غطرسة

85 9 6
                                    

طرقَ هاروتو بابَ غرفةِ أخواته ، حيث يُفترَضُ أنّ كيكو موجودة ، هبَّ عليه هبّاً ، طرقَه خمسَ مرّاتٍ أفاقَتْ كيكو هلعاً من نومها ، قفزَتْ من سريرها و ركضَتْ نحو الباب ، لقَدْ كانَ مفتوحاً ، بيدَ أنّ هاروتو كان واقفاً في الخارج ، ليس لشيءٍ مُستجدّ ، في الواقعِ هذه عادةٌ من عاداتِ هاروتو ، لن تتغيّرَ مهما كبرَ و بعدَ عنهم ، لا يمكنُ أن يدخلَ غرفةَ أخواته دون أن يؤذنَ له ، حتّى لو كانَتْ فارغة ، و مهما كانَ مُحتدماً.
خرجَتْ إليه بعد خمسِ دقائق ضيّعتها على الخوفِ دون غيرِه ، و دون أن تصلَ إلى توقّعٍ واحد ، وقفَتْ أمامه ، تذكّرَتْ هنالك كلَّ شيء ، تذكّرَتْ مُذْ رأت حدقتيه الثّابتتين ، و جفنيه المرتجفين و وقفته الثّابتة ، كانَ يبدو غاضباً ، بل حانقاً ، بدا عليه أنّه يخنقُ حريقاً بيديه العاريتين ، لن يلبثَ أن يأكله و يأكلَها ، و لربّما هذا خيالُ كيكو المرتعبُ لا غير

_"ما.. ما بك؟"

تلعثمَتْ و تردّدتْ أكثرَ في السّؤال ، و طأطأتْ رأسها تماماً كما فعلَتْ في الحديقة ، غيرَ قادرةٍ على رفعِه خيفةَ أن ترى مخاوفها تتجسّدُ في وجهِ أخيها ، و انزعجَ هو _من جديدٍ_ إزاءَ هذا الأمر ، بل جُرِح ، و شُذِّبَ شيءٌ من انفعاله ، لا يمكنُ أن يغضبَ على كيكو هكذا ، لا يمكن.
تنفّسَ بعمق ، و بسرعةٍ يواري أفكاره جميعها ، ثمَّ قرّرَ إنهاءَ الصّمتِ المرعبِ هذا ، كلُّ الأحاديثِ مهما صعبت أهونُ منه

_"ألديكِ ما تخبريني به؟"

ازدردَتْ ريقَها في السّرّ ، حاولَتْ أن تتماسك ، كثيراً ، ثمَّ هزَّتْ برأسها إذ أدركَتْ أنّها لن تفلحَ مهما طالَ الوقت ، أومأتْ له بأنّ لديها ما تقول ، لقدِ استسلمتْ كيكو أمام خيالاتها و أفكارها و رجفةِ قلبها الصّغير ، استسلمتْ أمام رهابها تجاه ما يمكنُ أن يحدث ، تراخى جسدُها و تصلّبَ في ذاتِ الآن ، و بدأ الهواءُ يثقلُ في صدرها ، أين المهرب؟ لقَدْ وقعَ خوفها الأكبر ، و لا حلّ مهما حاولت أن تتلاعب ، لا حلّ.
دخلَتْ إلى الغرفةِ قبلما فعل ، راقبته و هو يسحبُ كرسيّاً من أمام المرآةِ و يجلس ، حتّى صورُ فنّانيها المُفضّلين أصبحت عائقاً ، لقَدْ نظرَ إليها بطرفِ عينه ، فيمَ تُراه يُفكّر؟ هل سيفتعلُ مشكلةً بسببها أيضاً؟
اهدئي كيكو! هو حتّى لم يفكّر في أمرها!

_"أخبريني إذاً"

تلفّظَ بحدّة ، بعدَ بضعِ دقائق من صمتٍ مهيب ، و سكت ، كانَ ينظرُ في الأرض ، مثله مثلُ كيكو ، لكنّه كانَ عاقدَ الحاجبين ، كانَ شاردَ الذّهنِ بطريقةً ما ، تائهَ الرّأي ، لم يثبت زورقُه في مرسىً ، لا يعرفُ أيستسلمُ للغضبِ أم يقمعه ، و لو اختارَ أيّاً من السّبيلين فكيفَ يسيرُ فيه؟ هو تائه ، تائهٌ تماماً.
مرّتْ دقائقُ أُخرى ، و لم تجب كيكو ، ظلّتْ تنتظرُ معجزةً عُظمى تحرّرها من هذا الموقفِ دون أن يرفَّ لها جفن ، لكنّ هذا لن يحدث ، لن يحدثَ و هي تتهرّبُ و تتهرّبُ بدلاً من البحثِ عن حلّ ، لن يحدثَ و هي لا تصلحُ في أمورها شيئاً ، تتوقّعُ أسوأ الأمورِ و تضخّمُها ، ثمَّ تهربُ منها فتحقّقُها بيديها ، لا لأنّها كانَتْ على حقٍّ في تصوّراتها؛
لحظَ أخوها الأمرَ بعد برهة ، و أقرَّ بأنّها لن تتحدّثَ على الإطلاقِ مهما انتظر ، و هنا ، قرّر من جديد أن ينهي سلطةَ الصّمتِ عليهما ، لن ينفعَ الانتظار

حديقةٌ و زنبق ~ يانغ جونغوونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن