مطرٌ و سُكّر

86 5 62
                                    

قرّرَ الطّفلان انتظارَ الغيثِ فوق الصّخر ، صحيحٌ أنَّه قَدْ تأخّرَ قليلاً ، لكنّهما قادران على انتظارِه إلى الأبد ، لا شيءَ يربطُهما في غيرِ مكان ، هما حُرّان هنا ، معاً ، كالعصافير.
تجمّعتِ الغيومُ فوق رأسيهما ، ملأتِ السّماءَ بوسعها ، و انتشرَ النّورُ في ثناياها على نحوٍ بديع ، بدءاً من الأطرافِ الظّاهرةِ بين المباني على مدِّ النّظر ، وصولاً إلى أعلى نقطةٍ تبان لجونغوون عندما يميلُ برأسِه إلى خلفَ و يتأمّل ، يُحِبُّ الغيوم ، و هذا المنظرُ بالذّاتِ مختلف ، رقيق ، عظيم ، و مبهر.
تنهّدَ مبتسماً؛
الوضعُ في البيتِ متوتّرٌ جدّاً ، بسبب كينجي على الأكيد ، بيدَ أنّ الطّفلَ في هذه اللّحظةِ غافلٌ عنه ، ليس يرغبُ في تشويهِ واحدةٍ من ألطفِ لحظاتِه ، ليس قادراً على ذلك ، قلبُه الصّغيرُ ما يزالُ غضّاً ، يبحثُ عن النّورِ و ينسى أيّامَ العتمة ، بل قلبُه أخضر ، قادرٌ على استعادةِ النّضرةِ حتّى لو غابَ عنه النّورُ وقتاً.
وضعَتْ يوري يدَها على يدِه ، فجأة ، فالتفتَ إليها ، كانتِ البنتُ تفكّرُ في درسِ العلوم ، و هو كانَ يفكّرُ فيها ، لا يعرفُ بالضّبطِ ما في رأسِه ، متعلّقٌ بها و به ، بطريقةٍ غيرِ حزينة

_"ووني ، هل الغيومُ فعلاً من بخارِ الماء؟"

درسُ العلوم؛
لمسَ رأسَها بحنوّ ، و راحَ يربّتُ و يمسحُ على شعرِها من فوقَ إلى آخرِ ضفيرتها الصّغيرة ، كانَ شعرُها ناعماً كيدِه ، ناعماً كقلبيهما معاً ، يُحِبُّ عندما يتلامسان هكذا

_"نعم ، تتبخّرُ المياهُ ثمَّ تصعدُ إلى السّماء و تتكاثفُ على شكلِ غيوم"

_"إذاً.. إذا بخّرنا إبريقَ ماءٍ نصنعُ غيمة؟ و إذا بخّرنا إبريقَ شاي؟ ستصبحُ غيمةَ شاي؟"

ابتسمَ مستلطفاً ، و زادَ في وسعِ ابتسامته بعدما تذكّر ؛ لقَدْ راودته هذه الفكرةُ منذُ وقتٍ طويل ، ربّما مُذْ كانَ في سنِّ يوري ، و قَدْ سألَ مُعلّمته أيضاً عن كيفيّةِ صنعِ غيومٍ من عصيرِ البرتقالِ أو الأناناس ، و خيّبتْ أمله طبعاً ، أجابته بأنّ ذلك مستحيلٌ و لذلك سببٌ لم يفهمه جيّداً حتّى بعدَما أعادَ التّفكيرَ فيه اليوم ، أخبرته أنّ كثافةَ العصيرِ و السّكّرِ..
لا لن يكمل ، لديه فكرةٌ أفضل

_"نعم ، لكنّها تحتاجُ سحراً يا يوري"

قطبتِ الطّفلةُ حاجبيها و طأطأتْ رأسها ، كانَتْ ستسألُه أيّ نوعٍ من السّحرِ تحتاج ، بصفته دورايمون ، بيدَ أنّها كتمتِ السّؤال و أغلقَتْ عليه الأبواب ، يقولون في البيتِ أنّ أسئلتها كثيرة ، لذلك تمتنع عن السّؤالِ في الخارج ، حتّى عن سؤالِ المعلّمات

_"انظري ، تلك الغيمةُ تنظرُ إلينا"

وجّهتْ نظرها مع أصابعه ، كانَ هنالك غيمةٌ فيها فراغان يشعّان نوراً ، فشعرَتْ بالرهبة؛ كان جسدُ وون يقشعرُّ أيضاً لهذا المنظر ، الغيومُ تراقبُهما كمثل ما يراقبانها ، هل الأمرُ مخيف؟ أم أنّ ذلك هو السّحرُ الذّي تحدّثَ عنه وون؟
زاغَ نظرُ يوري عن الغيمةِ بعد لحظات ، تبحثُ بين الغيومِ عن غيمةٍ مسحورةٍ أُخرى ، ربّما إحداها ستمطرُ عصيراً ، أو مطراً و سُكّراً ، أو شوكولاتةً باردة ، أو شاياً منكّهاً ، ستنتظرُ واحداً من هذه الأمور ، هنا ، إلى قربِ ووني.
دقَّتْ أجراسُ كنيسةٍ قريبةٍ و هما جالسان ، و خرجَ منادٍ لم يسمع من كلامه إلّا قليل ، تلك دقّاتُ الحدادِ على أحدِ الرّهبان الكبار ، تُوفِّي منذُ وقتٍ قليل ، و سوف تخرجُ جنازتُه.
كانَ الاثنان يفكّران في الدّقّات ، ينصتان و ينظران إلى السّماء ، لم يُفسَح لأحدهما المجالُ للصّلاةِ في هذه الكنيسةِ بالذّات ، جونغوون يعرفُ لماذا ، لا يمكنُ أن ينسى بخاصّةٍ و أنّ هذا التّفسيرَ بالذّاتِ ينطبقُ أيضاً على بعضِ مشاكله مع كينجي ، بينما يوري لا تفعل ، لا تعرفُ لماذا تأخذُها أُمُّها إلى بعضِ الكنائسِ دون غيرها ، و لا تُحِبُّ عندما يحدثُ هذا.
تنهّدَ وون ، و ألقى نظرةً جديدةً على السّماء ، مُفعمةً بروحٍ جديدةٍ مُحبّة ، اللّٰه قريب ، قريبٌ قريب ، لا ينظرُ إليه كما يفعلُ كلُّ هؤلاء النّاس ، ليس كمثلهم

حديقةٌ و زنبق ~ يانغ جونغوونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن