الفصل الخامس بعد العشرين، الجزء الثاني:

239 139 4
                                    

السﻻم عليكم.
كل سنة وانتوا طيبين وربنا يعود علينا اﻷيام المباركة دي على خير يا رب وكل شخص فيكم يكون محقق كل اللي بيتمناه.
أنا نفذت وعدي آهو ونزلت الجزء قبل يوم الجمعة، وميرسي جداً على تفاعلكم.
وبفكركم إننا لو وصلنا للألف صوت هننزل مرتين في اﻹسبوع.
نهم بقى يا قرائي ونشد العزم.
ووروني حماسكم للرواية من خﻻل التصويت.
يﻻ مستنية رأيكم في بقيت الفصل.
ولو بعد حين، الفصل الخامس بعد العشرين، الجزء الثاني:
يجلس في منزله الكئيب الذي خﻻ من جميع أفراد عائلته في مفاجأةٍ لم يكن يتوقعها.
لم يكن يتوقع أن تخرجَ يمنى أخيراً عن طوعه، ولم يكن يتوقع أنها مازالت تمتلك القوة كي تعلنَ عصيانها عليه وعلى أوامره.
لم يكن يعلم أنها إلى اﻵن باستطاعتها التجرؤ عليه وعلى القوانين التي وضعها لها هنية وأحمد من أعوامٍ مضت.
يتذكر عندما أتته أمنية تخبره أنه خرجت من المشفى أخيراً، لكنها بالطبع لم تكن تعلم أنها غيرت طريقها للمنزل الجديد الذي تمكث فيه ﻷنها أتته فور أن علمت بالخبر كي يكونَ في انتظارها كما أمرها.
يمنى فقط لم تعصِ أوامره، بل أيضاً أخذت معها الدجاجة التي ستبيض له الذهب.
أجل.
هي سندس. سندس التي لم يعد يفكر سوى في استرجاعها.
سندس التي لم يمل عزيز إلى اﻵن من السؤال عنها وعن أخبارها. ومتى ستكون في منزله عروساً تنيره وكﻻم من هذا القبيل.
اعتدل في جلسته وهو يهتف بيأس:
أعمل إيه يا ربي؟
أجيبهم إزاي؟
أوصل لك إزاي يا يمنى؟
طب مش مهم أنتي، أهم حاجة البت سندس اللي هتخليني أقب على وش الدنيا بالورشة اللي مكتوبة لي.
صمت قليلاً يحاول التفكير بهدوءٍ إﻻ أن ضياع الورشة التي وعده بها عزيز حال دون ذلك فاعتراه شعورٌ بالغضب الذي لم يعد يستطيع السيطرة عليه فهتف بوعيد:
ماشي يا سندس أنتي ويمنى لما أمسككم في إيدي. وﻻ أنت يا أستاذ يوسف ما أنت عارف طريقهم ومدكن ومش راضي تقول لي.
أنا مش هسيب الورشة تضيع من إيدي. مش هسيبها.
أحضر هاتف المنزل القديم يجري مكالمة هي اﻷهم في عمره كله.
انتظر الرد بفارغ الصبر حتى تنهد بارتياحٍ عند سماعه صوت هنية المألوف يأتيه بقسوةٍ مألوفةٍ لكن ما تغير فيه فقط هي البحة التي أضيفت له بحكم الزمن.
ألو. مين معايا؟ منزل أحمد اﻷلفي.
هتف بارتباك وهو يحاول استجماع شجاعته ﻹبﻻغهما بالخبر الصادم:
إزي حضرتك يا هنية هانم؟ أنا عبد الله يا رب تكوني لسة فاكراني حضرتك. أنا اللي كنت.
قاطعته بصوتها القوي:
خﻻص خﻻص يا عبد الله. ماهيش حكاية أبو زيد الهﻻلي هي عارفاك. إيه عايز فلوس تاني وﻻ إيه؟
قولي له ينسى. المرة اللي فاتت لما اتنيل اتجوز الخدامة وخلصنا منها نشف ريقنا علشان نقنعه وفي اﻵخر خد كل اللي هو عايزه وكانت طلباته أوامر. وهو متفق معانا إنه مش هيطلب مننا تاني.
وابقي اسأليه عامل إيه في بورسعيد؟
هتف بها أحمد بصوته الذي لم يقل عن صوت هنية في القسوة لكنه مشوب بالقوة والحسم الذي ﻻ  رجعة فيهما.
يا جماعة أنا مش عايز فلوس. هي الحياة باقت صعبة يعني وغالية عن زمان بس مستورة الحمد لله. أنا عايز يمنى.
ثم أنا في اﻷسكندرية من فترة قصيرة.
نعم!
هتفت بها هنية وهي تهب واقفة من مقعدها بصدمة، ثم استطردت بتساؤلٍ غاضب:
أنت بتقول إيه يا متخلف أنت؟ إزاي تجيبها أسكندرية وتحط البنزين جنب النار؟
هتف عبد الله محاوﻻً تبرير موقفه كي ﻻ يصب أحدهما غضبه عليه:
والله أنا ما كنتش عايز آجي هنا تاني، وقلت للزفتة يمنى إننا كافيين خيرنا شرنا بعيد عنكم.
تلعثم في الحديث ثم هتف مصححاً:
أقصد يعني علشان وجودنا ما يضايقكوش. بس هي صممت هي وأوﻻدها. وما قدرتش أعمل لهم حاجة أو حتى أمنعهم.
وجودك في اﻷسكندرية وعرفناه. فين بقى الست هانم اللي أنت متصل تدور عليها؟
هتف بجهل:
معرفش. هي كانت في المستشفى محجوزة وعيانة وفضلت فيها كام يوم. ومن كام يوم الدكاترة كتبوا لها على خروج بس أنا ما عتش ﻻقيها. وما شوفتهاش أصﻻً وهي خارجة.
أكيد هتكون هنا وﻻ هنا هتروح فين يعني؟ أنا بس عايز رجالتكم يدوروا عليها يعني.
لم يمهل جرس الباب أحدهما للرد عليه، فهتف بعجالة:
الباب.
هتف أحمد آمراً:
تخلص اللي عندك وتعدي علينا علشان إحنة مش فاهمين حاجة وعايزين نفهم منك أكتر وكمان مش هترجع بيتكوا غير والزفتة دي في إيدك.
أضافت هنية بقسوة متوعدة:
بس لما أعيد تربيتها من أول وجديد علشان تعرف إن الله حق وما تتحداناش تاني وما تكسرش كﻻمنا بعد كدة.
ضحك أحمد بنفس قسوتها مضيفاً:
آه على بال ما أنتي تربيها أكون أنا علمت اﻷستاذ إزاي يسيطر على بيته ومراته ووﻻده ويحكمهم ويشكمهم.
وضع عبد الله سماعة الهاتف على المنضدة ونهض بكسلٍ يفتح اتلباب وهو يدعو أﻻ يكون عزيز؛ فهو ليس في مزاجٍ جيدٍ لمقابلته اﻵن.
فتح الباب لينصدم بالوجه الغير مألوف يهتف برسمية:
محضر من المحكمة.
انكمش على نفسه في خوفه وعقله يعمل بسرعةٍ متوقعاً اﻷسوأ لكن ما جاء به الرجل اليوم فاق كل التوقعات.
هتف عبد الله باقتضابٍ بعد برهة من التفكير الصامت:
خير.
هتف الرجل بنفس عمليته الشديدة وهو يناوله بعض اﻷوراق:
اتفضل دول وامضي لي هنا.
وضع توقيعه حيث أشار الرجل له ثم أغلق الباب بعد قوله المقتضب:
باﻹذن.
ليسمعَ بعدها الرجل يهتف بضيق:
قلة ذوق.
فتح الأوراق لتتسمر عيناه بصدمة على ما هو مكتوب وﻻ يهتف سوى بجملةٍ واحدة:
خلع. يا نهار أسود. خلع.
ظل يردد هذه الكلمات بهيستيريا حتى استجمع قوته بعد مدةٍ ليست بالقصيرة ونهض يرتدي ثيابه بتثاقلٍ ليذهب لمقابلة هنية وأحمد لعلهما يستطعيعان حل هذه المعضلة المستحيلة.
....................
على الجانب اﻵخر:
كانت يمنى تضع بعض الثياب الغير نظيفة لتغسلها وهي تذكر الله كي يبارك لها في منزلها ويعينها على ما تفعله.
قطعت سندس هذه اللحظات وهي تهتف بصوتٍ عالٍ بجوار أذنها:
هاااي.
شوفتي يا ست ماما. آهي دي الشاليهات وﻻ بﻻش.
زفرت يمنى بضيقٍ وهي تهتف:
سيبيني في حالي يا سندس. علشان أنا لو مسكت أخوكي في إيدي هقطعه من الضرب.
ليه بس يا ست الكل؟
الحق عليه يعني عايز يبعدك عن بابا.
ألقت ما في يدها أرضاً واستدارت تواجهها وهي تهتف بعصبية:
بذمتك يا سندس وأنا راضية ذمتك. هو أخوكي هيعرف يدفع إجار شاليه زي دا؟
دا هو يادوب يا حبيبي مكفينا بالعافية.
هتفت سندس بتفكير:
أمممم. ممكن يكون سالفه من حد مثﻻً يا ماما وما رضاش يقول لك.
بس يعني كان هيعمل إيه؟
ما هو إحنة مش هنسمح تروحي لبابا تاني.
دا مش إنسان يا ماما مش إنس.
قاطعتها يمنى بتحذير:
سندس.
ما تغلطيش في باباكي. في النهاية هو باباكي وأنتي هتتحاسبي على كل كلمة قلتيها عنه وعلى كل حاجة عملتيها معاه.
هتفت باعتذارٍ وهي تطرق برأسها خجﻻً:
يا ماما أنا آسفة والله، أنا ما قصدتش أي حاجة، أنا بس كنت.
خﻻص يا سندس خﻻص. أنا بس يا حبيبتي بنبهك علشان ما تقعيش في كبيرة زي دي.
مهماً كان ومهماً عمل هو أبوكي زي ما أنا أمك.
وواجب عليكي طاعته زي ما بتعملي معايا بالظبط.
أجابتها سندس بعدم اقتناع:
حاضر يا ماما. اللي تشوفيه.
بس أنا بالنسبة لي بابا عمره ما قدم لي أي حاجة.
طول الوقت شايفني سلعة يبيع ويشتري فيها.
بابا يا ماما مع اﻷسف ما بيفكرش غير في نفسه وبس.
والمكاسب اللي هيطلع بيها من ورا كل واحد فينا.
يعني لما الخلع وصله على البيت هو دلوقتي قالب الدنيا عليكي علشان ينتقم علشان أنتي إزاي تفكري تخلعيه.
لﻷسف يا ماما هو دا بابا.
هتفت يمنى بقهر:
عارفة يا سندس كل اللي بتقوليه.
ما حدش في الدنيا اتحرق من نار أبوكي قدي، بس سيبيه هو اللي يتحاسب يوم القيامة. سيبيه هو اللي يقف على الصراط بيتوسل لنا كلنا علشان نسامحه وحنة هنقف ناخد حقوقنا منه بالعدل. سيبيه يندم يوم ﻻ ينفع الندم. ماتخليش الشيطان يجرك لطريق الندامة.
استدارت بظهرها لها تكمل ما كانت تفعله وهي تعيد سؤالها ثانيةً بإلحاح:
لكن بجد اصدقيني القول يا سندس. أنتي ما تعرفيش يوسف جاب الشاليه دا منين؟
هتفت سندس بصدق:
والله يا ماما ما أعرف حاجة. فعﻻً معرفش هو عرف يدبره إزاي. بس ممكن كان متفق عليه من قبل كدة وكان مستني لما أنا وأنتي نخرج من المستشفى.
أجابتها بعدم اقتناع:
يمكن يا سندس كان متفق عليه، ولو أني أشك في الموضوع دا.
روحي شوفي اﻷكل على بال ما أخلص اللي في إيدي.
هتفت بطاعة وهي تخرج متجهة نحو المطبخ:
حاضر يا ست الكل.
سارت عدة خطواتٍ ثم رجعتهم ثانيةً وهي تهتف بتذكر:
صحيح يا ماما.
أنا كنت عايزة أروح الشركة أقدم استقالتي.
هتفت يمنى بجزعٍ وهي تلقي ما بيدها للمرة الثانية:
ليه؟ تقدمي استقالتك بعد ما كنتي هتبوسي إيدينا علشان نخليكي تشتغلي بعد اللي حصل؟
هتفت بإقناع:
أيوة يا ماما. ما هو بالمنطق أنا عمري ما هعرف أروح الشركة طول ما بابا محاصرني كدة. أخاف أصﻻً من تفكيره، والله أعلم إيه اللي بيدور في دماغه.
أيوة بس ما ينفعش تخرجي لواحدك دلوقتي. أنا نفسي عايزة أخرج أروح لمريم وأنتوا مانعينني.
هتفت بها برفضٍ قاطعٍ فهتفت اﻷخرى بحيرة:
طب أعمل إيه يا ماما؟ أنا كدة هبان قدام الناس إني مش ملتزمة ودا مش حقيقي وﻻ عمرها كانت طبيعتي.
هتفت يمنى بعد تفكيرٍ لثوانٍ:
ممكن تكلميهم في التليفون وتفهمي مديرك كل اللي حصل، وأتمنى إنه يقدر موقفك وما يقبلش استقالتك.
هتفت سندس بيأس:
ما أعتقدش يا ماما. كل واحد بيدور على مصلحته، وهو كان محتاج سكرتيرة ضروري، فأكيد هيستغنى عني بسهولة.
هتفت يمنى برضى:
ما تزعليش يا سندس. رب الخير ما بيجيبش إﻻ الخير.
ثم أردفت بدعاءٍ صادق:
واللي فيه الخير ربنا يكتبهولك يا حبيبتي يا رب أنتي ويوسف.
أمنت سندس على دعائها ثم هتفت بحزن:
هاروح أشوف اﻷكل يا ماما. عن إذنك.
....................
أنا يوسف المحامي بتاع اﻵنسة اللي جوة تسمح لي أشوفها. باباها عامل لي التوكيل دا اتفضل تقدر تضطلع عليه.
هتف بها يوسف برسمية للعسكري الذي يقف أمام غرفة مريم وعيناه مسلطتان على الباب يود اختراقه والوصول إلى قطعة فؤاده يطمئنها أنه معها ولو بالنظرات.
استفاق من شروده على هتاف العسكري الرسمي:
أيوة يا فندم تقدر تتفضل.
طرق الباب بخفةٍ ثم دفعه ينظر للوجه الشاحب الذي يقبع بالداخل.
وقف يتأملها قليلاً ثم فتحه على مصرعيها وتقدم نحو الداخل هاتفاً بصوته الحنون:
السﻻم عليكم.
ردت بوهنٍ:
وعليكم السﻻم.
ابتسم هاتفاً بدعابة:
واضح إن الدكتور بيشوف شغله على أكمل وجه. إحنة كنا فين وبقينا فين يا رومة. حمد لله على سﻻمتك يا حبيبتي.
أنا كنت هاموت من القلق عليكي اﻷيام اللي فاتت دي. ما كنتش بنام حرفياً. وﻻ كان ليا نفس ﻷي حاجة في الدنيا.
الدنيا كلها كانت باهتة في عيني وما كان لهاش أي معنى طول ما أنتي رافضة تتكلمي معايا.
ما تعمليش كدة تاني أرجوكي فيا. مش هستحمل كل مرة أشوفك بالضعف دا.
أجهشت في البكاء وهي تهتف بتقطع:
مش بإيدي يا يوسف. كنت هتجنن وأنا شايفة واحد حقير عايز يمس شعرة مني. وأنا اللي كنت بحافظ على نفسي علشان تبقى فرحان بيا لما نتجوز.
هتف بعشقٍ صادقٍ:
يا حبيبتي أنتي لا قدر الله لوكان حصل لك إيه كنت هتجوزك بردو. إحنة اتخلقنا لبعض يا مريم.
مين أصﻻً هيستحملني ويقف جانبي زيك؟
مين هيديني كل الحب اللي أنتي ادتهولي دا وما يبخلش عليا بحاجة أبداً؟
هتفت بيأس:
وأنت هتتجوز واحدة رد سجون وأنت المحامي اللي بيشتغل في مكتب من أكبر مكاتب المحاميين؟
أنا ما بحسبهاش كدة يا مريم.
أنتي خطيبتي وحبيبتي وهتبقي في المستقبل مراتي. أكيد مش هفرط في حلمي إني أتجوزك علشان حاجات عبيطة وهبلة زي دي.
رفعت عينيها أخيراً تواجه عينيه ليصيبها الذهول من منظرهما فهتفت بتوبيخ:
كل دا علشاني يا يوسف؟
ود لو قال لها ما أرق نومه طيلة اﻷيام الماضية وﻻزال إضافةً لما حدث لها، لكنه شعر أنه ليس الوقت المناسب لهذا الحديث. ربما لو كانا في ظروفٍ أخرى لكان حدثها عن كل ما يؤلم قلبه ويشغل تفكيره.
لكن. ربما الخير أن ﻻ يحكي لها عن كل ما يشغله.
قاطعت شروده بهتافها الفزع:
أنا هخرج من المستشفى قريب وهروح القسم يا يوسف. هتحبس زي المجرمين.
ارتعش صوتها في نهاية عبارتها فأشار لها بإصبعه على فمه عﻻمةً أن تصمت وهو يهتف بهدوء:
اهدي يا مريم. دا إجراء طبيعي جداً. وبعدين ماتخافيش. الظابط اللي قبض على الجناة أنا اتكلمت معاه وهو على استعداد إنه يشهد في المحكمة إنك قتلتيه الحيوان دا دفاعاً عن نفسك. كمان أنتي هيتحكم لك بالبراءة إن شاء الله من أول جلسة ما تقلقيش. إجراءات روتينية مش أكتر وبعدين يا عبيطة أنا مش هسيبك. وﻻ أنتي بقى كنتي بتكذبي عليا لما كنتي بتقولي لي أنا ما بتطمنش يا يوسف غير وأنت معايا؟
هتفت بسرعة:
ﻻ ﻻ والله حقيقي كل اللي كنت بقولهولك.
أنا بس التجربة راعباني.
هتف باطمئنان:
ﻻ ما تخافيش. سيبيها على الله وتوكلي عليه.
بكرة هتفتكري اﻷيام دي وهتعدي تضحكي عليها.
هتفت برجاء:
ياريت يا يوسف. نفسي أغمض عيني وأفتحها أﻻقي الكابوس دا انتهى.
رد بأمل:
هيخلص يا رومة. بس استعيني بالصبر.
لم يمهلها رنين هاتفه الصاخب اﻹجابة على ما قال.
دق قلبه بقوة وظهر التوتر على مﻻمحه عندما رأى الشاشة تضيء بالرقم المسجل لمعمل التحاليل.
هتفت باستغراب وهي تناظر تعابير وجهه المتغيرة:
يوسف مالك في إيه؟
ضغط زر الرد دون أن يجيبها وبدى انه لم يسمعها هاتفاً بارتعاش:
ألو.
هتف الرجل برسمية:
أستاذ يوسف عبد الله؟
أيوة أنا.
حاول جاهداً أن يخرج صوته طبيعياً لكنه خانه فخرج مرتجفاً متوتراً فسمع الرجل يهتف بنفس رسميته:
التحاليل انتهت والنتيجة ظهرت النهاردة.
طب ينفع أعرف هي إيه على بال ما آجي.
إيجابية يا فندم.
شهق بصدمة ومشاعر كثيرة تسيطر عليه.
لكن كل ما أراد أن يفعله أن يسجدَ شكراً لله أنه ﻻ ينتسب لهذا الرجل.
لمَ ﻻ ﻻ تكون سندس هي اﻷخرى ابنة عمرو دون أن يعرفَ هو؟ ﻻ بد أن يحللَ لها كي يتأكد.
ﻻ يعرف متى أنهى المكالمة وﻻ كيف أنهاها وكل ما فعله أنه وقف بتثاقلٍ هاتفاً بتوهان:
مريم. أنا هضطر أمشي بقى وهبقى آجي لك تاني ما تخافيش.
هتفت برجاء:
ماتسيبنيش يا يوسف. أنا ماليش غيرك.
هتف يطمئنها وهو يحاول التماسك:
ماتخافيش يا رومة. أنا مش هسيبك أبداً.
ثم استطرد بتذكر:
أنا عارف إنك زعلانة من ماما وسندس علشان مش بيجوا لك بس والله مش بإيديهم.
أنا عارف إنك ما كنتيش بتسيبيهم بس هما والله خرجوا من أيام قليلة وقاعدين في حتة تانية غير البيت. يعني أنتي عارفة عبد الله الهمام ممكن يعمل إيه.
هتفت بتقديرٍ مصطنع:
طبعاً يا يوسف ما تشيلش هم. عادي.
ثم أردفت في نفسها:
ما هي الناس بتبان وقت الشدة.
صدق اللي قال الناس معادن.
......................
بقسم الشرطة:
يجلس آدم على مكتبه ثم يطلب من العسكري فنجان قهوته اﻷثير ويطلب منه أيضا إحضار عمرو.
دخل عمرو وقد شحب وجهه كثيراً ثم هتف آدم بابتسامة ودود:
إزيك يا دكتور؟ اتفضل ارتاح.
جلس عمرو وهو يهتف:
الحمد لله.
