السّاعةُ التّاسعةُ و الرّبعُ مساءً ، الغيومُ متكدّسةٌ في السّماءِ و لونها الغامقُ أقربُ إلى النّورِ منه إلى الظّلمة ، ريحُها الرّطبةُ تنعشُ روحَ وون المُنتَظرِ في ساحةِ اللّعب ، و تعيدُ إلى رأسِه مجموعةً أدبيّةً لا بأسَ بها من الاقتباسات ، لقَدْ قرأ كثيراً عن المطر ، الأدباءُ و العامّةُ و المتعلّمون و الجاهلون و المتديّنون و اليائسون و العاطلون و العاملون و السّيّئون و الأخيارُ و الرّجالُ و النّساءُ و الشّيوخُ و الأطفالُ يُحِبّون المطر ، مجموعةٌ واسعةٌ تضمُّ النّاسَ أجمع ، و تستثني في أحوالٍ نادرةٍ بعضَ هواةِ المقتِ و بعضاً ممّن انتظروا جوّاً مغايراً ، للعبِ كرةِ القدمِ مثلاً؛ المطرُ ضيفٌ لم يكن خفيفاً يوماً ، كانَ بثقلِ الخير ، و الخيرُ ثقيلٌ ثقيلٌ إلى درجةِ الخلود ، الخيرُ خالدٌ في ذكراه ، خالدٌ في محبّةِ اللّٰه له ، خالدٌ لأنّه الخير ، لا ينزاحُ من حيث حلَّ أبداً و لو أنكره النّاس.
تمدّدَ وون على العشبِ كما كانَ يُحِبُّ في طفولته القريبةِ البعيدة ، و استنشقَ ريحَ ما قبل المطرِ باستمتاع ، هو في انتظارِ يوري لتأتي و تشاركَه هذه الجلسةَ اللّطيفة ، و يوري تتأخّر اليوم ، كما يتأخّرُ المطر.
لم يحاول قمعَ خياله مع تعمّقِ اللّيل ، كانَ يتذكّرُ شكلها هنا و هناك ، و يتخيّلُها إلى قربه كما تجلسُ البطلةُ إلى قربِ البطلِ في الأفلامِ الرومنسيّةِ الهادئة و في الرّواياتِ الرّائقة ، هو راضٍ بطريقةٍ ما ، حتّى لو لم تأتِ و حتّى لو تركته ينتظرُ طوالَ اللّيلِ دون خبر ، كانَ تخيُّلُها ممتعاً ، موقظاً للحواسِ و العواطف ، كما أنّه يتفهّمُ أيّ شيءٍ قَدْ تفعله ، فقَدْ سمعَ بالصّدفةِ البحتةِ أنّ هاروتو قادمٌ من السّيّدِ نيشيمورا صاحبِ المكتبة ، لقدِ انشغلَ بدوامه المدرسيِّ الطّويلِ و لم يزره اليومَ أيضاً ، خسارة ، كانَ راغباً في ترتيبِ المكتبةِ برفقته.
نهضَ بعدَما لحظَ مرورَ نصفِ ساعةٍ على الموعد ، و أكثر ، نفضَ ملابسَه ، و فركَ ساعديه بحيثُ يدفّئ بدنه ، الجوُّ باردٌ جدّاً ، و يزدادُ برودةً كلّما مرَّ الوقت ، كأنّما يطالبُه بالرّحيل ، هو يشعرُ أنّ الوقتَ يمضي ، أنّه يغادرُه بلا عودةٍ و يتركُه حائراً فيما كانَ يجبُ فعله ، لم يصلِّ اليومَ بعدُ أيضاً ، لوون فكرةٌ لطيفةٌ عن الصّلاة ، يقولُ لنفسه أنّ كلماته في أثنائها و لو لم تُسمَع في الأرض ، فهي تلفُّ رحابَ السّماء ، يشعرُ أنّها السّبيلُ الوحيدُ لسماعِ ضجيجِ دواخله ، أنّ اللّٰه هو الوحيدُ المهتمُّ بسماعه ، و هو الوحيدُ الذّي يفهمُه ، يفهمُه أكثرَ من نفسه حتّى لو ما تكلّم
'أُحِبُّكَ يا إلهي'
رفعَ رأسه إلى السّماء و تمتمَ بين أنفاسِه المستغرقةِ في شعورٍ لا يدركه ، حُبُّ اللّٰه عبادةٌ قدسيّةٌ بحدِّ ذاتها ، كانَ أبوه يخبره بذلك يوم كانَ طفلاً؛
تنهّدَ تنهيدةً مُثقلةً ثمّ ابتسم ، هو في حاجةٍ إلى لحظةِ صفاءٍ بعدَ كلّ ثانيةٍ تمرُّ عليه ، لقَدْ أتعبَه عقلُه ، أثقلَ حمله و أنهكَ مقدرته ، هذا يكفي ، يجبُ أن يجدَ حلّاً ، مأوىً شبهَ دائم ، ليس هنالك ما هو دائم ، ما يريدُه هو شيءٌ غيرُ متزلزل ، شيءٌ لا مجالَ للشّكِّ فيه ، أهو صعبٌ إلى هذا الحدّ؟
تنهّدَ من جديد ، ثمّ ابتدأ السّيرَ إلى ناحيةِ نافذةِ يوري ، يريدُ أن يتأكّدَ من أنّها
لن تأتي بعد أن يغادر ، استرقَ السّمعَ إلى ما داخلَ الغرفة ، سمعَ بكاءَ طفلٍ صغير ، و في نفسِ اللّحظةِ صدرَ صفيرُ الرّيحِ و أصابه بردها ، كانَتْ لحظةً غريبةً جدّاً ، لكنّه لم يعلّق ، هو لا يُحِبُّ الأطفالَ ربّما ، و ربّما يفعل.
يبدو أنّ بعضَ أقرباءِ يوري قَدْ مرّوا عليهم للزّيارةِ أيضاً ، أو ربّما.. بل لا بدّ من أنّ هذا طفلُ أختها ، يوري خالةٌ الآن ، الأمرُ ظريف ، ظريفٌ جدّاً.
استدارَ راحلاً ، و في قلبِه غصّةٌ لم يعِ بسببها تمامَ الوعي ، يريدُ لو يراها بعد ، يراها و لو قليلاً ، يريدُ أن يكونَ شابّاً طبيعيّاً مُرحّباً به بينهم ، جاراً على الأقلّ في إمكانِه إلقاءُ السّلام ، بيدَ أنّه محرومٌ أبسطَ حقوقه ، فقط لأنّ الملعونَ كينجي خالُه ، ذلك الذّي يقضي وون حياته ساعياً للتّخلّصِ منه ، و السّببُ الأكبرُ في خرابِ هذه الحياة ، هو ذاتُه الذّي لا يقبلُ الاعترافَ به لأنّ أباه يتبعُ لغيرِ نهجٍ دينيّ ، أصبحَ انتماءُ شخصٍ مثل كينجي إلى عائلته بالاسمِ عائقاً أمامه ، ليته يموتُ و ينتهي الأمر ، لن يخجلَ وون من الاعترافِ بهذه الأمنيةِ بعد الآن
أنت تقرأ
حديقةٌ و زنبق ~ يانغ جونغوون
Fanficأتعرفين؟ إذا فارقَ أحدُنا الآخر في يومٍ من الأيّام سيدعو لأجله و سيزورُ الحديقة سيراه هنا ، حيث التقاه لأوّلِ مرّة لن نفترقَ أبداً جونغوون و يوري في حديقةِ الزّنبق تمّ صنعُ الغلاف بوساطة المُبدعة ميساء: @maigrphx 27/04/2024🌷 22/12/2024🌷 ملاحظة؛ تن...
