كلُّ زهرة

94 11 59
                                    

أسدلَ اللّيلُ ستائرَ عتمته ، و اشتعلَ المكانُ بوحشةٍ مخيفة ، إلّا عند يوري و وون ، كانَتِ الأضواءُ الكهربائيّةُ في الشّارعِ بحلاوةِ النّجوم ، و الظّلمةُ و السّكينةُ رفيقين ناعمين ، يحميانهما من غدرِ الظّروف؛
وون يخشى أن يصادفهما كينجي فيخرّبَ عليه كلّ شيءٍ كما طالما فعل ، أو أن يراهما أحدٌ من أهلِ يوري و يفتعلَ مشكلة؛
إذا علمَ هاروتو أنّها خارجَ البيتِ حتّى هذا الوقتِ سيُجَنُّ جنونُه ، و لو علمَ أنّها تتمشّى في الشّارعِ مع جونغوون ، سيصلُ الأمرُ إلى أبعدَ من الجنون ، هي تعرفُ ذلك جيّداً ، و لا تأبهُ به كثيراً ، هي سعيدة ، سعيدةٌ و لا تريدُ أن تعكّرَ مزاجها بأيِّ فكرةٍ أُخرى ، لو كانَ هاروتو سيقتلُها فيما بعد ، لا بأس ، فليفعل ، و لكن بعدَ أن تقضي وقتها مع وون.
جلسَ الاثنان على الصّخور كما في طفولتهما ، الصّخورُ أضحَتْ ضئيلةً على ساقيهما ، لكنّها غيرُ مزعجةٍ على الإطلاق ، بل مُبهجة ، كالفراشاتِ و عبقِ زهرِ اللّيمونِ في صباحاتِ الرّبيع ، و كريحِ التّرابِ في يومٍ مُمطرٍ من أيّامِ الخريف ، و كصوتِ الكنائسِ في عصرِ يومٍ مشمس ، مشاهدُ روتينيّة ، باعثةٌ على حنينٍ رهيبٍ لا يعرفُ المصابُ به إلى أين يصبّ ، يغدقُ الرّوحَ كما لو كانَ شيئاً من سحر ، ثمّ يتركُها عزلاء ، لا تعرفُ إلى أين تأوي.
تنفّسَ وون بعمق ، ثمَّ نظرَ إلى يوري ، لمسَ شعرها بحذر ، مسحَ عليه بهدوءٍ شديد ، و عندما وجدَها لا تمانعُ ذلك ، بعثره كما كانَ يفعلُ في طفولته ، بشغف.
كانَت قَدْ علّقَتْ زهرةً في إحدى خصلاتِه فيما سبق ، زهرةَ ياسمينٍ أبيضَ قطفتها من حديقةِ بيتِ الأجانبِ و هي مع وون في الطّريق ، ذلك البيتُ فيه طالباتٌ من كافّةِ أنحاءِ العالم ، كنّ يتغيّرن ما بين كلّ فترةٍ و أُخرى ، و كانَتْ كيكو تتعرّفُ إلى كلِّ بنتٍ جديدةٍ معهنّ ، إلى أن انتقلت كيكو و تغيّرَ الجميع ، سافرَ الجميعُ بلغةٍ أُخرى ، ظلّتِ اثنتان منهنّ فقط تتردّدان على البيت ، الفتاتان اللتان زرعتا الحديقةَ بالوردِ و الياسمين و النّارنج ، لم ترهم منذُ فترةٍ طويلة ، تتمنّى لو أنّها تفعل.
نزعَ وون الزّهرة ، و أخذَ يقلّبُها بين راحتيه الدّافئتين ، برفقٍ شديد ، حذراً من أن يفسدَ نضرتها أو يقطّعَ أوراقها

_"قرأتُ شيئاً ما منذُ فترة"

_"ما هو؟"

_"أنّ كلَّ زهرةٍ تزهرُ في أوانِها ، أضيفُ إليها أنّها لا تدركُه ، أي لا تعرفُ متى ستزهر"

نظرَ نحو يوري في النّهاية ، و أظهرَ ابتسامةً دافئةً رقيقة ، لديه رغبةٌ في توكيدِ فكرته ، مع زنبقته الصّغيرة ، التّي ما تزالُ برعماً أخضرَ و لم تنضج بعد ، أمامها طريقٌ طويل ، و يسعدُه أن يتابعَ معها هذا الطّريقَ حتّى نهايته ، يتمنّى

_"كلُّ زهرةٍ تزهرُ في أوانِها ، و لا تدركُه"

_"و تذبلُ أيضاً"

حديقةٌ و زنبق ~ يانغ جونغوونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن