد ما أهداهما إحدى ابتساماته المطمئنة:
يا جماعة ما تخافوش.
أنا ماشي وسايب معاه اﻷستاذة ندى. وكمان الدكتور طمنني. وكمان المستشفى اللي هو فيها من أحسن وأعرق المستشفيات ما تقلقوش.
انتبهت سندس لتذكرها أنها مشفى عمرو اﻷلفي فهتفت لنفسها بتمني:
يا ربي. يعني كان ﻻزم يتسجن يعني. كان نفسي أشوفه من كتر كﻻمك عنه يا ماما.
صمتت يمنى ولم تعقب على كﻻم أكرم وقد انشغل لسانها بذكر الرحمن والدعاء بنجاة يوسف من كل سوء.
لكنها انتبهت على سؤال سندس الفضولي كعادتها:
وهو الحادثة دي حصلت إزاي يا أستاذ أكرم؟
ازدادت فخراً بيوسف بعد ما سمعت ما قصه أكرم عليهما بإيجازٍ لكن بصوته الفخور ثم هتف بفضولٍ هو اﻵخر:
بس هو أستاذ عبد الله مش هييجي معاكم؟
قطعه وقطعت سيرته.
همت سندس بالهتاف بها بسخطٍ لكنها ألجمت لسانها في اللحظات الأخيرة كي ﻻ توبخها والدتها أمام الرجل الغريب فتولت يمنى الرد عنها بنبرةٍ حاولت أن تكون طبيعية:
ﻻ. أصله مش موجود اﻷيام دي.
أردف أكرم وحدسه القانوني قد أخبره أن هناك حلقة مفقودة لا بد أن يصل لها:
بس أنا شوفته. كان هنا امبارح تقريباً واتخانق مع يوسف خناقة رب السما. وأول مرة أشوف يوسف عدواني كدة.
شهقت يمنى من المفاجأة لكنها لم تعقب بسبب توقف السيارة فتعللت بلهفتها على يوسف بقولها المقتضب:
نكمل بعدين يا أستاذ أكرم. يﻻ علشان ما نتأخرش على يوسف.
نزلت يمنى أولاً ثم تبعتها سندس لكنها سحبتها من ذراعها كعادتها منذ خروجهما من الشاليه فهتفت هامسة بجوار أذنها:
إيه يا ماما مكلبشة فيا ليه وﻻ كأننا زي المجرمين؟ وبعدين هو مش أستاذ أكرم دا رجل معانا أهو وﻻ كيس جوافة؟
زجرتها يمنى بقولها المقتضب:
بنت. امشي قدامي وأنتي ساكتة.
أنهى أكرم إجراءات دخولهما باعتبارهما أهل الفقيد.
ثم تبعتهم حور وآدم ويأتي عمرو في المؤخرة.
نهض البواب من مكانه إثر رؤيته لآدم هاتفاً بتوقير:
أهﻻً وسهﻻً يا سعادة البيه. دا إحنا زارنا النبي.
ابتسم له آدم وهو يقدم عمرو أمامه ويسير خلفه مداراة للحديد الذي يقيده.
دخلت حور أمامهما وهي تنظر لمشفى أبيها بانبهارٍ هاتفة بصوت مختنق:
تصدقوا أول مرة آجي هنا.
لو خرجت من هنا هخدك جولة في المستشفى كلها يا حبيبتي.
هتف بها بوعدٍ فهتف آدم بابتسامته الودود:
ﻻ ليه؟
بعد ما نتطمن على يوسف هناخدها جولة يا دكتور.
فك قيوده أخيراً بعد عبورهم للبوابة الخارجية ثم أضاف مشيراً نحو القبعة:
ما تقلعهاش. ممنوع منعاً باتاً. فاهمني يا دكتور.
أماء برأسه إيجاباً وحور تتلفت حولها باحثة عن ندى حتى عثرت عليها تقف في نهاية الرواق بين أحضان سيف.
.....................
على الجانب اﻵخر:
نزل عبد الله من السيارة الفارهة التي يمتلكها أحمد ونزل أحمد وهنية وعزيز والسائق متجهين نحو الشاليه.
رن عبد الله الجرس بكل ما أوتي من قوةٍ لكن صوت هنية القاسي صدح بقولها اﻵمر:
أنت لسة هترن الجرس وﻻ إيه؟
اكسر الباب دا حاﻻً.
بينما أردف أحمد بنفس قسوتها:
وهي بنت الخدامين ينفع نتعامل معاها غير كدة؟
قام عبد الله وعزيز بكسر الباب لكن ما إن لمح عزيز وجه عبد الله في المرآة ارتد مصعوقاً للخلف هاتفاً باستغراب:
إيه دا يا عمي؟ وشك عامل خريطة كدة ليه؟ أنت كنت بتلعب كراتيه؟
دخلت هنية أوﻻً ثم تبعها أحمد واﻷخير يهتف من الداخل بقوة:
ﻻ. هو مضروب علقة وشكلي هكمل عليه.
هتف عزيز بخضةٍ وهو ينير اﻹضاءة:
ليه بس يا عمي؟ هو عمل إيه؟
هتفت هنية بغل:
عمل إيه؟
ضحك علينا وجرجرنا من البلد علشان نيجي نشوف خيبتنا التقيلة، وفي اﻵخر ما نﻻقيش ﻻ البت وﻻ أمها.
صرخ عزيز بعصبيةٍ هاتفاً:
ﻻ. أنت جايبني من بورسعيد عشان في اﻵخر نأبي يطلع على شونا؟
هتفت هنية بتوبيخ:
وقاعد يقول لنا أنا متأكد من مكانهم. ومش عارف إيه ومش عارف إيه، وفي اﻵخر فص ملح وداخ.
أردف أحمد بتشكيك:
ومين عارف؟ ممكن مايكونوش هنا من أصله.
أخرج عبد الله الورقة من جيب بنطاله هاتفاً بدفاعٍ وهو يلوح بها أمام وجوههم:
ما تقروا الورقة وبعدين تتكلموا. هو دا العنوان اللي أنا جبته من الشركة.
هتف عزيز بلوم:
كنت راقبهم اﻷول يا عمي واتأكد إنهم هنا بدل ما كنت تجيبني على ملا وشي وتعمل لي من البحر طحينة.
هات المأذون يا عزيز. هات الرجالة يا عزيز. مش عارف اعمل إيه يا عزيز. هات عقد الورشة يا عزيز. أنا بنتي مش بايرة. أنت اللي هتموت عليها. وفي اﻵخر طلعت مانتاش رجل في بيتكم يا عمي.
وبما أنه مش رجل بقى فإحنا ﻻزم نعلم عليه علشان بعد كدة يبقى يتأكد من معلوماته قبل ما يطلع يجري يقولها لنا.
أحس بالخوف ورعشة تسري في أوصاله فهتف باستغاثة وهو يوجه نحو عزيز نظرات استغاثة:
الحقني يا عزيز.
تراجع عزيز للخلف هاتفاً:
دا لوﻻ إنك هتجيب لي البت يا عمي أنا كنت ساعدتهم في اللي هما هيعملوه فيك. أنا متضايق منك جداً لعلمك يعني. والبت دي لو ما كانتش قدامي قريب أنا مش هقول لك أنا هعمل إيه فيك.
انحنا أحمد يخلع حزاءه وفعلت هنية بالمثل وبدآ يهويان على ظهره بحزاءيهما بﻻ رحمةٍ وصرخات عبد الله تتردد في أرجاء المكان فﻻ يسمع إﻻ صداها وضحكات أحمد وهنية في الخلفية الشامتة تدوي في أذنيه كالرعد، وفﻻش كاميرا هاتف عزيز مسلطة في عينيه حتى أغمضهما يقوم بتوثيق كل ما يحدث معه من ذلٍ وهوان.
......................
انتبهت ندى من بكائها على صوت حور فابتعدت عن حضن سيف قليلاً كي تتأكد من حدسها، وعندما رأتها أسرعت نحوها ترتمي فوق صدرها هاتفة بخوف:
يوسف يا حور.
ﻻ تعرف لمَ أرادت هي اﻷخرى أن تشاطرها البكاء قليلاً.
هل لأنها اكتشفت أنه أخوها؟
أم ﻷن والدتها ستتزوج؟
أم ﻷن أباها يقف أمامها مجهول الهوية ﻻ يعرفه أحد، وهي التي اعتادت أن يكونَ عزيزاً بين قومه؟
شاركتها البكاء والاثنتان كانتا تؤازران بعضهما بربت كل منهما على ظهر اﻷخرى.
بينما اتجه آدم نحو سيف سائﻻً إياه بابتسامة:
ها يا سيوف؟ اتطمنت على ندى؟
تنهد سيف بارتياحٍ هاتفاً:
أيوة الحمد لله.
أنا كنت هموت من القلق عليها يا آدم.
ثم نظر للرجل الواقف بﻻ حراكٍ وعيناه مثبتتان على غرف المشفى هاتفاً:
هو مين الرجل اللي دخل معاكم دا؟
معرفش.
رد بها بهدوءٍ عكس ما ظهر على وجهه من توترٍ ثم أضاف بعملية:
بالتأكيد ﻻزم ندى تفتح محضر للوقعة.
أيده سيف بإماءةٍ من رأسه وهو يعلم أن آدم قصد تغيير دفة الحديث:
بالتأكيد. ما ينفعش نسيب حقها. بس.
قاطعه آدم بسؤاله وعيناه تتفحص المكان حوله:
أنت ما كلمتش معاذ وخالد ليه؟
هتف سيف ببساطة:
عادي. قلت الوضع مش مستاهل أقلقهم عليا. وكمان قلت أسيب معاذ في فرحته من ساعة ما شمس بلغته بموافتكم وإنكم هترجعوا تتفقوا تاني.
تنهد آدم بضيقٍ ﻻحظه سيف فهتف بمصارحة:
بص يا آدم. أنا لو واحد مكاني ما كانش هيقول لك اللي هقوله لك دلوقتي. بس هي دي طبيعة معظم اللي في عيلتنا. دايماً كدة حاسين إنهم ﻻزم يرتقوا ويتجوزوا ناس عندها مال ونفوذ. وأنا عارف إنك ﻻحظت نظرات معاذ المتفحصة للبيت.
هتف آدم مقاطعاً بهدوء:
قفل يا سيف على الموضوع دا. شمس حرة في قراراتها وربنا يسعدها مع أخوك يا رب.
وبتمنى أطلع أنا غلط وهي تطلع صح.
خرج الطبيب أخيراً فكان أول من هرول نحوه عمرو ويمنى، لكن أغنته يمنى عن عناء السؤال بقولها الملهوف:
خير يا دكتور. طمني أرجوك.
ابتسم الطبيب بعملية هاتفاً:
ماتخافوش. هو شوية وهيفوق. محتاج بس يقعد معانا كام يوم علشان نتطمن عليه.
ثم حدجها بنظراتٍ مستهينة من رأسها حتى أخمص قدميها هاتفاً بنبرةٍ ذات مغزا:
بس محتاجين تدفعوا الحساب اﻷول علشان ندخله أوضة.
أشار عمرو نحو حور فأتته على الفور لكنه أوقفها قبل أن تكمل طريقها نحو الطبيب ويمنى التي أطرقت برأسها حرجاً هاتفاً بهمسٍ جوار أذنها:
أنتي وظيفتك إيه في الحياة غير العياط؟
ابتسمت على طريقته معها لكنها هتفت بعدم فهم:
يعني إيه يا بابا؟ مش فاهمة.
هو مش أنتي بنت الدكتور عمرو اﻷلفي وﻻ إيه؟
أماءت برأسها إيجاباً وابتسامة بلهاء ترتسم على وجهها فأردف بتساؤلٍ حزين:
ولسة يشرفك تعلنيها وﻻ؟
قاطعت حديثه ذاك باحتضانها له بقوةٍ ثم تقبيله سريعاً على وجهه هاتفة:
وبعدين يا بابا. إيه المطلوب؟
لسة فاهماني. روحي بقى شوفي شغلك مع الدكتور.
اتجهت نحو الطبيب وهي تستمع لكﻻم يمنى وأكرم مع الطبيب بهتاف أكرم:
على فكرة الدكتور عمرو يبقى صديقي.
هتف الطبيب بﻻ مباﻻة:
ماليش فيه. ثم لما يبقى يخرج ابقوا اتكلموا في حاجة زي دي. دا لو خرج يعني.
هتف أكرم بهدوء:
حاضر يا دكتور. أنا دفعت حساب المستشفى وهكمل بقيت الحساب.
تحرجت يمنى أكثر فهتفت بصوتٍ مختنق:
إحنا ممكن ننقله من المستشفى دي يا أستاذ أكرم. دي هتبقى مكلفة قوي على حضرتك.
في هذه اﻷثناء تدخلت حور بقولها الصارم وهي تحدج الطبيب بنظراتٍ أرعبته في مكانه:
ﻻ يا طنت وﻻ توقفيه وﻻ تنقليه وﻻ حاجة.
هو بس الدكتور بيستهبل وإن شاء الله خوفاً على مستقبله هيتعدل ويقف عوج ويتكلم عدل.
نبرتها اﻷرستوقراطية التي ورثتها عن والدتها جعلت الرجل يومئ برأسه إيجاباً فصفقت بيدها بسخرية وهي تهتف:
كدة تعجبني يا دكتور.
ثم صفعته على وجهه بخفةٍ هاتفة بقوة:
والقلم الجميل دا علشان ما تبقاش تتكلم عن الدكتور عمرو تاني.
....................
أنت تقرأ
رواية ولو بعد حين.، الجزء الأول
Romansaقالوا عنها خائنة فصدقهم وكذبها. حاول أن ينسى فظلم. حاولت أن تعيش فماتت. لم يعرف أنها تمتلك جزءً منه. ولم تعرف أنها ﻻزالت تمتلك قلبه إلى الآن. فهل سيتجدد اللقاء بينهما يوماً ما؟ هل سيعرف الحقيقة؟ وهل بعدما أصبح لكلٍ منهما طريقاً ستلتقي الطرق؟...