في مهبِّ الرّيح

86 9 188
                                    

_"شعرتُ أنَّ مكانتي مُهدّدة ، هل تفهمُني جايهيون؟"

هل يفهمُه؟
أضواءُ المكتبةِ الخافتةُ تلمعُ في عيني فتاةٍ جالسةٍ إلى إحدى الطّاولات ، كتابُها أمامها لا ينالُ من تركيزِها إلّا ما قلّ و لم يُذكَر ، كانَتْ تسترقُ السّمعَ إلى الشّابّين الواقفين في زاويةِ المكتبة ، إلى جانبِ طاولةِ إعدادٍ صغيرةٍ عليها آلةُ قهوةٍ و كؤوسٌ من البلاستيك ، هناك يعملُ جونغوون ، الشّابُّ الذّي تطمحُ إليه منذُ عامٍ و نيّفٍ و لم تجرؤ على أن تقربَه حقَّ الاقتراب ، ظلّتْ تشاهدُه عن بعد ، تشاهدُ بؤسَه البائنَ في عينيه النّاعستين ، و تشاهدُ تحوّلَ كلِّ ذلك ما إن تطأ تلك البنتُ الصّغيرةُ أمام عينيه ، كلُّ شيءٍ يتغيّر ، يصبحُ سعيداً و ناعماً و يصغرُ ثلاثَ أعوامٍ أيضاً ، و تغادرُ هي في ذلك الوقتِ لئلّا تعرفَ ما تعرفُه سلفاً ، تريدُ أن تظلَّ و الآمالُ معاً ، حتّى لو كانَتْ كاذبةً تماماً ، ها هو يتحدّثُ عنها الآن أيضاً.
نهضَتْ أخيراً ، أعادتِ الكتابَ إلى مطرحِه في رفِّ الكتبِ الخياليّة ، ثمّ توجّهت نحو وون لكي تدفعَ له ثمنَ القهوةِ التّي طلبتها منذُ وقت ، لم يبدُ مرتاحاً فعلاً ، لذلك تردّدت ، و حاولتْ أن تكونَ أكثرَ حذراً معه ، لا تريدُ أن يكسرَ قلبها حتّى لو كانَ ذلك الأمرُ قدراً محتّماً لا مهربَ منه ، سيكسرُها شاءت أو أبت..

_"تفضّل"

_"شكراً"

التقطَ وون المالَ سريعاً منها ، و شكرَها بلهجةٍ جافّة ، لم ينظر في وجهها على الإطلاق ، تلك ليسَتْ من عاداته ، هو لا ينظر إلّا في عيني تلك البنت.. فقط..
كم تحسدُها!
جرّتْ أذيالَ خيبتها خلفها ، غادرتِ المكتبةَ و كلُّها أملٌ أنّ الحديثَ الدّائرَ بين جونغوون و صديقِه سينتهي إلى فضِّ تلك العلاقةِ المميّزةِ مع البنتِ الصّغيرة ، هي أصغرُ منه بكثير ، على العكسِ منها ، هي في مثلِ عمره تقريباً ، و تُحِبُّ الأدبَ مثله ، و معه طوال الوقتِ تقريباً ، فلماذا هي؟ لماذا يوري و ليست هي؟

_"ليتها تموت"

فحّتِ الهمسةُ فحيحَ الأفعى في رأسِ جايهيون ، كانَ قبلَ ذلك يصغي بإمعانٍ إلى صديقِه التّائهِ في رأسه ، ثمّ ضاعَ كمثله بين الاحتمالاتِ و الأفكار و الهلاوس؛
تلك البنتُ غريبةٌ جدّاً ، كما أنّ وون لا يفصحُ له عن شيءٍ تقريباً ، حكى له عمّا حدثَ في البداية ، ثمّ أضحى يكرّرُ ذاتَ الجملةِ بصيغٍ مختلفةٍ في كلّ مرّةٍ و على طولِ نصفِ ساعة ، و ينكرُ كلّ صيغةٍ لا يأتي هو على ذكرها؛
يسأله جايهيون إن كانَ يغار ، فيجيبه بأنّه فقط يشعرُ بالخطر ، يعودُ و يقاطعُه بقولِ أنّه يبالغ ، فيجيبُ بأنّه خائفٌ من نفسه ، بل لا يستطيعُ تحديدَ شعوره في كلمات ، ثمّ يسكت لبرهة ، يعيدُ بعدها ذاتَ جملتِه الأُولى ، كانَتْ حلقاتٍ مُفرَغة ، لم يعرف الاثنان كيف ينتهيان منها إلى حلٍّ أو حتّى إجابة ، و لن يفعلا ، على ما يبدو

حديقةٌ و زنبق ~ يانغ جونغوونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن