ولو بعد حين، الفصل الثامن بعد الثلاثين، الجزء الأول:
أنهى طعامه ثم نهض من مقعده وهو يهتف بتلذذ:
الحمد لله. فضل ونعمة من ربنا.
الأكل جميل قوي يا روما.
تسلم إيديكي وعينيكي.
ابتسمت له بسعادةٍ وهي تهتف:
حبيبي يا بابا. ربنا يبارك لي فيك وما يحرمنيش من رضاك عني أبداً.
ذهب نحو المرحاض يغسل يديه بينما جمعت هي الأطباق من المائدة ثم اتجهت نحو المطبخ القريب تعد لهما كوبين الشاي فسمعته يهتف بصوتٍ عالٍ كي يضمن وصوله لها:
ابقي هاتي لنا الشاي يا مريم في البليكونة.
عايزك في موضوع مهم.
ابتسمت له وهي تهتف بدعابة:
يا كتر مواضيعك يا سي بابا.
يا ترَ خير.
قررت تتجوز مثلاً؟
ضحك بشدةٍ على دعابتها لكنه ليس السبب الحقيقي.
إنما سعادته بوجودها في بيته بين ذراعيه هو ما أضحكه هكذا.
هو حتى الآن لم يصدق أنها عادت إليه، لكن جُلَ ما يقلقه الآن هو تغيرها الملحوظ نحو يوسف.
لا بد أن يتحدثَ معها في هذا الأمر بصراحةٍ كما اعتادا.
دخل إلى الشرفة وجلس يتأمل الرائح والغادي بعينين شاردتين حتى دخلت هي بصخبها المعهود وهي تضع أمامهما كوبين الشاي وبعض الفاكهة.
جلست في المقعد المقابل وهي تقطع له الفاكهة وتناولها له هاتفة باهتمام:
خير يا أشروف. كنت عايزني في إيه بقى؟
والله سبت المواعين علشان خاطرك.
وأنت عارف مريم بنتك حبيبتك.
ما بتحبش تسيب طبق مش نظيف في قلب الحوض.
رد عليها بابتسامته الحلوة هاتفاً بحكمة:
بكرة لما تتجوزي وتجيبي أولاد حلوين زيك كدة أشيلهم على ذراعي وأدلعهم زي ما كنت بعمل معاكي هتتشغلي عنهم وهتسيبيهم.
وكل واحدة بقى على حسب قدرتها هتقدر تعملهم إمتا.
شهقت برفضٍ وهي تهتف:
لا. لا. أسيب إيه بس؟
لا طبعاً مستحيل.
أومال أبوهم بيعمل إيه؟
يشيلهم لحد ما أخلص اللي في إيدي.
مش كل الناس يا مريم. زي يوسف.
هتف بها ببطءٍ وهو يضغط على حروف كلمة يوسف وعيناه تتابعان ملامحها التي حاولت هي الحفاظ على ثبات تعبيرات وجهها لكنها لم تستطع فظهر الضيق قليلاً على وجهها فأمسك أشرف طرف الخيط وهو يهتف بتساؤله الحاني:
مالك يا مريم؟
ما بقيتيش عاجباني اليومين دول؟
تصنعت الاستغراب وهي تجيبه بسؤال:
ليه يا بابا؟
ما أنا زي الفل أهو.
بضحك وبتكلم وباكل وبشرب ومافيش أي حاجة.
صحيح الموضوع اللي حصل وموضوع الحبس في القسم دا أثر عليا شوية لكني بفضل الله ثم بفضلك تخطيته والحمد لله.
هتفت بها بحزنٍ صادقٍ فهتف مصححاً:
لا. الموضوع دا ما يفرقش معاكي لأنك قوية. ولأني عمري ما هسيبك أبداً.
أنا ملاحظ إنك متضايقة قوي من يوسف اليومين دول.
كلامكم قل قوي وما بقاش زي الأول.
هتفت بسرعةٍ مدافعة:
لا والله يا بابا. حضرتك فاهم غلط.
يوسف بس اللي بقى مشغول بالمكتب عني.
بيقول لي قال إيه يا أخويا بجهز الشقة.
تنهد بضيقٍ لتذكره الأموال التي أهدرتها أمنية ولم تعدها بعد فهتف متجاهلاً ضيقه مؤقتاً:
بس دا مش السبب الحقيقي.
قلة الكلام دي من ناحيتك أنتي مش من ناحيته هو.
هو الشهادة لله ما بيقصرش في حاجة إلا لو في ظروف خارجة عن إرادته.
بدى الضيق والارتباك أكثر على صفحة وجهها وهي تجيبه بكلامٍ غير مرتبٍ:
طيب. والظروف اليومين دول مش مساعداه.
عنده قضايا كتير والكلام دا يعني يا بابا.
أنت فاهم بقى المحاميين وعارف شغلهم الكتير اللي ما بيخلصش.
هتف أشرف بحزنٍ وهو يفرد ذراعه على كتفيها:
عارف يا مريم. بس اللي مغيرك على يوسف ومخليكي ما بتتكلميش معاه زي قبل اللي حصل اللي اكتشفتيه وعرفتيه في الفترة الأخيرة. مش كدة. أنتي ما كنتيش عايزة واحد زي الدكتور عمرو يكون حماكي في يوم من الأيام. مظبوط؟
ولا بابا بقى ما عادش بيعرف يفهم بنته حبيبته بتفكر في إيه؟
ابتسمت له وهي تهتف بسرعة:
لا. مين قال كدة بس يا بابا؟
أنت أغلى عندي من أي حاجة.
وطبعاً بتفهمني خالص أكتر من أي حد في الدنيا حتى يوسف.
وفعلاً معاك حق.
أنا ما توقعتش إن الرجل اللي صوره مالية الجرايد والناس بتقول إنها حقيقية ودلوقتي خد حكم إعدام ممكن ولادي يرتبطوا باسمه طول العمر.
تقدر تقول لي هقول لأولادي إيه؟
جدهم مات إزاي؟
وليه خد حكم إعدام بعد ما كان أشهر دكتور مخ وأعصاب؟
ليه سمعته باظت بعد ما كان كل الناس بتحلف بيه وبأخلاقه؟
دا أنا كنت متضايقة علشان هو أبو حور صاحبتي يقوم يطلع أبو خطيبي وجوزي وأبو ولادي في المستقبل.
بدى على وجه أشرف عدم الاقتناع من منطقها وهو يهتف بدفاع مع الحفاظ على لين نبرته:
أيوة يا حبيبتي بس إحنة اللي يهمنا يوسف وأخلاقه.
ودا بقى لا غبار عليه خالص.
يكفي إننا عارفينه بقى له سنين.
وموضوع باباه دا هو ما لوش أي ذنب فيه.
ما حدش بيختار أهله يا مريم.
يا بابا مش دي المشكلة.
المشكلة إن يوسف ما بيفكرش تماماً إنه يتبرأ منه أو يعتبره مش باباه.
وتحس كدة إنه مصدق إن عمرو بريء وما يعملهاش.
دا لو كان اتبرأ منه كان هينزل من نظري.
لازم طبعاً يدافع عنه لآخر نفس علشان هو أصيل والًي ربته ست عظيمة.
هتف بها أشرف بفخرٍ فردت بحزن:
يا بابا ما هي المشكلة إن طنت يمنى نفسها مصدقة إن الدكتور مش ممكن يقتل وبتدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة وبتغذي الموضوع دا أكيد في دماغ يوسف.
تنهد أشرف بضيقٍ من ديق تفكير ابنته ثم هتف بتردد:
بصي يا مريم. أنا مش هلاقي لك حد أحسن من يوسف في أخلاقه. لو على اللي معاهم فلوس فهما كتير بس أنا ما أعرفهمش. وممكن لو سبتي يوسف ييجي لك بدا له ألف. بس أنا ما أضمنهم لكش وما أعرفهمش.
فكري كويس يا حبيبة بابكي ولو عايزة تسيبيه من دلوقتي مافيش مانع. أحسن ما تتجوزوا وبعدين توجعيه بكلمة من كلامك العبيط دا طالما مانتيش قادرة تتجاوزي عن الموضوع دا.
وهو غصب عنه بيحب باباه حتى لو كان فيه كل العبر. فمش هينفع بعد الجواز ولا حتى من دلوقتي تتكلمي في الموضوع دا تماماً.
ابتسمت له مريم وهي تهتف بعد تفكير بسيط:
عموماً يا بابا أنا لسة ما خسرتش حاجة.
أنا هشوف نفسي كام يوم ولو ما قدرتش أكمل أكيد هقول لحضرتك.
أتمنى ربنا يهدي قلبك يا مريم ويختار الصواب. وما يفرطش في حب يوسف الصادق اللي جواه وجواكي.
هتف بها أشرف برجاءٍ فهتفت مريم مغيرةً دفة الحديث بمرح:
مواضيعك باقت معقدة يا أشروف وعميقة كدة ليه؟
رد عليها بحزنٍ غامض:
هو أنتي لسة شوفتي تعقيدات؟
انتابها القلق وهي تهتف بتساؤل:
هو في حاجة تاني عن ماما؟
تنهد بضيقٍ وهو يجيبها:
لا مافيش لا تاني ولا تالت.
ماما هي ماما ومش هتتغير. قال إيه عند أمها العيانة.
بس سيبك مش دا المهم.
طوحي علشان ما تتعبيش.
وهو في إيه أهم من ماما وصحتها يا بابا؟
أنا حاسة إنها باقت تعبانة قوي اليومين دول وما باقتش مركزة خالص.
ابتسم لها أشرف بلا مبالاةٍ مصطنعةٍ وهو يجيبها:
هي دي طبيعتها يا مريم على طول. ما تدقيش أنتي بس وخلينا في الأهم.
اللي هو أنتي يا عبيطة.
خير يا بابا. هو إحنة لسة ما بحثناش نقطة معينة في موضوع يوسف؟
هتفت بها باستغرابٍ فأجابها بنفس غموضه:
آه هي حاجة ليها علاقة بيوسف. بس هي العلاقة أكثر بجوازك يعني.
ما له جوازي يا بابا؟
هتفت بها بقلقٍ فأجابها بحزن:
الجمعية اللي كنت عاملها لك في الشركة قبضتها من قريب بس أمك خدت الفلوس معرفش عملت بيها إيه ولسة ما رجعتهمش زي ما قالت.
ظهر الإحباط على ملامحها وهي تهتف بصوتٍ مختنق:
وبعدين يا بابا؟ هنعمل إيه؟
دا إحنة كنا مستنيين المبلغ دا علشان أكمل الناقص من جهازي بيه خلينا نتجوز بقى.
إحنة بقى لنا كتير قوي مخطوبين أنا ويوسف. لا هو بيخلص ولا أنا بخلص. وأكيد هياخد فلوس من باباه وهيخلص قبلي وهيبدأ الزن بقى على دماغي ويقعد يستعجلني.
ابتسم لها أشرف مطمئناً وهو يربت على كتفها هاتفاً بثقة:
ما تقلقيش.
أنا مطمن جداً من ناحية يوسف وعارف إنه هيقدر الظروف.
يوسف أصيل يا مريم.
خليكي فاكرة الجملة دي كويس.
ومش كل اللي هتشوفيهم عندهم أصل زيه.
دول بيبقوا مستخبيين بين الخبثاء والمكارين.
اللي بيبانوا على طبيعتهم أول ما بيوصلوا لكل اللي هما عايزينه.
هتف بها بفخرٍ ثم أضاف بحياء:
أنا ما كنتش ممكن أتصور إني أتحط في الموقف دا في يوم من الأيام ولا أطلب منك تشتغلي أبداً.
بس ما باليد حيلة.
العين بصيرة والإيد قصيرة. هنعمل إيه؟
لازم تشتغلي يا مريم وبمرتب كويس علشان نقدر نخلص جهازك بسرعة.
لم يخيم الحزن على قلبها من ناحية والدتها كما اليوم فهتفت بقلة حيلة:
حاضر يا بابا هنزل من بكرة إن شاء الله أدور على شغل. وإن شاء الله ألاقي شغل بمرتب كويس.
هتف أشرف مشفقاً بعد تفكير:
ممكن يا حبيبتي تبقي تخلي يوسف يشوف لك شغل قبل ما تتعبي نفسك وتدوري.
ردت باعتراض:
لا طبعاً يا بابا. مش هقول له أنا إن ماما خدت الفلوس وما رضيتش تجيبها.
هم بمجادلتها لكن رنين جرس الباب أرغمه على الصمت فهتف:
ممكن تبقى مامتك. افتحي لها. هي ساعات بتنسى المفتاح.
نهضت من مقعدها بتثاقلٍ وهي تحمل كوبين الشاي.
حاضر يا اللي عا الباب. جاية على طول.
هتفت بها بصوتٍ عالٍ وهي تضع الكوبين بجوار الصحون الغير نظيفة عازمةً على تنظيفهم بعد فتح الباب ثم اتجهت سريعاً تفتح الباب لتتهللَ أساريرها لمرآ ندى.
ابتسمت ندى بحبورٍ وهي تدخل هاتفةً بحيائها الفطري:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ردت مريم بسعادةٍ وهي تصافحها:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا حبيبتي. نورتي يا ندوش. مش عارفة زيارتكدي مفرحاني قد إيه.
هتفت ندى بابتسامةٍ مماثلة:
أنا قلت لنفسي بقى آجي ونرجع الأيام الخوالي ونتلم في أوضتك ونقعد نذاكر مع بعض زي زمان.
هتفت مريم بقلق:
ولسة بردو حور ما بتردش عليكي؟
تنهدت ندى بضيق وهي تردف بنفس قلقها:
لا لسة. مش عارفة إيه اللي حصل لها. مع إني بحاول والله ومش ساكتة.
هتفت مريم بعد تفكيرٍ وهي تسحبها من يدها برفقٍ نحو غرفتها:
ابقي روحي زوريها.
ظهر الاستغراب على ملامح ندى وهي تهتف بتساؤل:
وأنتي مش هتيجي معايا؟
هزت رأسها نفياً بحزنٍ وهي تهتف موضحة:
المفروض إني أتعامل معاها دلوقتي على إنها أخت خطيبي وأواسيها في مصابها وأنا مش هقدر أعمل دا في الوقت الحالي كفاية اللي أنا فيه يا ندى.
ظهر الاهتمام على ملامح ندى وهي تسألها:
ليه يا روما؟
مالك في إيه؟
نهضت من مقعدها تهتف بمرح مصطنع:
مش أسألك الأول تشربي إيه؟
أجلستها ندى على المقعد ثانيةً وهي تهتف بنفس اهتمامها:
هو أنا غريبة يا مريم؟
أنا صاحبة بيت يا بنتي.
دلوقتي هنقوم سوى نحضر حاجة ناكلها ونشربها يا ستي. بس مش قبل ما تقولي لي مالك في إيه؟
صوتك حزين ليه وتحسي إنك شايلة الهم.
بكت مريم أخيراً وهي تهتف:
مش عارفة أخلص جهازي يا ندى.
ماما استلفت الفلوس من بابا علشان عملية تيتة ولسة مش هتجيبهم دلوقتي. وكدة جوازي من يوسف هيتأخر. وأنا المفروض أشتغل جنب الكلية علشان أعرف أوفر فلوس جهازي خلينا نتجوز بقى.
ابتسمت ندى وهي تضمها إلى صدرها بحنانٍ تربت على ظهرها وهي تردف ببساطة:
ما تقلقيش يا روما. طلبك عندي. معاذ أخويا بيفتح مستشفى وأكيد ما وفرش فيها كل الوظايف وأكيد هيبقى في أكثر من وظيفة خالية.
وأنتي طبعاً هتبقي جاية واسطة وصاحبتي وهخليه كمان يعلي لك المرتب خالص.
ما تزعليش. أنا ليا دلال على معاذ وهو مش هيكسفني ومش هيرفض لي طلب.
بجد يا ندى؟
هتفت بها بفرحةٍ وهي تسرع نحو الخارج هاتفة بسرعة:
هفرح بابا وهاجي لك.
ابتسمت ندى لسعادتها وهي تهتف بتقدير:
عادي يا حبيبتي براحتك. تقدري تروحي على بال ما أكلمه وأحدد معاه ميعاد للمقابلة.
....................
تناولت قهوتها بهدوءٍ دون أن تنبس ببنتشفةٍ ثم سألتهما بهدوء:
كويس. أنتوا بقى عايزين مني إيه بالظبط؟
عايزينك تسيبي المستشفى دي خالص. وإحنة هنديرها بمعرفتنا. ومالكيش دعوة بأي حاجة تحصل.
أو. تديريها أنتي بس على مزاجنا.
هتف بها أحمد بقسوةٍ فأكملت هنية مهددة:
وإلا.
قاطعتها ماسة بهدوئها المستفز:
قلت لك أنا ما بتهددش. أنا أبويا ظابط شرطة.
يعني بتليفون صغير كدة مني ييجي ويرميكم أنتوا الاثنين في الحجز.
وأنا لاحظت إنكم كبار وعضمكم بقى ضعيف يا حرام.
هتفت بها بإشفاقٍ ثم أصدرت صوتاً من شفتيها لكنها كست ملامحها بالجدية عندما سمعت طرقات الباب.
وضعت قهوتها على المنضدة أمامها وهي تهتف بابتسامة:
ادخل.
دخل آدم بهيبته المعهودة ووقاره المعروف عنه وهو يلقي التحية، فهبت واقفة من كرسيها تهتف بترحاب:
أهلاً وسهلاً يا سيادة العقيد. نورت الدنيا.
ودا مين دا بقى كمان؟
هتفت بها هنية بضيقٍ ثم أضافت:
هي حصلت يا دكتورة يا محترمة؟
تقابلي غرامياتك في مستشفى مشهور زي مستشفى دكتور عمرو الألفي؟
التفت آدم لها بعينين متقدتين وهو يهتف رافعاً فوهة سلاحه أمامها:
ما أسمح لكيش. لا تتهمي الدكتورة ماسة في شرفها ولا تتهميني أنا بما ليس في.
دي أول حاجة.
وتاني حاجة إيه بقى يا حضرة الظابط؟
هتف بها أحمد باستهزاءٍ ثم أضاف:
وإيه اللي جايبك مستشفى ابني؟
هتف آدم ببرود:
هو الحقيقة أنا اللي المفروض أسألكم السؤال دا.
إيه اللي جايبكم مستشفتي أنا مش مستشفى ابنكم؟
العنوان غلط يا أحمد بيه؟
ولا أنتوا ما عندكوش علم إن ابنكم اتنازل لي عن كل حاجة بيع وشرا؟
صرخت هنية بعصبية:
يعني إيه؟
دا هراء.
ضحكة قصيرة هادئة هي كل ما تلقته ثم عقبها صمتٌ قصيرٌ ليضيف بعدها بصوتٍ منخفض:
لا خلي بالك دا مكان محترم. وأنا ما أحبش تحصل فيه شوشرة.
أنا المستشفى دي اشتريتها واقفة على رجليها ومش هسمح إن أي حاجة تبوظ سمعتها. مشاكلكم دي صفوها مع ابنكم بعيد عني.
أنا العقود اللي معايا سليمة والورق كله مظبوط. فما أنصحكوش تروحوا المحاكم لأنكم مش هتستفيدوا حاجة وهيتحكم لي من أول جلسة.
لا ومعطلينني عن شغلي خالص يا سيادة العقيد.
ومش كدة وبس.
دول مش عارفين إن أبويا هو اللواء عبد الرحمن العشري.
بيهددوني في مكان أكل عيشي.
شوفت ال.
مش عايزة أقول بقى لأن لساني مش غلاط.
ابتسم لها آدم ولمسكنتها التي كانت تتحدث بها ثم أضافت بقوة:
والله ما هسكت لكم وهقدم ضدكم محضر بعدم التعرض علشان تعرفوا أنتوا بتتعاملوا مع مين.
هتفت هنية بعصبية:
أنا والله اللي ما هسكت لكم.
وهتشوفوا هعمل فيكم إيه.
وأنت يا حضرة الظابط.
خاف على نفسك وعلى عيلتك كويس قوي وحرص عليهم لأنهم بقوا في خطر طالما مش عايز تتعاون معانا.
هو أنتوا طلبتوا التعاون وأنا ما اتعاونتش؟
سيطر القلق على ملامح ماسة من هتاف آدم الغامض فتنحنحت بصوتٍ عالٍ تنبهه بينما هتفت هنية بابتسامة:
يعني إيه يا سيادة العقيد؟
عندك استعداد تبيع لنا المستشفى؟
هو أنا دافع في المستشفى دي مبلغ كبير. فهاخد فيها مش أقل من 10 مليار جنيه. قلتوا إيه بقى؟
شهق أحمد وهنية بصدمةٍ من المبلغ فانفرجت شفتا الأول يجادله ويحاول التفاوض معه في تخفيض المبلغ لكنه أطبقهما ثانيةً بسبب هتاف آدم الحاسم:
مش هنزل ولا ربع جنيه. تشتروا بقى ولا بين البايع والشاري يفتح الله وتؤثروا السلامة وتمشوا بدل ما أطلب لكم الأمن لأنكم معطلين سير العمل في المستشفى؟
أدركت هنية الحيلة -أخيراً- فسحبت أحمد من يده برفقٍ وهي تهتف مهددةً والشرر يتطاير من عينيها:
أنا عارفة إن دا مبلغ تعجيزي يا حضرة الظابط علشان ما تبيعش.
بس والله والله والله ما هسكت لك وهتشوف أنا هعمل فيك إيه وبكرة نشوف مين اللي هيضحك في الآخر.
ابتسم لها ببرودٍ وهو يجيبها بتحدٍ عارمٍ محافظاً على ثبات نظراته وحدتها:
هاتي آخر ما عندك.
....................
أنت تقرأ
رواية ولو بعد حين.، الجزء الأول
Romansaقالوا عنها خائنة فصدقهم وكذبها. حاول أن ينسى فظلم. حاولت أن تعيش فماتت. لم يعرف أنها تمتلك جزءً منه. ولم تعرف أنها ﻻزالت تمتلك قلبه إلى الآن. فهل سيتجدد اللقاء بينهما يوماً ما؟ هل سيعرف الحقيقة؟ وهل بعدما أصبح لكلٍ منهما طريقاً ستلتقي الطرق؟...