أخرج بعض الدفاتر وهو يهتف بابتسامة:
أنت عارف بقى أنا ما بفلحش غير في الشرطة. ودلوقتي أنت هتراجع على كل دول وتكتب مﻻحظاتك عليهم.
هي شمس عرفت حاجة؟
هتف بها باستغرابٍ فهتف اﻵخر بغموضه المعتاد:
مش بالظبط. 
راجع أنت بس على كل حاجة ومعاك دفاتر العيادة كمان.
وأنا هراجع على كل دول إمتا؟
هتف بها وهو يشمل الدفاتر أمامه بنظراتٍ سريعة فهتف اﻻخر ببساطة:
دلوقتي. يلا ابدأ دلوقتي علشان تلحق وقتك.
طرقات على الباب أدت إلى أن يخفي آدم الدفاتر تحت مكتبه هاتفاً بهدوء:
ادخل.
دخل العسكري بهدوءٍ وهو يضع فنجان القهوة هاتفاً برسمية:
تمام يا فندم. تأمر بحاجة تانية؟
هتف آدم بتساؤل:
فين الساعي الجديد اللي اﻷستاذ أدهم شغله هنا؟
هتف العسكري بتذكر:
قصدك عبد الله. دا مشا من كام ساعة يا فندم.
وهي الدنيا سبهللة كدة يعني؟ أي حد ييجي ويمشي من غير مواعيد؟
هتف بها بعصبيةٍ ثم أضاف بحسم:
اسمع. أول ما ييجي يجيني على مكتبي.
فاهم؟ لو نسيت هخصم منك.
هتف العسكري بارتباك:
حاضر يا فندم.
خرج كما دخل ثم أخرج عمرو الدفاتر من تحت مكتبه يناولها لعمرو بينما سأله اﻵخر بشوق:
يوسف ما جاش؟
لا.
هتف بها بإشفاقٍ ثم استطرد بتبرير:
أكيد النتيجة ما كانتش لسة ظهرت. ممكن تظهر النهاردة بكرة بالكتير. بعده على أقصى تقدير. وأياً كانت النتيجة هو ﻻزم هييجي.
بس هو فيه شبه كبير منك يا دكتور. الظاهر مدام يمنى كانت بتحب حضرتك قوي علشان الواد يطلع شبهك كدة.
هتف بحزن:
لﻷسف هي حبتني أكتر ما أنا حبيتها بكتير.
ماتقولش كدة يا دكتور.
ما حدش عارف الخير فين. يمكن كل واحد فيكم يعرف قيمة التاني ويحبه أكتر بسبب سنين البعد دي.
تفتكر هي لسة فاكراني أصﻻً؟
الله أعلم. ما حدش ليه سلطة على القلوب غير رب القلوب.
طرقات خفيفة على الباب تبعها دخول العسكري بعد ما أذن له آدم بذلك هاتفاً برسمية:
مدام ليلى الجندي يا فندم جايبة لحضرتك التصريح دا وواقفة برة في انتظار زيارة للدكتور عمرو اﻷلفي.
هتف آدم برسمية:
تمام خليها تحصله على اﻷوضة اللي جانبي.
خرج العسكري بعد ما قم له التحية العسكرية مغلقاً الباب بينما تنهد عمرو بقلق:
دي أول زيارة ليلى تعملها لي بعد اللي حصل.
هتف آدم بابتسامة مطمئنة:
في إيه يا دكتور؟ أنت قلقان كدة ليه؟
اتطمن وما تشيلش الهم كدة. بسيطة إن شاء الله. هي جاية تدعمك وتقول لك إنها جانبك.
أكيد أهلي قالوا لها إني اعترفت لهم بكل حاجة زي ما هما ماشيين ينشروا دا في كل حتة، وأكيد الخبر في الجرايد سمع مع الناس.
هتف آدم وقد وصل له قلقه:
والله لو بتحبك عمرها ما هتصدق عنك الحاجات دي. وهتفضل واقفة معاك مهماً كل الناس وقفت ضدك.
توكل على الله واعرف إنك طول ما أنت على حق مافيش حاجة تهزك أبداً.
هتف بدعاء:
ربنا يستر.
هتف اﻵخر باطمئنان:
ما تتأخرش. أنا هستناك هنا علشان تكمل مراجعة الدفاتر.
هتف وهو يفتح الباب متجهاً نحو المجهول في عﻻقته بزوجته:
حاضر.
....................

رواية ولو بعد حين.، الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن