الفصل الثﻻثون، الجزء اﻷول:

231 124 5
                                    

فصل طويل آهو.
ما عادش على اﻷلفين غير حاجة بسيطة الحمد لله.
همتكم بقى علشان ننزل ٣ مرات في اﻹسبوع.
اﻷحداث مولعة وساخنة ومش عارفة أنتوا هتستحملوها إزاي.
يﻻ. مستنية آراءكم.
ورجاءً لو الفصل عجبكم ما تنسوش الفوتينج علشان الرواية توصل لناس أكتر وأكتر وخليكوا عارفين إن دا بيشجعني أكتب أكتر وأكتر.
وطبعاً لو في انتقادات بناءة بقبلها وبتناقش فيها كمان عادي جداً.
وطبعاً أنا مش هكبر غير بيكم.
وما تنسوش تدعوا ﻷمي ربنا يشفيها ﻷني كنت بكتب النهاردة ومزاجي وحش جداً بس كتبت علشان خاطر عيونكم.
رمضان مبارك، وهسيبكم مع الفصل.
ولو بعد حين، الفصل الثﻻثون، الجزء اﻷول:
طرقت الباب بهدوءٍ وهي تطرق برأسها نحو اﻷرض بحزنٍ شديد.
سمعت إذنه لها بالدخول بطريقته الرسمية.
ﻻحظت بعد دخولها أنه يتحدث في الهاتف في أمرٍ ما فلم ترد أن تعطله عن أعماله.
جلست مطرقة الرأس شاحبة الوجه وجسدها يهتز إثر شهقاتها الباكية.
أما هو فكان يتحدث مع قطعة فؤاده التي أوشكت الضياع بقوله اللين:
شمس. يا حبيبتي أنا عايزك تسمعيني ﻵخر مرة وبعدها أنتِ حرة في قراراتك. أنا مش هتدخل لك تاني طالما أنتِ هترضِ بكدة.
سمع زفرتها الضائقة على الجانب اﻵخر وهي تهتف بنفاد صبر مشوبٍ ببعض الارتباك:
يا آدم افهمني من فضلك. أنا دا مش قصدي. أنت عارف أنا بحبك قد إيه. وأنت هتفضل أخويا وحبيبي وسندي وتاج راسي. بس أنا وأنت عايزين نناسب ناس من المجتمع الراقي اللي معاهم فلوس دول. عايزينهم ينقلونا لمستوى تاني خالص. عايزين نقب بقى على وش الدنيا ونعيش زي الناس اللي عايشين. وﻻ دا مش من حقنا يا آدم؟
ماما وبابا لما ماتوا الله يرحمهم ما سابوا لناش حاجة نعيش منها وﻻ أمنوا لنا مستقبلنا.
الله يرحمهم ما كانش حيلتهم غير البيت اللي إحنا قاعدين فيه.
وأنا مش عايزة وﻻدي يعيشوا نفس العيشة اللي أنا كنت عايشاها. مش عايزة حد يبص لهم باستحقار زي ما كانوا بيبصوا لي في الكلية.
إزاي يعني أقعد مع أبناء اﻷعيان؟
وحتى لما جيت أشتغل عند دكتور وقلت هيرفعني ما عملش كدة.
حاولت بكل الطرق إني أخليه يلتفت لي وهو ما اهتمش حتى.
وأنا اللي كنت فاكراه بيحب مراته أتاريه كان بيخونها كل يوم مع واحدة شكل.
صدمة تلو اﻷخرى كانت تنزل على رأسه كالصاعقة. كأن دلو من الماء البارد انسكب عليه من رأسه حتى أخمص قدميه.
كيف تتحدث بهذا الشكل؟
ﻻ. لم تكن هذه شمس أخته النقية البريءة.
كيف لم يكتشف كل هذا سوى اﻵن؟
ماذا فعل بها معاذ كي تصلَ لهذه الدرجة؟
من إمتا يا شمس وحنا بنفكر في الفلوس؟
هتف بها بذهولٍ فهتفت بعصبية:
من زمان يا آدم. من يوم ما دخلت عيادة الدكتور عمرو وشوفت الناس عايشين إزاي؟
من يوم ما حطيت رجلي في مستشفته وقعدت على مكتبه المبني على أحدث طراز.
من يوم ما مسكت أول ألف جنيه جامدة في إيدي.
بص يا آدم من اﻵخر. أنا مش هفرط في فرصة جوازي من معاذ. على اﻷقل ألم منه شوية فلوس أأمن بيها مستقبلي. ومين عارف؟ مش يمكن أكمل معاه.
تنهد بضيقٍ وهو يهتف بعد سماعه لنبرتها الحاسمة:
أنتِ حرة يا شمس. عموماً شوفي أنتِ عايزة تعملِ إيه وأنا معاكِ في أي حاجة.
كل حاجة أنتِ عايزاها هعملها لك.
صمت قليلاً ولم يعِ ما قالته بسبب استماعه لشهقة خائنة غادرت شفتيها دون قصدٍ فألقى السماعة على المنضدة وهو يناظرها باندهاشٍ، ثم نهض من مقعده متجهاً نحوها على الفور سائﻻً إياها بقلق:
آنسة حور. في حاجة حصلت مع كريم؟
كانت تجلس واضعةً وجهها بين راحتيها فرفعته أخيراً هاتفة بدموع:
ياريت. أنا كريم بقيت أتوقع منه أي حاجة خﻻص. الحمد لله إن ربنا كشفه ليا على حقيقته بدل ما كنت أتخدع فيه أكتر من كدة.
صمتت ولم تستطع الاستمرار في الحديث أكثر فانفجرت في بكاءٍ مريرٍ لم يعرف سببه.
اتجه نحو الهاتف سريعاً ليجد شمس مازالت على الخط تصرخ بقلق:
آدم أنت سكتت ليه وما عدتش بترد عليا؟
وضع السماعة على أذنه يهتف باستعجال:
اقفلي يا شمس دلوقتي. عندي مأمورية.
لم يسمع ردها حيث أغلق الخط ثم اتجه نحوها يهتف بها بهدوءٍ وهو يناولها محرمة ورقية:
اتفضلي امسحِ دموعك بس واهدِ علشان نعرف نتكلم.
هجيب لك ليمون.
هتفت برفضٍ وقد عادت ﻹطراقها الغير مفهوم:
ما بقيتش عايزة حاجة. مش عايزة حاجة خﻻص. أنا عايزة أموت.
هتف بفزع من حديثها اليائس:
بعد الشر عنك يا آنسة. اهدِ بس أرجوكِ وكل حاجة وليها حل.
صرخت بانهيارٍ وقد هبت واقفة من مكانها: 
حل إيه وفين؟ هو في حل يخلي ماما ما تتجوزش رفعت الدهان اللي أنتوا بتحاربوه وعايزين تقبضوا عليه؟
شهق بصدمةٍ وقد اتسعت عيناه ذهوﻻً وهو يسألها:
نعم!
مين يتجوز مين؟
وليه أصﻻً؟
ثم والدتك مش لسة في عدتها؟
أجابته ولم تتوقف شهقاتها بعد:
ما هو هيخطبها لحد ما عدتها تخلص.
ماما بتمسل عليا الفرحة.
عايزة توجع بابا بأي شكل.
يا نهار أبيض.
هتف بها بنفس صدمته ولم يستوعب بعد ما تقوله تلك الفتاة الشاحبة.
عيناها منتفختان من أثر البكاء، وجهه شديد الشحوب، وشفتاها ترتجفان دليلاً على شدة بكائها.
أخرجته من شروده بقولها الراجي:
أرجوك. ماما بتضيع. طب كانت تتجوز أي حد غيره.
هما ليه مصممين يعيشوا في تفكك طول الوقت؟
ليه عايزينني أكون مشتتة بينهم كدة على طول؟
اهدِ يا آنسة وإن شاء الله يحلها الحﻻل.
هتف بها بإشفاقٍ على حالها فهتفت باعتراض:
ﻻ. أنتوا ﻻزم تشوفوا حل. أنا أمي بتضيع.
هتف بقلة حيلة:
والله أنا مش بإيدي حاجة غير إني ممكن أتكلم معاها عن صفقات رفعت المشبوهة.
هتفت وكأنها تقرأ دواخل والدتها:
ﻻ. ما ينفعش. هتفتكر إن بابا هو اللي باعتك علشان تقول لها كدة علشان ما تتجوزش وهتصمم عليه أكتر.
هتف آدم بتفكير:
طب أعمل إيه؟
هي كدة هتتصدم فيه حرفياً بعد ما نقبض عليه هو وكريم.
ضربت ركبتيها بكفيها هاتفة:
هما دلوقتي فخورين باللي عملوه. البت وأمها بقى.
هو أنتِ عرفتِ منين؟
سألها بها باستغرابٍ فهتفت بحسرة:
عرفت من كريم. كان بيكلمني علشان عايز يدبر زيارة وييجي يخطبني من بابا، وكان بيقول لي إن زيتنا هيبقى في دقيقنا بقى والكﻻم الفاضي بتاعه دا.
أنا طبعاً ما كنتش فاهمة حاجة لحد ما هو وضح لي الصورة كلها وشرح لي الوضع. وبرن على ماما مش بترد عليا مش عارفة ليه.
وكل اللي بعتته لي في رسالة إنها بايتة عن تيتا وجدو علشان أمممر مهم وما قالت ليش حاجة خالص عن الموضوع دا.
أنا هتجنن، مش فاهمة هي إزاي عملت كدة.
أنا عايزة أشوف بابا ممكن.
هم بالموافقة على الفور لكنه تذكر أين عمرو اﻵن فهتف بنفس نبرته المشفقة:
هو في زيارة.
ظهرت عﻻمات الاستفهام على وجهها جلية وهي تسأله:
زيارة؟ مين؟ يوسف؟
هتف آدم بعد أن أماء برأسه يمنى ويسرى دليلاً عدم معرفته:
ﻻ. مش يوسف. واحدة أنا ما أعرفهاش.
هتفت بغضب:
تاني! واحدة تاني؟
هو أنا ناقصة؟
هتف آدم بهدوء:
اهدي يا آنسة. يا خبر بفلوس بعد شوية يبقى ببﻻش. هو أنا لبخت الدنيا شكلي كدة وﻻ إيه؟
.....................
طرق عمرو الباب ليرى زائره.
واحد من ثﻻثة:
إما ليلى وهو في غنا عن مشاجراتهما التي أصبحت جارحة بشكلٍ ﻻ يطاق.
أو يوسف يحمل معه عبق يمنى رفيقة العمر الماضي.
أو حور مهجة فؤاده وسبب قلقه في اﻵونة اﻷخيرة.
لكنه اصطدم بزائرةٍ رابعةٍ لم يكن وجهها مألوف لعينيه، بينما نظرت له هي ومصمصت شفتيها بإشفاقٍ رغماً عنها عندما رأت شحوب مﻻمحه ونحول جسده الملحوظ، والهالات السوداء التي تجمعت تحت عينيه دﻻلةً على نومه المتقطع وسهره المتواصل.
أخرجها من تفحصه بنظراتها بسؤاله وهو يسلط عينيه على مﻻمحها ويجبر عقله على تذكرها:
أنتِ مين؟
عادت لمصمصتها لشفتيها ثانيةً وهي تهتف لنفسها بحسرة:
دول طمسوا دماغه باين كدة.
أنتِ يا ست أنتِ؟ 
هتف بها بصبرٍ فرفعت وجهها نحوه وانفرجت شفتاها تهم بالقول لكنه أردف بنفاد صبرٍ أكثر:
بقول لك أنتِ مين؟
أنا نجﻻء يا دكتور عمرو. السكرتيرة بتاعة سيادتك.
نهضت من مقعده وهي تراه يعود بجسده للخلف من المفاجأة.
ظلت تسير بهدوءٍ وتباطئٍ لتلفتَ انتباهه ﻷنوثتها الصارخة التي تجزم أنه اختارها للعمل معه على هذا اﻷساس فقط لكنه أشاح بوجهه للناحية اﻷخرى وتفكير واحد يسيطر على عقله:
ما الذي سيتردد عنه في مشفاه بعد هذه الزيارة؟
أنتِ عايزة إيه؟
نبرته الضائقة كانت واضحة للعيان فهتفت بصوتها التي تعمدت إضافة بعض الدﻻل له بقولها:
أنا جاية أقول لحضرتك اللي بيحصل من ورا ضهرك في المستشفى.
عاد لها بعينيه هاتفاً باهتمام:
وأنا إيه اللي يضمن لي إنك مش بتجودي؟
هتفت بصدق:
والله يا دكتور أنا مش بتبلى على حد وﻻ بظلم حد. أنا بس ما هانش عليا تفضل على عماك. واتطمن مش هجيب سيرة لحد بالزيارة دي خالص.
هز رأسه بﻻ مباﻻةٍ مصطنعةٍ وهو يهتف بعدم اقتناع:
أنتِ عايزة إيه يا نجﻻء. بس ياريت تقعدي في حتة قبل ما تجاوبيني.
فعلت عكس ما قاله واقتربت أكثر حتى وقفت قبالته لكنها لم تملك الجراءة الكافية التي تمكنها من رفع ذراعيها نحوه فهتفت بهمس:
الدكتورة شمس.
مالها؟
هتف بها بنفاد صبرٍ أكثر وهو يبتعد بوجهه عنها قليلاً لكنها عادت لاقترابها بوجهها بل أصبح لم يفصل بينهما فاصل:
الدكتورة شمس لو لقت فرصة شغل أحسن من المستشفى بتاعة حضرتك هتسيب الشمالطي يلطي في المستشفى وتمشي.
هتسيب إيه يا نجﻻء؟
ﻻ يا دوك. ما تدقش.
هتسيب المستشفى وتروح وساعتها ما حدش هيديرها وهتضيع.
هتف عمرو بثقة:
شمس وفية جداً ليا، وخدت مني خبرات كتير على مدار سنين، وأنا ما بثقش في حد غيرها.
طب والله العظيم كانت بتقول لي الصبح إنها لولا الحوجة ما كانت شغالة في المستشفى دي. ووالله أنا مش بكذب على حضرتك. وأنا دلوقتي جاية لسيادتك بعرض.
عرض؟
هتف بها بعدم فهمٍ فهتفت موضحة:
أيوة. نتجوز وآجي لك كل زيارة تاخد مني كل حقوقك الشرعية بما يرضي الله وأخلف لك الواد اللي يقش كل حاجة وأدير لك المستشفى.
امشي يا نجﻻء اطلعي برة وما تجيش تاني.
كانت الصدمة من نصيبها هذه المرة وهي تهتف بتساؤل:
ليه يا دكتور؟
دا جزاتي إني جيت أقول لك حقيقة اللي حواليك؟
هتف عمرو بعصبية:
إن كانت شمس متضايقة علشان اللي حصل وباقت شايفة إني ما أستاهلش إنها تشتغل معايا فدي حاجة ترجع لها، ومعظم الناس كانوا شايفين كدة؛ فدا عادي، دي حاجة ما تزعلنيش.
شمس كانت واضحة لكن أنتِ بوشين. منافقة. طماعة فيا وفي فلوسي فوزنتيها كدة بعقلك اللي يوزن بلد مع نفسك وقلتِ فيها إيه لما أتجوزه وهو يوم وﻻ يومين وهياخد إعدام وبعدها المستشفى هتبقى ملكك والمحاكم حبالها طويلة. مش كدة يا نجﻻء؟
ارتدت برأسها للخلف وهي تهتف مدافعة:
ﻻ. أنا كنت ميالة لحضرتك من زمان.
قاطع استرسالها بقوله المهدد:
أقسم بالله يا نﻻء لو ما مشيتي دلوقتي حاﻻً وبطلتي تيجي هنا ما عاد ليكي شغل عندي.
نظرت له بازدراءٍ واضحٍ وهي تهتف بثقةٍ وهي تخرج:
لما تبقى تخرج اﻷول بس يا دكتور.
سﻻم بس لو مال لكش في الجواز عرفني وأنا جاهزة.
...................
لما البت الحلوة تعدي.
كله يوسع كله يهدي.
هتف بها أحد الشباب وهو يتفحص ندى من رأسها حتى أخمص قدميها وهي تعبر الطريق بشهوةٍ واضحةٍ.
ترك ما بيده من حشيش ونهض بتثاقلٍ حتى يلحق بها، فوضعت يدها على فمها برعبٍ ﻻ تريد الصراخ كي ﻻ يستطيع تحديد مكانها بسهولةٍ وأطلقت ساقيها للريح تحاول الخروج إلى شوارع تجد فيها من تستغيث به وهي تحاول أن تتمتم بما تتذكره من آيات الذكر الحكيم.
بينما هذا الشاب يسير بغير اتزانٍ ويشهر مطواه في وجهها مهدداً وﻻزال على ترديده لهذه اﻷغنية الخادشة للحياء فمن الواضح أنه يحفظها عن ظهر قلب.
سمعت صوته يقترب أكثر فأسرعت أكثر وأكثر من ركضها، لكن قلبها لم يسعفها فأحست أن المكان رغم اتساعه يضيق بها وبدأت ذرات الهواء تقل من حولها رويداً رويداً.
حاولت ضبط أنفاسها قدر ما استطاعت لكن قلبها عاندها للمرة الثانية فوقعت على اﻷرض الصلبة.
أخيراً يا قطة وقعتي.
هتف بها الرجل وهو يسير بغير هدى مقترباً منها.
ﻻزال وعيها لم يتسرب منها بعد فهتفت بصوتٍ عالٍ:
يا رب ارحمني.
زحفت على بطنها فقدماها لم تقوَ على تحمل جسدها أكثر.
نظراً لبطء حركتها حاول هو اﻹسراع قليلاً كي يصلَ لها وهو يهتف بوعيد:
أنتِ تعبتيني النهاردة يا جميل، وأنا عامل دماغ عالية وأنتِ بعندك هتضيعيها. وأنا مش بس نخششتي في دماغي، ﻻ دا أنا كمان جاي أخلص حق برشامة بيه. سيدك وسيدنا كلنا.
سقطت على جانب الطريق وقد بلغ التعب منها مبلغه وهي تهتف بنبرةٍ واهنةٍ مهددة:
أنا أخويا ظابط بوليس. لو عرف. اللي أنت بتعمله مش هيرحمك. فاهم؟ مش هيرحمك.
حاولت إصباغ بعض القوة على نبرتها لكنها خانتها فخرجت واهنة متقطعة.
أدركت أنها في خطر عندما رأت مطواه قريبة من وجهها فوضعت يدها على قلبها الذي ينبض بجنون وهي تصرخ من شدة اﻷلم:
آه. آه. ابعد عني.
الله. الله.
دي أقصى أنواع المتعة يا بت.
حاولت التراجع بظهرها أكثر للخلف لكن وهن جسدها خانها للمرة التي لم تعد تعلم عددها لكن لسانها ﻻزال يذود عنها بقولها الواثق:
يا رب. يا رب. ارحمني يا رب.
أمسك بها من قدميها يسحبها نحوه بعنفٍ لكنها تحاول التمسك بأي شيءٍ تجده على اﻷرض الصلبة أمامها.
سمعت صوت سيارة تقترب منها بشدةٍ ومن الواضح أن السائق لم ينتبه لها فشهقت بفزعٍ وهي تسمع ضحكات هذا البغيض تدوي في أذنيها كالرعد هاتفاً بشماتةٍ وهو يسحبها من قدميها بعنفٍ أكثر:
ما هو أنتِ لو ما جيتي ليش دلوقتي بإرادتك العربية دي هتخبطك.
أطلقت لحنجرتها العنان في الصراخ فسمعت صوت أحدهم يهتف من داخل السيارة بفزع:
وقف.
أوقف الرجل سيارته بسرعةٍ ونزل منها ثم تبعه اﻵخر وهو يهتف بخضة:
ندى؟
هتف أكرم بتساؤل:
أنت تعرفها يا يوسف؟
أسرع يوسف نحوها يسحبها من طرحتها بينما كان أكرم يخرج سﻻحه ليلهي الرجل عنهما فوضع الرجل مطواه على إحدى قدميها وهو يهتف بجنون:
لو ما سبتهاش هقتلها أو هقتلك. أو ممكن بقى أريح البشرية منكم أنتوا الاثنين.
ضرب أكرم بعض الطلقات في الهواء متعمداً أﻻ يصيب أحدهم فارتجفت ندى أكثر ظناً منها أن أحدهم أصابه مكروه.
انتهز يوسف فرصة تشتت الرجل وعراكه مع أكرم وانحنى بوجهه يتفحصها سريعاً ثم رفعها على ذراعيه يهم باﻹسراع نحو السيارة لكن الرجل حاول الاقتراب منهما كي يقترب من ندى فلحق به أكرم بقوله المهدد وهو يضع إصبعه على الزناد ويصوب فوهة سﻻحه نحو رأسه:
أقسم بالله لو قربت لهم لهخلص عليك أنا وأنا محامي وهعرف أخرج منها إزاي.
لم يكترث الرجل بتهديده واقترب أكثر من ثﻻثتهم، بينما وضع يوسف ندى في السيارة وأغلق الباب بإحكامٍ وهو يهتف في أكرم:
تعالى. خﻻص مافيش حاجة. هي بخير الحمد لله.
تنهدت بارتياحٍ وهي ﻻزالت تضع كفها على قلبها الذي ﻻزال ينبض بجنونٍ والذي كاد أن يتوقف إثر صرخة أكرم المكلومة وهو يسرع نحو الساقط على اﻷرض غارقاً في دمائه:
يوسف.
.....................
دخل عمرو بعد طرقاتٍ خفيفة على باب المكتب ليجدَ حور جالسة ووجهها شاحب وواضح عليها عﻻمات البكاء الشديد.
لم يتخطَ آدم ولم ينسَ وجوده بينهما فهتف باحترام:
تحت أمرك.
هتف آدم بإشفاق:
ابعد يا دكتور.
أشار له نحو المقعد المقابل فأسر في نفسه رغبته في الجلوس بجوار حور ونفذ ما أمره به.
بدأ آدم حديثه لكن بنرةٍ متلعثمة وغير واثقة ككل مرةٍ كانا يتحدثان فيها بهتافه:
مدام ليلى.
ما لها؟
هتف بها باهتمامٍ حقيقٍ فهتف آدم بما صدمه حقاً:
هتتجوز.
إيه؟
هتف بها بعدم استيعابٍ فتدخلت حور في الحوار هاتفة بانهيار:
هتتجوز رفعت الدهان.
مين؟
ﻻزال على نفس حالته فهتف آدم برسميته المعتادة بالنسبة لعمرو على اﻷقل:
أنا جببتك هنا ﻷن اﻵنسة حور عايزاك ترد والدتها تاني لعصمتك بما إن عدتها لسة ما خلصتش.
أردها غصبٍ عنها؟
هتف بها باعتراضٍ طفيفٍ فهتفت حور بعصبية:
مش أحسن ما تتجوز رفعت الدهان دا وأنا وأنت عارفين هو عامل إزاي وشغله شكله إيه هو وكريم؟
ممكن أتكلم في التليفون.
هتف بها عمرو باحترامٍ وهو يسلط نظره على مﻻمحه الثابتة فهتف بابتسامةٍ حاول فيها تخفيف التوتر في اﻷجواء:
أيوة طبعاً اتفضل.
استدعا رقم هاتفها فردت بابتسامةٍ حلوةٍ تشكلت أمام عينيه تواً متذكراً إياها أيام خطبتهما القصيرة:
ألو.
ليلى.
هتف بها بلهفةٍ فهتفت بعصبيةٍ وقد اختفت ابتسامتها تماماً:
خير يا عمرو. في حاجة؟ بس ياريت تنجز كدة علشان معايا ويتينج.
كنت عايزك ضروري في حاجة تخص حور، ما ينفعش نتكلم فيها في التليفون، وبعدها اعتبريها آخر زيارة ليا، واعتبريها آخر مرة هتكلم فيها معاكي. ممكن بقى ما تكسفنيش في آخر طلب.
ﻻزالت نبرته الساحرة رغم انكسارها الملحوظ تأسرها فهزت رأسها دليلاً على موافقتها وكأنه يراها ثم أجابته مبررة:
عموماً أنا هاجي لك بس علشان حور ليها حق عليا، وعلشان أنت باباها مهماً كان، ومش هينفع هي تحس بالتشتت مهماً كان كل واحد فينا حاله إيه.
هتف باستحسانٍ:
دا شيء كويس. إحنا أهم حاجة عندنا البنت وبس.
هتف بأروستوقراطيتها المعهودة مع سواه:
بس خلي بالك. أنا وقتي من ذهب اليومين دول، فياريت ما تضيعه ليش على الفاضي، وياريت ما يتطرقش اﻷمر لأي حاجة شخصية كانت بيننا ﻷننا هنجرح بعض.
هتف بمهادنة:
حاضر يا ليلى. ما تخافيش. أنا هدفي محدد. حور وبس.
سﻻم.
لم يعطها فرصة النقاش معه في هذا اﻷمر كي يجبرها على الحضور فهتفت حور بتساؤل:
بابا. أنت هتقول لها إيه؟
تنهد بضيقٍ وهو يهتف شارحاً:
لو كانت هتتجوز أي حد تاني غير رفعت الدهان أنا ما كنتش هتدخل لو كنتِ عملتِ إيه. بس هي ما عملتش معايا أي حاجة وحشة علشان أسيبها تضيع كدة.
سأله آدم بعدم اقتناع:
طب أنت واثق في الخطوة اللي ناوي تعملها دي؟
هتف عمرو بثباتٍ زائفٍ:
إن شاء الله خير. ما تقلقوش.
بس أهم حاجة يا حور، مامتك ما تعرفش إنك جيتي لي. تمام.
ليه؟
هتفت بها بعدم فهمٍ فهتف بغموض:
هتعرفي بعدين.
يا رب بس أعرف أقنعها.
هتف آدم بدعابةٍ:
تعليمي نفع يا دكتور.
ابتسم عمرو وهو يهتف:
آه. شوفت بقى يا حضرة الظابط. أنا تلميذ نجيب بردو.
هتفت حور بتساؤلٍ وهي تغرس نظراتها بشكٍ في عينيه قرأه عمرو بسهولةٍ:
هي مين اللي كانت عند حضرتك في الزيارة يا بابا؟
أجابها بتلقائية:
دي نجﻻء.
نجﻻء مين؟
سكرتيرتي في المستشفى.
هتف آدم بقلق:
في حاجة في المستشفى وﻻ إيه؟
استحى بعد ما فعله آدم معه وﻻزال يفعله أن يتحدث عن أخته بالسوء فهتف بعد برهةٍ من التفكير:
ﻻ. مافيش حاجة اتطمن، هي متعودة تودني كدة من الوقت للتاني. يعني من القﻻئل اللي لسة مؤمنين ببراءتي.
هتف آدم بعدم اقتناعٍ:
آه. جايز بردو.
....................

رواية ولو بعد حين.، الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن