ولو بعد حين، الفصل الرابع بعد العشرين، الجزء الثاني:
ليﻻً.
كان كل منهما يجلس بعيداً عن اﻵخر شارداً في ما حدث، ويحاول التفكير في أي شيءٍ يخرجهما من هذا المأزق.
حتى قام أحدهما من مكانه متوجهاً نحو اﻵخر يهتف بجوار أذنه بتوبيخ:
أنت السبب. أنت اللي عملت فينا كل دا. ما كانش حد قال لك هاتهم هما التﻻتة.
هتف برشامة بعصبية وقد تحفزت عضﻻت جسده للهجوم على الجالس أمامه إذا استفزه أكثر:
ليه دلوقتي بقيت أنا السبب؟
مش كنت فرحان بالموضوع وقلت لي حلو تلت حتات؟
ما أنت يا غبي لو كنت جبت الزفتة حور ما كانش دا كله حصل.
ما كانش صاحبي يموت كدة في عز شبابه وكنا هنستفرض بيها لوحدنا وما كانوش هيقفشونا.
هتف بها أنس بحزنٍ شديدٍ على صديقه فهتف برشامة بﻻ مباﻻة:
اهدا يا عم أنس كدة ما يبقاش قلبك خفيف. يعني ديتنا كام سنة؟ وهنخرج نوري العيال دول شغلهم وهننتقم من البت اللي قتلت صاحبك كمان.
بدى أنه لم يسمعه وهو يهتف بحزنٍ أكثر:
يا حبيبي كان بيقول لي إنه نفسه يستمتع بالبت حور. يا عيني ما لحقش.
صمت قليلاً ثم أردف بحزن أكثر يصحبه الحسرة:
وﻻ أنا لحقت.
عاد لصمته ثانيةً ثم أضاف باستغراب:
بس من إمتا البت حور دي جامدة وليها عﻻقات بظباط؟
لو يعرفوا مشيها بالبطال ما كانوش كلموها وﻻ عبروها.
صمت ثانيةً وهو يهتف في نفسه هذه المرة بوعيد:
هتروحي مني فين يا حور؟ صورك عندي وهفضحك بيها علشان تبقي زي أبوكي وما حدش يبص لك أبداً. وﻻ حتى كريم بتاعك دا.
حاضر يا حور اهدي عليا.
هتف بها بوعيدٍ ثم أضاف بما يشبه الوعد:
ما تقلقش يا علي هاخد لك حقك يا حبيبي من البت اللي قتلتك وصحابها.
أنس. تشرب حشيش؟
هتف بها برشامة وهو يشعل إحدى سجائره ثم أضاف بفخر:
أصلي ما ضيعتش وقتي واتلميت على بتوع السجن اللي ليهم في اﻷمور دي وظبطت التظابيط بقى. تاخد وﻻ تنسى؟
خلي بالك مش هعرض تاني.
هتف أنس بقلة حيلة:
هات يا أخويا آهي تصبيرة لحد ما نخرج من المخروب دواً.
....................
في اليوم التالي:
ذهب يوسف في مكتب أكرم علي كما أخبره باﻷمس في مكالمةٍ سريعةٍ على هاتفه لم تستغرق سوى أقل من دقيقة.
طرق الباب بهدوءٍ وانتظر بصبرٍ حتى أنهى أكرم المكالمة التي كان يجريها ثم أذن له بالدخول.
فتح الباب وتقدم داخل الغرفة ثم أغلق الباب خلفه وهو يلقي التحية بابتسامةٍ حزينة:
صباح الخير يا أستاذ أكرم.
صباح النور يا يوسف يا ابني، تعالى اقعد واقف ليه؟
هتف بها أكرم مبادﻻً إياه الابتسام لكن بتحفظٍ فلم يكن كعادته معه.
جلس يوسف على المقعد المقابل والتوتر يكسو مﻻمحه من طريقة أكرم علي المستجدة في تعامله معه فبادره اﻵخر بسؤاله:
ها. تشرب إيه بقى؟
هتف يوسف بأدب:
شكراً يا أستاذ أكرم.
ﻻ إزاي هطلب لك القهوة اللي بتحبها معايا علشان نعرف نتكلم.
هتف بها أكرم وهو يرفع سماعة الهاتف الداخلية يفعل ما قاله له.
استدار بمقعده له بعد ما وضع السماعة ثم هتف بمواساة:
قلبي معاك.
أنا عرفت اللي حصل لخطيبتك.
دا قتل دفاع عن النفس. يعني المفروض إن الموضوع إن شاء الله يخلص بسرعة.
هتف بها يوسف بثقةٍ مشوبةٍ بعمليةٍ فهتف أكرم مؤكداً:
أيوة طبعاً هو قتل دفاع عن النفس ما قلناش حاجة. وهي كمان موقفها قوي في القضية دي.
يعني شهادة الظباط اللي حضروا الوقعة ووضع الجثة يعني اﻷمور دي كلها.
بس هي طبعاً هتتحبس في القسم شوية. الموضوع مش هيخلص في يوم وليلة.
أنت عارف المحاكم ما بتخلصش.
هتف بها أكرم بحزنٍ فهتف يوسف بأسف:
للأسف عارف كل دا. ومش عارف هي هتتقبل الموضوع دا إزاي.
وﻻ أبوها وأمها دول حالتهم صعبة من ساعة ما عرفوا اللي حصل.
ربنا معاهم يا رب يا يوسف ومع خطيبتك ويلطف بيهم آمين. ويقدرك تخلص الموضوع دا بسرعة.
هتف بها أكرم بدعاءٍ فأمن يوسف على دعائه وهو يحاول التفكير في الطريقة التي سيوصل فيها ﻷهل مريم شكل اﻷيام القادمة في حياة ابنتهما الوحيدة.
دخل الساعي مقدماً القهوة ولم يضف كلمة أخرى، حتى أن أكرم صرفه دون أن يتبادلَ معه حديثاً ودياً كما هو المعتاد مما أشعر يوسف أن الخطب جلل وليس له عﻻقة بالقضايا.
أستاذ أكرم أنا آسف جداً لو كنت مقصر مع المكتب اليومين دول. بس والله حضرتك شايف الظروف يعني شكلها إيه.
قاطعه أكرم بهتافه الودود:
يوسف ما تقولش كدة. أنت محامي كفء جداً وأثبتت كفاءتك بسرعة. وبعدين يا رجل سيب الكﻻم دا لغيرك. أنت دلوقتي ماسك أهم قضية في مكتبي. قضية الدكتور عمرو اﻷلفي. بالمناسبة هي أخبارها إيه صحيح؟
هتف بها بتساؤلٍ فرد يوسف بإشفاق:
الدكتور شكله صعب قوي يا أستاذ أكرم. بيقولوا إنه اعترف بكل حاجة ﻷهله بس ما أعتقدش يعني إنه يعملها حتى لو عمل الحاجات المخلة اللي اتنشرت في الجرايد دي.
هتف أكرم بيقين:
بص. هو عمرو أنا ما أنكرش إن كانت حياته غامضة قوي. أنا معرفش عنها حاجات كتير، لكن القتل هو ما يعملهاش. وإﻻ ما كنتش دافعت عنه وﻻ كان مكتبي قبل القضية.
معاك حق يا أستاذ أكرم.
هتف بها ثم بدأ يرتشف من فنجان قهوته التي بدأت تبرد قليلاً لكنه لم يعقب ﻷنه من تركها هكذا بسبب فقدان التركيز.
بينما أنهى أكرم فنجانه واضعاً إياه على المنضدة متمتماً بالحمد ثم هتف بمواربة:
قل لي يا يوسف. هي أخبار والدتك إيه؟
المفروض تخرج النهاردة إن شاء الله.
هتف بها ومعالم الهم ارتسمت جلية على وجهه مما أدى لاستغراب اﻵخر فهتف بتساؤل:
إيه يا ابني؟ أنت مش فرحان بخروجها وﻻ إيه؟ شكلك متضايق قوي كدة ليه وأنت بتقول لي؟
هتف يوسف بابتسامة حاول اصطناعها بشق اﻷنفس:
ﻻ وﻻ حاجة عادي. مش ضيق مجرد إجهاد بس.
عموماً مبارك على خروجها. إحنة إن شاء الله هانيجي نزورها في بيتها بعد ما ترجع كدة وتستقر لو ما عندكش مانع يعني.
هتف بها بابتسامةس سعيدةٍ من أجله فهتف اﻵخر بترحاب:
طبعاً طبعاً. تنوروا في أي وقت.
عم الصمت أرجاء الغرفة لبعض الوقت.
يوسف لم يجد ما يقوله وأكرم لا يعرف كيف يقول ما لديه.
لكنه في النهاية حسم أمره وقرر المواجهة بسؤاله مباشرة:
يوسف هي مامتك ليها عﻻقة من قريب أو من بعيد بعمرو؟
سيطر عدم الفهم على مﻻمحه وهو يسأله:
عمرو مين؟
هيكون عمرو مين يعني؟
هو في غيره؟
عمرو اﻷلفي طبعاً. اللي أنت ماسك قضيته.
هتف بها بنبرةٍ مستنكرةٍ فهتف اﻵخر بعد ما استوعب موضحاً:
أمي كانت من عيلة على قد حالها، وأبوها كان بيشتغل جنايني أو بواب في فيلا أحمد اﻷلفي أبوه معرفش بصراحة كان بيشتغل إيه.
وأمي عشان تساهم في المصاريف وعشان يحاولوا يعدوا ظروف المعيشة الصعبة كانت بتساعده فكانت من ضمن طقم الخدامين هناك.
أنا ما كنتش أعرف المعلومة دي غير امبارح بس.
بس ليه حضرتك بتسأل يعني عن الموضوع دا هو في حاجة وﻻ إيه؟
هتف بها باستغرابٍ فهتف أكرم باستغرابٍ مماثل:
بس غريبة. لو كان كدة ما يبقاش الدكتور فاكرها كدة وبيقول لها يمنى حبيبتي لما سمع صوتها وهي بتكلمك وكان هيموت وياخد التليفون من إيدي ويكلمها.
نعم.
مش فاهم حاجة.
هتف بها بغيرةٍ على أهل بيته ثم أضاف وهو ينهض من مقعده:
أنا معرفش حاجة عن الموضوع دا ﻷني ماسمعتوش.
رايح فين يا يوسف اقعد.
هتف بها أكرم بهدوءٍ لكن يوسف لم يعد يرى أمامه من شدة الغضب فهتف محاولاً الهدوء:
معلش يا أستاذ أكرم. أنا هضطر أتحرك. واضح إني محتاج أعمل زيارة للدكتور وأفهم منه كل حاجة بنفسي. عن إذنك.
لم يعطه فرصة للحديث وخرج بهدوء -قدر ما استطاع- من الغرفة لكن الشياطين كانت تتراقص أمام وجهه من الغضب، بينما هتف أكرم من داخل مكتبه بحماس:
كدة ولعت ناااار.
أسند راحتيه على المنضدة امامه وأسند وجهه فوقهما يتنهد بتعبٍ لكنه غير من وضعية جلسته هذه بعد قليلٍ من الوقت بسبب ارتفاع رنين هاتفه الصاخب الذي سيطر على أرجاء الغرفة.
ألقى نظرة سريعة على اسم المتصل ولم يكن ينوي عدم الرد لكنه غير رأيه أيضاً بمجرد وقوع عينيه على اسم ليلى.
استدعى ابتسامته العملية وهو يضع الهاتف على أذنه بعد ما ضغط على قبول المكالمة هاتفاً بترحاب:
أهﻻً أهﻻً يا ليلى هانم.
إزي حضرتك إيه اﻷخبار؟
لم ترد له الترحيب بمثله كما اعتادت لكنها هتفت موبخة:
بقى كدة يا أستاذ أكرم؟
أقول لك جوزي مش مرتاح للشاب اللي اسمه يوسف دا توديه تاني عنده وتكذب عليا؟
أنا؟
هتف بها بتوترٍ فأردفت بنبرتها القوية:
أيوة أنت يا أستاذ أكرم. وأنا طبعاً ما كنتش هعرف أي حاجة لولا إنه وقع في الكﻻم وحنة بنتكلم.
صمتت قليلاً ثم أضافت بنبرتها اﻷستقراطية التي سيطر الحزن واليأس عليها:
عموماً هي ماعدتش تفرق على كل حال.
أنا عايزاك تظبط لي زيارة للدكتور عمرو في أقرب وقت. وتجهز نفسك كدة علشان لو مافيش زيارة قريب أو حتى هو ﻻوع ومارضاش باللي أنا عايزاه هترفع لي قضية خلع.
هتف أكرم بصدمة بعد ما شهق بعنفٍ مما جرح حلقه:
طﻻق؟
ليه بس يا ليلى هانم؟
أنا قلت لك إن الدكتور ما يعملهاش وإﻻ ما كنتش دافعت عنه بنفسي وﻻ كنت بعت له محامي من أكفأ الناس عندي وﻻ كان مكتبي قبل القضية من اﻷساس.
وأنا اللي كنت لسة هكلمك وأقول لك تخدي بالك من الدكتور وعﻻقاته.
يعني إيه مش فاهمة؟
سألته بتوجسٍ فأجابها بشرح:
بصي يا ستي. أنا لولا إني عارف أخﻻق الست الكمل أم يوسف ما كنتش سكت لها. بس الدكتور هو اللي منه القلق. هو اللي كلمها ساعة ما سمع صوتها على طول.
كلم مين؟
هتفت بها ليلى بصدمة فهتف ببساطة:
كلم الست يمنى أم يوسف، بس من الواضح إن يوسف ما كانش يعرف، لكن ما تقلقيش، أنا قمت بالواجب وقلت له على كل حاجة وهو دلوقتي في طريقه للدكتور عمرو.
في طريقه لعمرو ليه؟
هتفت بها ليلى باستغراب فهتف أكرم ببساطة:
علشان يفهم منه كل حاجة. هو قال لي إنها كانت بتشتغل عندهم في الفيلا زمان لكن العﻻقة ما تطمنش يا ليلى هانم.
مش فاهمة. هي فعﻻً قالت لي كدة وأنا اقتنعت.
هتفت بها بتشتت فهتف باعتاض مستنكر:
إزاي كانت بتشتغل عنده وهو ساعة ما سمع صوتها اللهفة كانت هتنط من عينيه وكان هيموت ويسحب التليفون من إيدي ويكلمها.
أنتِ ما شوفتيش شكل الدكتور ساعتها وهو مش عارف يخبي شوقه. أنا اللي شوفته وبطمنك. يوسف مش هيسكت غير لما يعرف الحقيقة كلها.
هتفت ليلى بصوتٍ مختنق من أثر مجاهدتها للدموع:
ﻻ. أنت تفهمني كل حاجة من الأول يا أستاذ أكرم علشان أعرف أواجهه لما أروح له في الزيارة اللي أنت هتسرع من حدوثها في أسرع وقت.
حاضر يا ستي. صلِ على النبي واسمعيني.
....................
بالمشفى:
دخل الطبيب وهو يلقي تحية الصباح على كل من سندس ويمنى.
هتفت سندس بأدب:
صباح النور يا دكتور.
هتف الطبيب برسميةٍ وهو يجري الكشف المعتاد على يمنى:
ﻻ دا إحنة بقينا أحسن أهو يا مدام يمنى.
هتفت يمنى برضى:
الحمد لله على كل حال يا دكتور.
هتف الطبيب بنفس عمليته وهو يدون شيئاً ما:
أنا كدة خﻻص هكتب لك على خروج يعني نص ساعة يا ستي وهتمشي وتسيبينا. مع إنك كنتي منورانا والله.
ابتسمت يمنى وهي تشعر بقلقٍ من القادم.
صحيح من المفترض أن تظهر أمام أوﻻدها قوية كي ﻻ يقلقا عليها إﻻ أنها خائفة. بل. خائفة جداً جداً مما سيفعله بها عبد الله بمجرد علمه بخروجها من المشفى.
أخرجتها سندس من شرودها بهتافها المرتبك:
يعني خﻻص يا دكتور؟ نهائي هتخرج النهاردة؟
آه. الحمد لله يا آنسة. إحنة كنا فين وبقينا فين؟
هتف بها الطبيب بابتسامة رسميةٍ ثم أشضاف باستغراب:
هو أنتِ مش عايزاها تخرج وﻻ إيه؟
هتفت سندس سريعاً:
ﻻ طبعاً دي ماما تنور أي حتة تقعد فيها. بس الفكرة إننا كنا عايزين نتطمن عليها بس علشان ما يحصل لهاش مضاعفات وﻻ حاجة.
هتف الطبيب باطمئنان:
ﻻ يا آنسة اتطمني. لو كان فيها حاجة ﻻ قدر الله أنا ما كنتش هخرجها.
وبعدين أنا كان ممكن أكتب لها على خروج من أول امبارح تقريباً، بس سبتها علشان أتطمن عليها بنفسي.
صمت فأردفت يمنى مؤيدةً بثباتٍ زائف:
ثم يا حبيبتي في حاﻻت أحق مني دلوقتي باﻷوضة دي.
ابتسم الرجل وهو يهتف بمجاملة:
ﻻ إزاي يا مدام؟ دا إن ما شالتكيش اﻷرض إحنة نشيلك في عينينا والله.
ابتسمت ترد له مجاملته بهتافها:
شكراً يا دكتور. هو دا العشم بردو.
تبادلوا أحاديث قليلة ثم ودعهم على أن تنتهيا من إجراءات الخروج من المشفى وتذهبا إلى منزلهما.
بعد خروج الطبيب هتفت سندس بتساؤلٍ قلقٍ:
ماما. إحنة هنعمل إيه؟
هنخرج إزاي ونقعد في البيت وممكن بابا ييجي في أي وقت وحضرتك مارضيتيش تبلغي عنه؟
هتفت يمنى محاولة إخفاء قلقها:
قل لن يصيبنا إﻻ ما كتب الله لنا يا سندس. كلمي يوسف بس عرفيه إننا هنمشي من هنا علشان ما يجيش ويقلق. وروحي اسألي على حور وصحباتها وشوفيهم وسلمي عليهم كلهم. وشوفي لو الزيارة تسمح نشوف مريم.
حاضر يا ماما.
هتفت بها اﻷخرى بقلة حيلة وهي تخرج من الغرفة بينما قامت يمنى على مهلٍ تصلي ركعتين قضاء حاجة لعل ربها ينجيها من عبد الله وشروره.
.............
بقسم الشرطة:
يدخل عبد الله وهو يتفحص المكان بعينيه باحثاً عن أحدهم حتى أوقفه العسكري بقوله الغليظ:
على فين يا أخ؟
هتف عبد الله بارتباك:
عايز أقابل الظابط اللي هنا.
الظابط اللي هنا مبلغني ما أدخل لوش حد دلوقتي. عايز بقى تقابله ليه؟
عايز أقدم على شغل سيادتك.
ليه قالوا لك قبل كدة إننا بنوظف حد عندنا؟
هتف بها الرجل بسخرية فهتف عبد الله بقلة حيلة:
ما هو أعمل إيه العيشة باقت غالية ومافيش معايا اللي يستر بيتي ﻵخر الشهر.
هتف الرجل بسخريةٍ أشد:
وجاي بقى تشتغل عسكري وﻻ ظابط؟
ﻻ عسكري وﻻ ظابط. أنا عايز أشتغل إن شاء الله ساعي.
هتف بها بنفاد صبرٍ لكنه حاول الحفاظ على هدوئه قدر ما استطاع؛ كي يحققَ ما جاء من أجله.
زفر العسكري هو اﻵخر بنفاد صبرٍ مماثل وهو يطرق باب المكتب الذي يقبع في آخر الرواق يستأذن الضابط في دخول عبد الله.
بعد قليلٍ خرج العسكري وهو يهتف بنفس طريقته الجافة:
ادخل يا أخويا، بس ياريت لو حضرة الظابط ما شغلكش ما عدتش تورينا سحنتك السمحة دي.
ضرب عبد الله الأرض بقدميه غضباً وغيظاً من هذا الرجل ثم دخل المكتب بعد طرقاتٍ خفيفة على الباب.
تقدم عدة خطواتٍ لكنه ظل واقفاً في انتظار إذن الجلوس، فهتف أدهم بعد ما انتبه له:
اقعد يا أخويا.
جلس عبد الله على أقرب مقعدٍ وجده فبادره أدهم بقوله اﻵمر:
العسكري قال لي إنك عايز تشتغل ساعي.
مش كدة؟
أماء برأسه إيجاباً دون أن ينبس ببنتشفة فأعاد أدهم سؤاله:
\طب وافرض بقى عملت مصيبة كدة وﻻ كدة؟
هتف عبد الله بدفاع:
مصيبة إيه بس حضرتك؟ أنا يطلع مني المواضيع بردو؟
ضرب المنضدة أمامه وهو يهتف بعصبية:
في إيه يا رجل أنت؟ أنت هترغي معايا وﻻ إيه؟
توتر عبد الله في جلسته وهو يهتف باعتذار:
أنا آسف آسف يا بيه. اللي ما يعرفك يجهلك.
طرقات خفيفة على الباب تبعها دخول العسكري وهو يهتف برسميةٍ مشوبةٍ بالاحترام:
المحامي يا فندم بتاع الدكتور عمرو جاي زيارة.
آه. طيب. لما الرجل اللي عندي دا يخرج دخلهولي.
هتف بها أدهم بأمرٍ ثم استطرد وهو يشير نحو الخارج:
اقفل الباب كويس وراك بعد ما تخرج.
امتثل العسكري ﻷوامره بينما عاد أدهم ببصره نحو الجالس أمامه ثم هتف وهو يعطيه ورقة مطوية وقلم حبر:
عموماً يا عبد الله قبولك من عدمه دا محتاج تحريات شديدة عن سلوكك. جاوب عن اﻷسئلة المكتوبة في الورقة دي بس خلي بالك. لو إجاباتك فيها حاجة تعارضت مع التحريات وحياة أمك هنسفك من على وش الدنيا. فاهم.
هتف بها أدهم بتهديد بينما أخذ عبد الله الورقة وهو يهتف:
حاضر يا بيه. تحت أمرك.
ثم استطرد بوعيد:
حاضر يا عموري. أتمكن منك أنا بس وساعتها هفرمك وهعلمك اﻷدب وهرد منك كل اللي الزفت دا عمله فيا.
يﻻ بقى هويني على برة عشان اتخنقت.
جاوب عن اﻷسئلة واديها للعسكري وماتنساش تبقى تسيب رقم تليفونك.
....................
بصرادق العزاء:
كان أحمد يجلس على رأس الطاولات في استقبال الحضور هو وهنية واﻷلم والحزن يكسوان مﻻمحهما والصمت يخيم على المكان سوى صوت القرآن المنتشر في دار المناسبات عن طريق مكبرات الصوت.
السﻻم عليكم.
هتف بها رجلٌ يتمتع بهيبةٍ ووقارٍ فقاما الاثنان ﻻستقباله مرحبين به وكأنهما كانا في انتظاره.
هتف أحمد بترحاب:
أهﻻً أهﻻً يا بهجت بيه. حللت أهلاً ونزلت سهﻻً يا راجل.
ضحك الرجل بمجاملةٍ وهو يهتف بترحابٍ مماثلٍ:
أهﻻً بيك يا أحمد بيه. بقالنا كتير ماتقابلناش يا راجل.
ثم حول بصره وأطال النظر لوجه هنية وكأنه يتشرب مﻻمحها ثم هتف بمجاملة:
هنية هانم. أهﻻً وسهﻻً. كل مرة بتحلوي عن آخر مرة بشوفك فيها.
ابتسمت بخجلٍ ثم مدت كفها تصافحه وهي تهتف:
نورت الدنيا يا بهجت بيه. إحنة مبسوطين جداً بزيارتك دي والله.
هتف أحمد وهو يربت على كتفه:
اقعد يا راجل إحنة هنفضل واقفين وﻻ إيه؟
ترك الرجل كف هنية على مضدٍ ثم جلس وتعمد الالتصاق بها مما أشعرها بالضيق قليلاً، لكن ﻻ ضير من التنازل كي يحققا ما أرادا.
يمكنها أن تخبر أحمد بشعورها الغير مريح ناحيته لكن بعد ما ينتهي مما هو مطلوبٌ منه.
هتف أحمد بترحابٍ شديدٍ وهو يعيد التربيت على كتف بهجت:
تشرب إيه يا بهجت بيه؟ قل لي وأنا هروح أجيبهولك بنفسي.
هتف بهجت باعتراض:
ﻻ ﻻ مالوش لزوم يا أحمد بيه أنا مش هطول.
أثناء حديثه حاول الالتساق بهنية أكثر لكنها حاولت أن تبتعد عنه قليلاً وتنكمش في مقعدها بينما هتف أحمد وتعابير وجهه لم تتغير بعد دﻻلةً على أنه لم يﻻحظ شيئاً:
ﻻ إزاي. دا أنت بقى لك كتير ما جتش عندنا.
عموماً مش هكسفك يا أحمد بيه. هشرب قهوة بن تقيل لو موجود.
عموماً ظبط أمورك كدة على بال ما آجي لك علشان نشوف عمولتك قد إيه.
دي هتبقى صفقة كبيرة يا أحمد بيه ومكسبها كبير.
بالتأكيد. لو تمت بنجاح مكسبها هيبقى عالي قوي.
عموماً ما تقلقش. مع بهجت بيه كل حاجة هتبقى في التمام.
هتف بها بغرورٍ فهتف أحمد بثقة:
آهو دا العشم بردو يا بهجت بيه.
...............
أنت تقرأ
رواية ولو بعد حين.، الجزء الأول
Romanceقالوا عنها خائنة فصدقهم وكذبها. حاول أن ينسى فظلم. حاولت أن تعيش فماتت. لم يعرف أنها تمتلك جزءً منه. ولم تعرف أنها ﻻزالت تمتلك قلبه إلى الآن. فهل سيتجدد اللقاء بينهما يوماً ما؟ هل سيعرف الحقيقة؟ وهل بعدما أصبح لكلٍ منهما طريقاً ستلتقي الطرق؟...