الفصل الرابع بعد الثلاثين، الجزء الثاني:

192 57 4
                                        

ولو بعد حين، الفصل الرابع بعد الثلاثين، الجزء الثاني:
بمشفى عمرو الألفي:
طرقاتٌ خفيفة على باب مكتب عمرو الألفي سابقاً ومكتب شمس حالياً.
تدخل بعدها نجلاء السكرتيرة وهي تهتف برسمية:
واحد بيقول إنه اسمه الدكتور معاذ عايز يدخل لحضرتك يا دكتورة.
وقفت بتوترٍ من حضوره الذي يربكها ثم هتفت بتساؤلٍ:
هو هنا من زمان؟
هتفت نجلاء بابتسامةٍ وقد توقعت أن بينهما رابطٌ ما:
لا يا دكتورة. جه قبل ما حضرتك تيجي بخمس دقايق كدة.
ورفض يدخل يستناكي في مكتبك والله مع إني عرضت عليه، بس هو قال إنه هيستنا حضرتك هنا. أدخله؟
ردت شمس بعجلةٍ من أمرها وقد تعالت دقات قلبها حتى وصلت عنان السماء:
آه طبعاً دخليه.
هي دي محتاجة كلام؟
وما تنسيش تشوفيه يحب يشرب إيه.
حاضر يا دكتورة. وحضرتك؟
هتفت بها نجلاء بامتثالٍ فهتفت شمس باقتضابٍ وهي تطالع شكلها في المرآة المعلقة أمامها:
هاتي لي القهوة بتاعتي.
طالعت وجهها الخالي من مساحيق التجميل فاستوقفت نجلاء بسؤالها الخجل:
نجلاء مافيش معاكي قلم روج؟
ابتسمت نجلاء تغمزها بطرف عينيها وهي تهتف:
لا معايا يا دكتورة في شنطتي. بس هو مش قد كدة.
هتفت شمس بسرعةٍ وهي تتصور معاذ يلحظ التغيير الذي أصابها منذ معرفتها به وكيف أنها تتطور حتى ترضي طموحاته في شريكة حياته المستقبلية:
مش مهم. المهم إن يبقى في تغيير بيحصل. هاتيه بسرعة. وعطليه ثلاث دقايق كدة على بال ما أرن عليكي.
فتحت نجلاء حقيبتها وأخرجت لها ما طلبته هاتفة بدعاء:
ربنا يتمم لك على خير يا دكتورة.
واضح عليه إنه بيحبك قوي أصلاً.
دا ما شاء الله جايب لك حتة بوكيه ورد وشنطة فيها علبة صغيرة. عينيا هتاكلهم أكل كداهو.
ضحكت شمس بتوترٍ وهي تحاول أن تتخيل حجم الهدية التي أحضرها معاذ وقيمتها المادية العالية بالتأكيد فهتفت بعجلة:
طب يلا. روحي شوفي وراكي إيه.
انطالقت نجلاء خارج الغرفة وتركتها تحاول ضبط ما يمكنها ضبطه والتأنق لحبيب قلبها الذي لا يفصل بينه وبينها سوى باب.
كل دا يا آنسة نجلاء بتبلغيها بوجودي؟
هتف بها معاذ بنفاد صبرٍ ثم أضاف في نفسه بغضب:
منك لله يا خالد. بس إن كان عندك حاجة بقى.
سمع نجلاء تهتف باعتذار:
معلش يا دكتور. الدكتورة كانت مشغولة خالص وكانت بتطلب مني حاجات معينة عايزاني أعملها.
طب تمام. أدخل بقى ولا إيه؟
هتف بها بتساؤلٍ وهو يتمطى بجسده الممشوق على مقعده يستعهض بعضاً من عضلاته أمام هتين العينين المبهورتين به وقد أرضاه تماماً النظرات المعجبة التي ترمقه بها، لكنه -كعادته- أراد المزيد إلا أن نجلاء هتفت بنبرةٍ جديةٍ تحاول إخفاء فيها تأثير وجوده عليها:
تحب تشرب إيه حضرتك؟
دكتورة شمس هتاخد قهوة سكر زيادة.
آه أنا كمان هاخد قهوة زيها بس مظبوط من فضلك.
هتفت بامتثالٍ وهي تتحرك نحو الهاتف الداخلي ومعاذ لا يزيل عينيه بعيداً عن جسدها يمشط كل إنشٍ فيه:
حاضر.
طلبت المشروبات وبعض الحلوى ثم ما لبثت بعد إغلاق الهاتف أن سمعت رنينه وشمس تطلب منها أن تسمحَ لمعاذ بالدخول أخيراً.
انكمشت على نفسها في مقعدها وهي تهتف محاولةً أن تتحاشا نظراته:
اتفضل يا دكتور.
الدكتورة في انتظار حضرتك.
سحب أشياءه من المنضدة ثم اتجه نحو مكتبها واضعاً كفه على كتفها برفقٍ هاتفاً:
كان نفسي أقعد معاكي أكتر من كدة يا نوجة. بس مالناش في الطيب نصيب.
ارتعشت إثر لمسته فهتفت بثورة:
لو سمحت شيل إيدك وإلا.
قاطع تهديدها بهتافه:
في إيه يا قطة؟ ما تبقيش قفل كدة.
عموماً أنا ماشي. سلام.
تركها ورحل وكأنه لم يفعل شيئاً وقد عزم أن يحققَ هدفه مهماً كانت العواقب التي ستقابله في الداخل.
طرق الباب ففتحته هي بابتسامةٍ واسعةٍ تطالعه بوسامته المفرطة بعشقٍ وتطالع ما في يده بفضولٍ أخفته بأعجوبة.
طالعها هو الآخر بإعجابٍ جليٍ فأصدر صفيراً قصيراً وهو يدفعها برفقٍ حتى يدخلَ هاتفاً:
إيه القمر دا يا شموس؟
ابتسمت بخجلٍ وهي تجلس على أحد المقاعد الوثيرة الذي يحوي فردين فجلس بجوارها متلاصقين لكنها لم تمانع.
نورتني يا معاذ.
ابتسم لها وهو يهتف بعتابٍ:
ما سلمتيش عليا. وما عدتيش بتسألي من يوم ما بلغتيني بموافقتك فقلت أسأل أنا.
ردت بابتسامة معتذرة:
معلش يا معاذ. حقك عليا. أنا عارفة إني مقصرة في حقك. بس والله المستشفى شاغلاني جداً.
هتف برفض:
طب ما أنا كمان العيادة بتبقى شاغلاني جداً بس بردو بسأل عليكي ومش بتغيبي عن بالي.
أجابته بعشق:
بجد يا معاذ؟
بتحبني؟
ابتسم لها يجيبها وهو يسند ذراعه على كتفيها:
طبعاً يا شموس.
مافيش واحدة عرفت تخطف قلبي ولا تشغلني غيرك.
توترت من وضع جلستهما الحالي فابتعدت قليلاً عن مرمى ذراعه إلا أنه لم يسمح لها بالابتعاد فجذبها نحوه بغتةً فأصبحت قريبةً منه أكثر هاتفاً بجدية:
طب ركزي معايا بقى شوية. أنا جاي لك علشان موضوع مهم جداً وعايز آخد رأيك فيه.
سألته باهتمامٍ وهي تحاول الاسترخاء في جلستها كي لا يمل جلستهما سوياً:
خير يا معاذ؟
طرقات على الباب جعلتهما يعتدلان في جلستهما قبل أن تأذنَ شمس برسميةٍ لنجلاء بالدخول.
دخلت وهي تتفقدهما ببصرها بفضولٍ ثم وضعت القهوة أمامهما هاتفةً بتساؤل:
عايزين أي حاجة تانية؟
أماءت شمس لها برأسها بخفةٍ نافية بينما معاذ هتف بأدب:
شكراً يا آنسة. اتفضلي أنتي. لو احتجنا حاجة هنبقى ننادي لك.
عن إذنكم.
هتفت بها بعمليةٍ وهي تنصرف عن ناظريهما مغلقةً الباب خلفها ليعودَ معاذ يجذبها نحوه ثانيةً دون أي اعتراضٍ منها يُذْكَرْ.
لاحظت أنه يحاول التمسيد على بعض الأماكن في جسدها بخفةٍ معتقداً أنه غير ملاحظ فجارته في ما يفعل كي لا تخسره وحاولت أن تبدي شيئاً مما تشعر به.
طال صمته وهو يفعل بها ما يفعله بهدوءٍ فقطعته بتساؤل:
ها يا معاذ؟
إيه هو الموضوع؟
ظل على ما يفعله وهو يجيبها بجدية:
بصي يا ستي.
أنا وأنتي دلوقتي خلاص.
بقى عندنا الخبرة الكافية اللي تخلينا نستقل بعيد عن المجرم عمرو في شغل خاص بينا.
همهمت تحثه على الاستمرار في الحديث فهتف مستطرداً:
وأنتي خبرتك ما شاء الله لا غبار عليها سواء طبياً أو إدارياً.
ابتسمت له بسعادةٍ لإشادته بها فهتفت بخجل:
بس بقى يا معاذ. ما تكسفنيش.
قربها منه أكثر وهي مستجيبة تماماً لما يفعله بها وهو يهتف بعشق:
دي حقيقة يا شموس.
أنا مش بجاملك صدقيني.
هتفت بتساؤل:
طيب وهنستقل إزاي بقى بعيد عن اللي اسمه عمرو؟
تنهد بارتياحٍ لعدم رفضها للفكرة هاتفاً:
هنفتح مستشفى أنا وأنتي. وأنتي بخبراتك هتقيميها على رجليها بسرعة. لأنك ليكي باع كبير مع الدكتور عمرو. فدا هيساعدنا كتير على اللي إحنة عايزينه.
ابتسمت له ويظهر الاقتناع على وجهها هاتفة بنبرةٍ طامعة وهي تقترب منه:
والمقابل يا دكتور؟
يعني أنا هساعدك وهدير لك المستشفى، غير شغلي في الطب طبعاً لأني بعشق المجال دا فإيه بقى مقابل تعبي دا؟
هتف معاذ وقد سره اقترابها منه دون طلبه:
الربع والثلاثة أرباع.
هبت واقفة بعصبيةٍ هاتفةً باعتراض:
نعم نعم يا حبيبي.
هو دا تقديرك لخبراتي؟
الربع والثلاثة أرباع؟
لا. أنا هنا باخد مرتب هايل. وما عنديش مشكلة أستمر في إدارتي للمستشفى خالص.
وقف بجوارها يحتضنها مهدئاً يهتف:
في إيه يا شمس؟
اقعدي علشان نعرف نتكلم.
الكلام أخد وعَطا.
تمام يا سي معاذ. آديني قعدت.
هتفت بها بشبه عصبيةٍ وهي تعود لجلستها لكن برسميةٍ شديدةٍ بعيداً عن مرمى ذراعيه فهتف بهدوءٍ شارحاً:
أنا يا شمس هشاركك في المستشفى برأس المال، وأنتي هتشاركيني في الإدارة.
هتفت تكمل عنه:
تمام. بس الإدارة ما تقلش أهمية عن رأس المال. يعني هما بيكملوا بعض.
يبقى النص بالنص.
كانت العصبية من نصيبه هذه المرة فهتف باعتراض:
نعم يا شمس؟
أنا من غير تمويلي للمستشفى بأحدث الأجهزة عمرها ما هتقوم على رجليها ولا هتبقى من المستشفيات المشهورة اللي تنافس مستشفى كبير زي مستشفى عمرو الألفي.
هتفت باعتراضٍ مماثلٍ وقد انتقلت عصبيته لها بأقصى سرعة:
لا يا معاذ.
مهماً كانت فلوسك حاضرة. ومولت المستشفى بأحدث الأجهزة عمرها بردو ما هتقف على رجليها ولا هتبقى مستشفى ناجحة إلا إذا كان فيها شخص بيعرف يديرها بشكل كويس وعارف هو بيعمل إيه.
وكمان أنا هعرف أجيب لك دكاترة مشهورين وممتازين يقدروا يقيموا المستشفى على رجليها ويشهروها في منتهى السرعة، ومنهم ناس شغالين في المستشفى هنا.
يعني أنت الكسبان، وأنا من حقي بقى بعد كل التعب دا أبقى شريكة بالنص في المستشفى.
واعتبر كدة مهري وصل لي.
أظن مافيش عرض أحسن من كدة يا دكتور. وإلا. بلاش. أنا مبسوطة هنا وآخدة وضعي كويس جداً.
تنهد بضيقٍ وهو يهتف بقلة حيلة:
حاضر يا شمس. النص بالنص.
ثم أردف في نفسه بغيظ:
حار ونار في جتتك.
ابتسمت بظفر هاتفة بسعادةٍ لا تخفى عليه:
كويس. كدة بقى أكلم آدم وأرمي استقالتي على المكتب. وأشوف هعرف أستجلب مين  من الدكاترة وأغريهم بالمرتب العالي.
وأنتي تكلمي آدم ليه؟
سألها باستغرابٍ فهتفت توضح له:
علشان يعرف المجرم المتلقح عنده.
ألا ما فكر مرة يخليني شريكة معاه في العيادة ولا في المستشفى.
هتف يؤيدها:
معاكي حق. مش مقدر مجهودك وإنك أنتي اللي كنتي شايلاه وقت أزمته ووقت سهراته وسرمحته مع فتايات الليل.
ثم أردف بتذكر:
بمناسبة العيادة.
ياريت تبلغي آدم إني أنا بردو مستقيل من العيادة.
أماءت برأسها موافقةً وهي ترفع سماعة هاتفها بينما هتف معاذ بغيظٍ لا يستطيع إخفاءه:
منك لله يا خالد. أنت اللي قلت لي شارك شمس.
قاطعت شروده بقولها:
بالمناسبة يا حبيبي. أنا عايزاك تسجل عقد الشراكة في الشهر العقاري. علشان كل واحد مننا يضمن حقه.
آه.
هتف بها بضيقٍ أكثر فاحتضنته هي بقوةٍ تقرب وجهها من وجهه هاتفةً بدلال:
إيه رأيك في الميكاب بتاعي؟
بادلها ضمتها القوية وهو يطبع قبلة رقيقة على شفتيها هاتفاً بطمعٍ في المزيد:
جميل يا حبيبتي. بقول لك إيه.
نص ساعة كدة وكلمي أخوكي على بال ما نقعد مع بعض شوية.
تركته فجأةً هاتفةً لنفسها:
آه طبعاً.
ما أنت متغاظ علشان شاركتك بالنص.
وأنا إيش ضمنني بقى تعمل معايا الغلط وتساومني بجوازك مني قصاد التنازل.
لا يا حبيبي. أنا ورايا الاضطلاع على أسماء الدكاترة اللي هييجوا يشتغلوا معانا.
بينما هتف هو بضيق شديد لم يخف عليها:
طيب يا شمس.
أنا هضطر أمشي دلوقتي.
ورايا حاجات كتير متلتلة فوق دماغي.
سحب ما أحضره من أجلها مستطردا بنفس ضيقه:
سلام.
رمقته باستغراب هاتفة بتساؤل:
أنت رايح مشوار بعدي؟
هتف بغموض وابتسامة صغيرة شقت طريقها على شفتيه متعمدا إثارة غيرتها:
حاجة زي كدة.
.....................
أغلق الهاتف مع شمس بعصبيةٍ شديدةٍ مما سمعه منها للتو.
لا يعرف ما الذي أصاب أخته وحبيبته؟
كيف وصلت لهذه الأخلاق؟
كيف تترك شخصاً محتاجاً لها؟
من سيدير مشفاه وعيادته الآن؟
من سيؤامنه على ماله؟
ما الحل إذن؟
شعر بالصداع من كثرة التفكير والعصبية فنهض من مقعده لا يعرف ماذا يفعل؟
يجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وقد توقف رأسه عن التفكير.
لا يعرف ما الحل لهذه المعضلة؟
ليس هناك أسماء مطروحة على الساحة.
إذن لا بد أن يخبره.
هو لم يترك مشفاه وعيادته يضيعان بسبب تهور اثنين وثق فيهما وجعلهما يعملان معه.
حتى لو كان الأمر.
شعر أنه وصل لنقطةٍ خطيرةٍ في تفكيره فقطع أفكاره تاركاً المكتب بأكمله محاولاً رسم الابتسامة لكنه لم ينجح وخاطر واحد يسيطر عليه:
ألم يعتقد عمرو يوماً أنه سيكون مثل أخته؟
بعد ما وثق فيه سيخونه؟
رغماً عنه ألم يقل أن العرق دساس؟
توقف أمام شاهين فنهض الأخير من مكانه يقدم له التحية العسكرية هاتفاً باحترامٍ:
تحت أمرك يا فندم.
هتف آدم بأمرٍ دون أن يلقي عليه السلام بابتسامته العذبة —كعادته-:
هات المفتاح.
أعطاه سلسلة مفاتيحه هاتفاً باستغراب:
اتفضل حضرتك.
هو حضرتك كويس؟
ابتسم له هاتفاً بتساؤلٍ:
فين المفتاح بتاع زنزانة الدكتور عمرو؟
شهق بتذكرٍ هاتفاً بأسف:
نسيت أودي له أكل.
وها هي الفرصة جاءته على طبقٍ من ذهب.
فلينفجر فيه الآن لعله يخرج بعضاً من الغضب الكامن في صدره:
أنت متخلف يا شاهين؟
إزاي تنسى تودي له أكل؟
هو إيه خلاص؟
ما بقتش قادر تاخد بالك من شغلك؟
تلعثمت الحروف على طرف شفتيه وهو يهتف باعتذار:
حق حضرتك عليا يا سيادة العقيد.
والله نسيت خالص. مافتكرتش غير لما حضرتك قلت لي عليه.
وعايز المفتاح ليه بقى يا سيادة العقيد؟
كان سيكمل توبيخه له لولا حضور أدهم المباغت فهتف آدم مدعياً البرود:
ممكن ما لكش دعوة بشغلي يا أدهم.
أنا عارف أنا بعمل إيه كويس.
فين المفتاح يا عسكري؟
واعمل حسابك الموضوع دا مش هيعدي.
أشار له على المفتاح فسحب السلسلة من يده بعنفٍ ثم تركه وانصرف تاركاً أدهم يصرخ من خلفه بغضبٍ عارمٍ مهدداً:
أنا هوريك تتكلم معايا إزاي كدة يا سيادة العقيد.
ليك لواء يترد عليه.
لم يجبه سوى بالتفاتةٍ صغيرةٍ يرمقه بابتسامةٍ متحديةٍ بمعنى:
افعل ما شئت.
فتح الباب بهدوءٍ ليروعه منظر عمرو النائم على ظهره بشكلٍ غير طبيعيٍ دون أن ينهض لدخوله كما اعتاد منه وجريدة لم يعرف لأي مؤسسةٍ تنتمي ملقاة فوق صدره فسحبها سريعاً يطالع الخبر فيها بعنوان:
"السيد وكيل النيابة الذي يحقق في قضية الطبيب الشهير يفجر مبلغ الرشوة المعروض عليه من قبله".
مين دول؟
وإيه اللي عمل فيه كدة؟
جلس على ركبتيه يتفقد نبضه ليجده مازال موجوداً فهزه بقوةٍ هاتفاً:
دكتور. قوم كلمني.
أسرع خارج الزنزانة يحضر بعض الماء يسكبه على وجهه دون أن يطعي انتباهاً لسؤال شاهين المذعور فشهق الأخير من برودة الماء بينما يتنهد آدم بارتياحٍ متمتماً بالحمد في نفسه وشاهين يهتف من خلفهما:
مالك يا دكترة؟
إيه اللي عمل فيك كدة؟
ما أنت كنت كويس.
ألقى آدم الجريدة في وجهه وبعض الورقات المالية هاتفاً بأمر:
امشي روح هات لي فطار. وما تتأخرش. على وجه السرعة.
امتثل شاهين لأمره هاتفاً وهو ينحني ليلتقط الأوراق المالية والجريدة:
حاضر يا فندم. بس أعمل إيه في دي؟
هتف بها وهو ينقر على الجريدة بخفةٍ بإصبعه فهتف آدم بعصبية:
ارميها في أي حتة.
أغلق الباب في وجهه هاتفاً بهدوءٍ وهو يتفقده:
حمد لله على سلامتك يا دكتور؟
إيه اللي حصل دا؟
تنهد بتعبٍ وهو يحاول ربط الأحداث ببعضها هاتفاً:
دا واحد مجهول.
جاب لي الجريدة اللي معرفش فيها إيه وقال لي أقرأها وهو هييجي تاني يتناقش معايا في اللي قرأته.
تذكر آدم ما قرأه في الجريدة من لحظاتٍ فهتف بتساؤل:
أيوة بس مين دا؟
ومصلحتاه إيه؟
وبيعاديك ليه لدرجة إنه يتهمك بالرشوة؟
فكر قليلاً ثم أجابه بشبه تركيز:
أكيد دا رفعت الدهان أو حد يخصه.
فطرح آدم السؤال المنطقي الذي يجب أن يحصل على إجابته:
أيوة. مين بقى اللي سهل له الدخول للقسم؟
هز رأسه بعدم معرفة هاتفاً:
معرفش. بس مافيش غير رفعت الدهان اللي هيعاديني كدة. لأني رديت ليلى امبارح.
صفق آدم بكفيه بفخرٍ هاتفاً كالأطفال:
يا ابن اللعيبة. عملتها إزاي دي؟
إحنة كنا واثقين إنك هتقدر تثنيها عن قرارها بالجواز من رفعت، لكن إنها توافق إنها ترجع لك دا اللي ما كانش على البال ولا على الخاطر.
ابتسم بسعادةٍ لما حققه بالأمس هاتفاً:
أنا  كمان ما توقعتش إني هقدر أقنعها أصلاً ولا إني هقدر أربطها بيا تاني فرفعت ما يعرفش يوصل لها.
بس دا كله مقابل إنها تعرف الحقيقة كلها.
أو.
اللي أنا عايز أعرفه لها.

آه.
يبقى مش هتتطرق أبداً لعبد الله.

ابتسم مؤكداً:
آه طبعاً.
عمري ما هعرف أحكي اللي حكيته دا تاني.

طرقات خفيفة على باب الزنزانة قاطعت حديثهما في المنطقة المحظورة بالنسبة لعمرو فنهض آدم بتثاقل من الأرضية لكنه فقد توازنه فجلس ثانيةً بينما نهض عمرو بخفةٍ يجذبه من يده هاتفاً بدعابة:
قوم يا حضرة الظابط.
أنت مش قد القاعدة دي.

هتف آدم بابتسامة:
لا خالص.
أنا مافيش معايا فلوس وآخد عليها جداً.
بس مش عارف إيه اللي حصل.

رد عمرو بحزنٍبينما آدم يتجه لفتح الباب:
وهي الفلوس كانت عملت إيه لصحابها؟

أنا نفسي يبقى مافيش معايا فلوس وأبقى بالي مرتاح وما بفكرش في أي حاجة.

لم يعرف بما يجيبه ففكر أن يفتحَ الباب وليته ما فعل.

تسمر مكانه وهو يضع يده على فمه يكتم شهقته المصدمومة وهو يهتف بذهول:
سيادة اللواء؟
.....................

رواية ولو بعد حين.، الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن