ولو بعد حين، الفصل السابع بعد الثلاثين:
تعالت دقات القلوب حتى وصلى صخبها إلى عنان السماء.
ارتعشت الأقدام الواقفة في أقفاص الاتهام.
ارتفعت الأيادي ولهجت الأسنة بذكر الله والدعاء.
ظهر التوتر على الوجوه وكان البعض يمسحون العرق النابت عليها بأطراف ملابسهم ومنهم من يمسحه بكفيه.
بينما كان الوجه الوحيد المبتسم الذي يجلس في الزاوية بعيداً يعطي الأمل لكل الحضور.
كلما نظر إلى حالة من يقفون أمامه الآن يتفكر في يوم القيامة وكيف سيكون جميع الخلائق.
ما بالنا متوترين من حكم شخصٍ في الدنيا؟ ونسينا يوماً سنقففيه بين يد أعدل العادلين وأرحم الراحمين.
انتبهت الآذان وتسلطت الأعين على شخصٍ واحدٍ يدخل بهيبته إلى قاعة المحكمة.
يجلس بوقارٍ ثم يأمر الواقفين بالجلوس بعد ما وقفوا لتحيته.
بينما بدأت مراسم المحاكمات وبدأت معها هطول الدموع من الأعين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
فُتِحَتْ الجلسة.
القضية الأولى. والمتهمة فيها مريم أشرف جاد.
ارتعشت قدماها أكثر وتمسكت بالقضبان الحديدية كما لو كانت ستحميها من بطش أحدهم.
تسلطت عيناها على أبيها الذي لم يكن حاله أفضل منها تماماً.
ثم اتجهت بنظرها نحو والدتها التي يبدو أنها غائبة عن الوعي. بل غائبة عما يحدث حولها. بالكاد تعي منه شيئاً.
مالها؟
ما هذا التغيير الكبير الذي أصابها؟
لم تكن هكذا وهي تتركها.
لكن منذ متى وهي تعرفها؟
أمنية لم تكن لها أماً قط. ولن تكون.
منذ زمنٍ بعيدٍ اكتفت بأشرف ويوسف التي كانت تتمنى أن يكونَ بجوارها في هذه اللحظات العصيبة.
لكن لا ضير.
لقد تأكدت من أكرم علي بالأمس أنه فعلاً في المشفى إثر إنقاذه لندى.
ستذهب له بعد خروجها من هنا إن خرجت. لا بد أن تكونَ بجواره، فهو لم يقدم لها سوى كل خير.
اتجهت بنظرها بعد ذلك لتلك الأصابع الصغيرة التي تشير نحوها بتحفيز لتتفاجأ بوجه ندى الصبوح وابتسامته المهتزة لكنها تعطيها أملاً في القادم.
استمرت ندى في إشاراتها المحفزة والداعمة لها في آنٍ واحد.
لتراها تحرك شفتيها بما يشبه التسليم كما كانتا تفعلان عندما تأتي إحداهن متأخرة عن المحاضرة.
لكن توقف كل شيءٍ عند النقطة الفاصلة. عندما التقطت الآذان هتاف القاضي العملي والوقور:
بعد الاضطلاع على الأدلة والمستندات، والاستماع لشهادة الشهود، ومرافعات النيابة والدفاع، والمداولات القانونية، حكمت المحكمة حضورياً ببراءة المتهمة مريم أشرف جاد عبد الحفيظ من التهمة المنسوبة إليها.
بينما حكمت.
قاطع الهدوء في الجلسة صرخات ندى وقفزاتها السعيدة والمهللة وقد بللت دموعها حجابها وفعلت مريم بالمثل بينما خر أشرف ساجداً لله شكراً وبللت دموعه الأرض.
طرقات الرجل أسكتتهم قليلاً ثم أضاف بنفس جديته المصحوبة بوقاره:
بينما حكمت المحكمة حضورياً على كلٍ من المتهم أنس عبده عبادة وفتحي عبد المقصود معتصم الشهير ببرشامة بالسجن خمس سنواتٍ مع الشغل والنفاذ.
هكذا هي الحياة. مليئة بالتناقدات. فعلى جانبٍ تنطلقت الصرخات السعيدة وعلى الجانب الآخر تنطلق الصرخات الحزينة والمكلومة على ضياعٍ سنين لن تعود بين جدران السجون وخلف قضبانه الصدئة.
تزايدت سعادة مريم وندى أكثر بعد صدور الحكم العادل في حق أنس وبرشامة وعمت الفوضى في القاعة بعد الكلمة الشهيرة:
"رُفِعَتْ الجلسة".
اتجهت ندى وأشرف ومن خلفهما أمنية تسير بخطواتٍ حثيثة تائهة نحو قفص الاتهام لكن سبقهم جميعاً أكرم وقد تهللت أساريره وهو يهتف بسعادةٍ جلية:
مبارك يا آنسة مريم.
أنا كنت متطمن جداً بس أنتي قلوقة خالص.
ابتسمت له بسعادةٍ لم تعرف لها مثيل سوى يوم خطبتها ليوسف وهي تجيبه بامتنان:
شكراً يا أستاذ أكرم. ربنا يبارك لك يا رب. شكراً على تعبك معايا من أول ما جيت هنا.
بينما فتح أشرف ذراعيه في وضع الاحتضان وكأنه يضمها من خلف القضبان وهو يهتف بصوتٍ تخنقه دموعه:
مبارك يا حبيبة بابا. الحمد لله إنك هترجعي تنوري بيتنا تاني.
بكت لبكائه وهي تهتف بفرحة:
الله يبارك فيك يا بابا. مش عارفة كنت هعمل إيه من غيرك. لولا وجودك جانبي ودعمك ليا أنا كان فاتي مت من زمان قوي.
هتفت أمنية بنبرتها الساخرة:
ليه يا أختي؟
ما أنتي كنتي قاعدة آكلة شاربة ولا شايلة هم.
ردت مريم بضيق:
هي دي مبروك يا مريم يا ماما؟ هو دا استقبالك ليا بعد غياب طويل ولا عمرك حتى فكرتي تيجي لي زيارة مع بابا ولو مرة واحدة؟
ردت أمنية بسخريةٍ أشد ولم تعد تقوى على الوقوف أكثر من ذلك:
أنتي عايزاني أقول لك مبروك. هي دي يعني اللي هتفرق معاكي يا ست مريم هانم؟
مبروك يا ستي.
ارتحتي كدة.
بس أقول لك مبروك على إيه؟
على العار اللي جبتيه لنا والفضايح اللي عملتيها لنا في الحتة؟
لم يستطع أشرف رؤية الكسرة في عيني ابنته قطعة من قلبه فرفع يده يصفعها على وجهها موبخاً لكن أكرم كان الأسرع فأمسك ذراعه بقوةٍ وهو يهتف بتوترٍ وقد اتجهت الأعين الفضولية نحوهم بسهب أصواتهم العالية:
في إيه يا جماعة؟ أنتوا في المحكمة وفي مكان محترم والقاضي لو سمعكم هيحبسكم أنتوا الاثنيني. اهدوا كدة لحد ما نخرج برة واتخانقوا في بيتكم براحتكم.
بينما اتجه كاتب المحكمة نحوهم وهو ينادي بصوتٍ جهوري:
أستاذ أكرم. معلش تعالى حضرتك دقيقة واحدة بس.
ابتسم أكرم له بودٍ وهو يترك ذراع أشرف الذي تراخا بجواره بقلة حيلة بينما اتجهت أمنية نحو الخارج ثم هتفت مريم بمواساة:
إيه يا بابا ما تزعلش.
ثم أضاف أكرم بودٍ وهو يتجه نحو الرجل:
استنوا يا جماعة إوعى حد يتحرك.
لسة هننهي بقيت الإجراءات وبعدين هوصلكم في المكان اللي أنتوا عايزينه علشان الآنسة مريم ترتاح. ولو عايز تروح يا أستاذ أشرف وأنا هجيبها لك لحد عندك مافيش مشكلة. علشان ما تتعطلش لأن الإجراءات بتطول.
هتف أشرف برفضٍ وعلامات الضيق تبدو على وجهه:
لا. مش هتحرك خطوة واحدة من غير بنتي.
ابتسم له أكرم وهو يبتعد عنهم هاتفاً:
على راحتك.
بينما أضافت ندى بسعادة:
أنا مبسوطة قوي يا مريم.
كبوس وانتهى الحمد لله.
ثم ابتسمت لها بإشراق وهي تهتف:
عموماً أنا عايزاكي تطمني خالص.
المنهج هنلمه بإذن الله وهذاكر لك كل اللي أنتي مش فاهماه.
أنا كتبت لك كل المحاضرات يا حبيبتي.
بحثت مريم بعينيها سريعاً عن شخصٍ ما وهي ترد بامتنان:
ميرسي يا ندى. أنا عارفة يا حبيبتي إنك ما كنتيش هتسيبيني.
ثم أضافت بتساؤل:
أومال فين حور؟
أنتي ما قلت لهاش إن الحكم في القضية النهاردة؟
لا هي المفروض كانت عارفة. بس قلت جايز نست. فرنيت عليها كتير قوي قوي بس هي ما بتردش.
هتفت بها ندى باستغرابٍ مشوبٍ بالقلق ثم أضافت بدعاء:
ربنا يطمننا عليها. شوية كدة وهرجع أرن عليها تاني إن شاء الله.
بينما هتف الرجل على بعد بضع خطواتٍ منهم:
أنتوا هتحضروا جلسة بكرة إن شاء الله.
ميعادها هيكون.
قاطعه أكرم باستغراب:
جلسة مين يا ابني؟
أنا ما عنديش قضايا تخص مكتبي هنا لحد نهاية الإسبوع دا.
بينما أجابه الكاتب باستغرابٍ أكثر ولم يعد يعي شيئاً وهو ينظر في الورقة التي يمسكها في يده:
لا إزاي بقى يا أستاذ أكرم؟
أنت هتشككني في نفسي ولا إيه؟
لا طبعاً ليكم جلسة بكرة هتكون الساعة عشرة بالأمارة.
يا ابني بقول لك أنا ما ليش قضايا هنا لحد.
هتف بها بنفاد صبرٍ فقاطعه الرجل بنفاد صبرٍ مماثل:
قضية الدكتور الشهير عمرو الألفي.
اتجهت الأنظار حولهما إثر شهقة أكرم المصدومة وهو يهتف بذهول:
بتقول مين؟
وإزاي؟
أنا مش فاهم حاجة.
إزاي ما يبقاش عندي علم باللي حصل؟
هتف الرجل بعدم معرفة:
معرفش حاجة يا فندم.
هي هتبقى جلسة نطق بالحكم تقريباً مش عارف.
بتقول إيه؟
وسماع الشهود والمرافعات؟
أنا هشتكي القاضي بتاعكم دا. وهوديه في داهية.
فهتف الكاتب بأسف:
للأسف يا أستاذ أكرم. القاضي دا آخر يوم ليه النهاردة وهيطلع معاش وهييجي ماكنه بكرة واحد تاني جديد.
..................
هو أنت عندك أولاد يا دكتور عمرو غير الآنسة حور؟
كان هذا سؤال شمس المصدوم فوكزها معاذ في كتفها بقوةٍ هاتفاً بهمس:
وأنتي مالك أنتي؟
مالناش دعوة.
يلا نشوف ورانا إيه علشان نخلص ونمشي من هنا.
بينما صرخت ليلى كالمجنونة:
الأستاذ المحترم كان بيخونني.
اتجوز الهانم بعدي وخلف منها.
الهانم اللي المفروض متجوزة.
ما أسمح لكيش.
هتفت بها يمنى بصراخٍ مماثلٍ ثم أضافت وهي تتجه نحوها بسرعة:
الدكتور دا قبل ما يتجوزك كان متجوزني أنا.
أنتي حتى لو حسبتيها هتلاقي إن حور بنتك عندها 20 سنة وماشية في الواحد وعشرين.
ولو انتبهتي كان يوسف هيبقى أصغر من كدة لو كان الدكتور خانك معايا زي ما بتقولي وعمره ما كان هيقدر يدافع عنه لأنه ما كانش هيبقى اتخرج من الكلية لسة.
بهتت ليلى بعد هتاف يمنى المنطقي فقلبت الطاولة فوق رأسيهما ثانيةً وهي تهتف موجهةً بصرها نحو عمرو:
وإزاي تسمح لنفسك إنك تتجوز حتة خدامة لا راحت ولا جت قبل ليلى هانم الجندي؟
إزاي بتقارن دي بدي أصلاً؟
هتف عمرو بحمائية:
هي لو على المقارنة فيمنى تكسب كل شيء.
على الأقل مافيش فيها الغرور اللي عندك.
ردت ليلى بوقاحةٍ وهي ترمق الأخرى من رأسها لأخمص قدميها:
وهي هتتغر على إيه يا حسرة؟
دي لا مال ولا جمال حتى.
الجمال جمال الروح اللي أنتي مفتقداه. وما ظنيش هيبقى عندك في يوم.
هتف بها عمرو بعصبيةٍ ثم أضاف بحسم:
أنتي عايزة إيه يا ليلى دلوقتي؟
علشان الموضوع بوخ.
هتفت بحسمٍ:
عايزة أتطلق.
وأنا مش هطلق.
هتف بها بعنادٍ ثم أردف:
هو أنا لعبة في إيدك؟
مرة موافقة نتطلق ومرة موافقة نرجع؟
ردت هي بحزن شديد:
لا يا حبيبي. أنت اللي حسيت إن كرامتك اتجرحت وحسيت إنك عايز تكمل معايا علشان القضية ما تزدادش سوء أكتر من كدة.
ما هو طبعاً لما أسيبك يبقى أنا بثبت التهمة عليك أكتر ما هي مثبوتة.
تنهد بضيقٍ بينما هتف آدم بهدوء:
ليلى هانم. ممكن تهدي شوية.
المواضيع دي ما تتحلش كدة.
ويا ترَ بقى يا يمنى هانم دفعتي حساب المستشفى ولا إيه؟
لم يمهلها عمرو فرصة للرد على سؤال ليلى الوقح فرد هو بعصبية:
وتدفع ليه ويوسف ليه في مالي زي حور ويمكن أكثر منها كمان؟
بنتي كانت جاية يا ليلى. هي فين؟
هتف بها بصرامته المعهودة فهتفت ببرود:
طلاقي قصاد بنتك يا دكتور.
والله ما هتشوفها ولا هتلمح طرفها غير لما تطلقني.
وأظن إنك لو رفعت قضايا بمساعدة أخوها المحامي دا مش هتكسبها لأني أنا هتبقى حجتي أقوى.
على الأقل أنا ما عنديش شبهة جنائية وهيتحكم عليا فيها بالإعدام.
لم تتمالك يمنى نفسها وهي تهتف باستنكار:
أنتي إيه يا شيخة؟
دا بدل ما تقفي مع جوزك بتعايريه قدام الناس؟
دا أبو بنتك في النهاية لو مش واخدة بالك يعني.
هتفت ليلى بغرور:
مالكيش دعوة أنتي. لما الكبار يتكلموا أنتي ما تتكلميش وما تتدخليش.
ولا أنتي بقى بترسمي وعايزة تخدي الدكتور؟
هتف يوسف بحمائية:
ولا بترسم ولا ما بترسمش.
إحنة أصلاً ماشيين وسايبينها لك. أمي مش هتقعد في مكان بتتهان فيه.
أوقفه عمرو بإشارةٍ من يده وهو يهتف:
ما حدش هنا صاحب مكان.
أنت ناسي إني اتنازلت عن كل حاجة ولا إيه يا يوسف؟
إحنة كلنا المفروض نمشي.
والهانم المفروض بردو تعرف إنها باقت قاعدة في بيت ماهوش بتاعي ولا بتاعها.
طبعاً. ما أنت بتحب الفلوس ومش عايز تستغنا عنها ولا تدي منها لأهلك حاجة.
تقوم تعمل إيه؟
تحرمنا منها.
بس أنا عايزة كل حقوقي يا دكتور.
وإلا والله ما هتشوف البنت وهسفرها البلد وهجوزها ولا عدت هتعرف لها طريق جرة.
أنا قلت اللي عندي وأنت حر.
وياريت يبقى طلاق دائم.
لما ورقة طلاقي بقى توصل لي هبقى أوريك وش بنتك.
بس ما تعتمدش على صبري كتير.
علشان أنا بفقده بسرعة.
وبنتك قاب قوسين أو أدنى من السفر عند أهلك.
في هذه الأثناء وصلت مريم بصحبة أشرف وأكرم ليجدوا أن الجو متوتر فهتف أكرم بابتسامة:
السلام عليكم.
دا كل الحبايب هنا متجمعين أهو.
إزيك يا ليلى هانم؟
إيه اللي جاب القلعة جنب البحر؟
أشارت ليلى نحو عمرو هاتفة بعصبية وهي تمر من بين الحضور نحو باب الخروج:
ابقى اسأل الدكتور.
ما هو الدكتور في السجن هسأله إزاي؟
وبعدين كفاية اللي عنده.
ضحكت ليلى بعصبيةٍ وهي تجيبه:
لا. الدكتور مش في السجن. مش شايفه إزاي؟
ما أنا بشاور لك عليه أهو.
وبعدين هيكون عنده إيه؟
جاب ولاد تانيين غير يوسف مثلاً؟
ربط أكرم سريعاً الأحداث ببعضها منذ بداية مشاجرة يوسف مع عبد الله ثم تمالك نفسه من المفاجأة وهو يجيبها بأسى وبما صدم الجميع:
بكرة جلسة النطق بالحكم في قضية الدكتور.
قفز يوسف من مكانه يهتف باستنكار:
يعني إيه؟
إزاي دا يحصل؟
هو سلق بيض؟
فين الجلسات اللي المفروض تحصل؟
في تواطؤ طبعاً بين القاضي ووكيل النيابة اللي بيحقق في القضية دي.
هتف بها آدم بضيقٍ بينما هتف أكرم بموضوعية:
ومن دلوقتي لازم نتوقع إن الحكم هيكون سيئ جداً.
هتفت ليلى بغل:
إعدام إن شاء الله.
اتجهت مريم نحو يوسف بلهفةٍ وهي تهتف:
حبيبي يا يوسف حمد لله على سلامتك.
حاول الابتسام من أجلها وهو يهتف بسعادة:
الله يسلمك يا حبيبتي. نورتي حياتي من تاني يا روما.
ابتسم له أشرف وهو يهتف بدعابة:
إحنة بدأنا الرومنسيات بقى يا جو ولا إيه؟
إن شاء الله تكسب قضية الدكتور.
آه. هي فلوسها هتبقى حلوة قوي يا يوسف وهتساعدنا كتير في جوازنا.
هتفت بها مريم بابتسامةٍ خجلةٍ فهتف يوسف بابتسامة مصطنعة:
القضية دي بالنسبة لي حياة أو موت يا مريم.
ردت مريم بلا مبالاة:
يا عم سيبك. آهي قضية زي أي قضية عادي يعني. المهم تهبر منها.
هتف يوسف بحزنٍ سمح له -أخيراً- أن يطفوَ على صفحة وجهه:
لأنها قضية أبويا.
شهقت مريم وأشرف بصدمةٍ وهي تهتف بذهول:
أنت بتقول إيه يا يوسف؟
بقى المجرم دا يبقى أبوك؟
قاطعها أشرف بتوبيخ:
عيب كدة يا مريم.
لتنتهي المناقشة عند هذه النقطة ولتدق مريم مسماراً في نعش علاقتهما.
ليسكت الجميع صوت بكاءٍ شديدٍ فيلتفت كل منهم باحثاً عن مصدر الصوت ليجدوا أنه من سندس فاتجه عمرو نحوها سريعاً هاتفاً بقلق:
مالك يا سندس؟
أجهشت في البكاء ولم تستطع الرد عليه سوى بعد فترةٍ وجيزةٍ وهي تهتف بتقطع:
ما بحبش الفقد.
ما صدقت يبقى لي أب غير أبويا.
يحن عليا وأتكلم معاه من غير ما أحس بخوف.
قلت إن أبو يوسف هيبقى أبويا وأنت عمرك ما هتبخل عليا بأي حاجة من حنانك.
رق قلبه لها بينما نشب القلق مخالبه في قلب يمنى من تعلق سندس المفرط بعمرو ونهشت الغيرة روحها.
ربت على كتفها برفقٍ وهو مهدئاً بجوار أذنه:
آدم قال لي إن الدعاء بيغير القدر.
ادعي لي كتير خالص.
مين عارف؟
لعلك تكوني أقرب لله مني. ويستجيب دعاكي.
وما تنسينيش.
هتف آدم بخنقة:
إحنة كلنا هنطلع على وكيل النيابة دا نتفاهم معاه.
لا طبعاً يا سيادة العقيد ما ينفعش.
هتف بها أكرم بأسفٍ فهتف يوسف بعصبية:
ليه يا أستاذ أكرم؟
لازم نفهم هو عمل كدة ليه؟
هتف أكرم بعملية:
هيرفقها في محضر رسمي وهيقول إن الدفاع بتاع المتهم بيحاول يؤثر على وكيل النيابة. ونفس الشيء مع القاضي.
يعني إيه؟
إحنة هنسكت؟
هتفت بها يمنى وقد استوعبت ما حدث أخيراً فهتف يوسف مطمئناً:
لا طبعاً يا ماما. لسة في حيثيات للحكم ولسة هنقدم نقض طبعاً ومش هنسكت أبداً على اللي حصل. يعني دا مش حكم نهائي.
أنا بتهيأ لي مش هينفع نكمل كلامنا هنا. تعالوا معايا مكتبي نكمل كلامنا براحتنا.
هتف بها آدم بضيقٍ لم يستطع إخفاءه فنالت الفكرة استحسان الجميع عدا أشرف الذي أضاف بتعب وهو يفرد ذراعه على كتفي مريم:
معلش يا جماعة. إحنة هنتحرك بقى وهنشوفكم قريب. إحنة في المحكمة من الصبح.
هتف أكرم بتقدير:
حقكم ترتاحم بقى يا عم أشرف. مع ألف سلامة ولو احتجتوا حاجة معاكوا رقمي ما تترددوش تكلموني في أي وقت.
ثم حزموا أمتعتهم للتحرك خارج المشفى بينما تمسكت سندس بثياب عمرو بقلق من يخاف الفقد لكن هذه الحركة البسيطة أشعلت بركان الغيرة في قلب يمنى فهتفت بصرامة:
سندس تعالي هنا لو سمحتي. ما ينفعش كدة.
بالراحة يا ماما على البت.
أنتي مش شايفاها مقطعة نفسها من العياط إزاي؟
هتف بها يوسف بهدوءٍ وهو يحثها على التحرك واضعاً يده على كتفها فهمت سندس بالابتعاد كي لا تحدث مشاجرةً لا تنقصها بينها وبين والدتها لكن عمرو أعاد تربيته على كتفها برفقٍ هاتفاً بجوار أذنها:
يلا يا بنت. يمنى طيبة جداً وما تخدي لهاش على كلام.
ما تزعليش حقك عليا أنا. بطلي عياط بقى.
مش بحب حد يعيط قدامي.
ابتسمت له من بين دموعها بينما هتف آدم مقترحاً:
طب أنا ممكن أتكلم مع وكيل النيابة.
هتف يوسف بقلة حيلة:
هتقول له إيه يا سيادة العقيد؟
أوقفتهم شمس وهي تهتف:
المفاتيح أهي. كنتوا ماشيين من غيرها. ودي شهادة الخبرة بتاعتي وبتاعة الدكتور معاذ.
سحبها عمرو من يدها ثم أردف:
حد معاه قلم؟
أعطاه أكرم قلمه وهو يهتف بدعابة:
ما بمشيش من غيره. ياريت تجيبه لي تاني.
ابتسم له عمرو وهو يزيل الورقتين بتوقيعه ثم أعطاهما لها هاتفاً وهو يشير نحو المفاتيح:
اديها لسيادة العقيد.
أخذها منها آدم على الفور وهو يهتف بغموض:
هتخسري كتير يا شمس. مش علشان سبتي المستشفى. لا. الخسارة معناها بالنسبة لي أعمق من كدة بكتير. بس أنا هسيبك تتحملي نتيجة اختياراتك لحد النهاية.
....................
في اليوم التالي:
تم وضع الحديد في يد عمرو وتمت قيادته نحو قفص اتهامه.
ليدخلَ القاضي إلى المحكمة بوقاره وهيبته.
ورغم ذلك تظهر ابتسامته متحديةً طبيعة عمله.
يجلس على كرسيه ثم يأذن للجميع بالجلوس.
يتفحص المكان بعينيه سريعاً حتى وقعت على قفص الاتهام الذي يقبع فيه عمرو ليشهقَ الاثنان بصدمةٍ ثم يتبعها هتاف القاضي الآمر وسط استغراب الجميع:
رُفِعَتْ الجلسة.
....................
أنت تقرأ
رواية ولو بعد حين.، الجزء الأول
Romanceقالوا عنها خائنة فصدقهم وكذبها. حاول أن ينسى فظلم. حاولت أن تعيش فماتت. لم يعرف أنها تمتلك جزءً منه. ولم تعرف أنها ﻻزالت تمتلك قلبه إلى الآن. فهل سيتجدد اللقاء بينهما يوماً ما؟ هل سيعرف الحقيقة؟ وهل بعدما أصبح لكلٍ منهما طريقاً ستلتقي الطرق؟...