عمراً بطوله

72 8 59
                                    

ما يزالُ يومُ الانتظارِ يزيدُ في طولِه ، المقتُ يعتمُ على رؤيةِ جونغوون ، يسحبُ ألوانها الزّاهيةَ و يبقي على بهتٍ مُؤسفٍ يغطّي كلَّ شيء ، جونغوون يأسفُ لنفسه ، يأسفُ لأنّه عديمُ الحيلة ، كلّ شيءٍ حاولَ فعله لأجلِ نفسه باءَ بالفشل ، كلّ قيامةٍ أقدمَ عليها انتهَتْ به واقعاً على رأسه ، يشعرُ بأنّه وحيدٌ جدّاً في هذا العالمِ الكبير ، لا عائلةَ له و لا مُؤنساً يستطيعُ سماعه الآن ، وحيدٌ جدّاً.
عادَ إلى البيتِ في تمامِ السّابعة ، و توجّهَ مباشرةً إلى غرفته ، لم يخلع حذاءه و لم يلقِ السّلامَ على أحد ، كانَ كينجي و والدتُه في البيت ، و طفلُها  إلى حضنها ، لم ينظر كثيراً ، و ليس يريدُ أن يفعل.
أغلقَ البابَ بخفّة ، و جلسَ فوقَ سريرِه المفروشِ بغطاءٍ باردٍ لم يختره ، كانَ يُحِبُّ وضعَه في وسطِ الغرفة ، لكنّ والدته غيّرتْ ذلك مُذْ نظّفتها لآخرِ مرّة ، وضعتْه في الزّاوية ، و احتُجِزَتْ حريّةُ وون في نومِه حتّى.
راقبَ الخزانةَ الجديدةَ التّي ابتاعتها له عوضاً عن القديمة ، خزانةً خشبيّةً جامدةً لا يشعرُ أنّها ملكه ، فلا يضعُ ملابسَه إلّا على الكراسي و الطّاولاتِ و السّرير ، لقَدْ أُخِذَتْ خزانتُه القماشيّةُ المزيّنةُ بصورةٍ كرتونيّةٍ كبيرةٍ إلى غرفةِ أخيه الأصغر ، كانَ يُحِبُّ تلك ، و لو أنّها صغيرةُ الحجمِ و لا تصلحُ إلّا للأطفالِ الأصغرِ سنّاً ، كانَتْ تشبهه ، تشعرُه بالأُلفةِ في مكانٍ يُفترَضُ أن يكونَ مكانه ، و لكن لا بأس ، لا مشكلة..

_"جونغوون"

_"هنا"

ردَّ تلقائيّاً ، و اعتدلَ في جلستِه ريثما دلفَتْ أمُّه إلى الغرفة ، لم ينظر إليها ، كانَ يعقدُ ساعديه في حجره و يهرّبُ ناظريه تارةً إلى الأرضِ و تارةً إلى النّافذة ، ليس يريدُ رؤيتها ، لقَدْ قضى قدراً كافياً من الوقتِ وحيداً حتّى يغضبَ من جديد ، وحيداً ساكتاً أمامَ هولِ أفكارِه و ذكرياته ، ليس يرغبُ في رؤيةِ أحد

_"ما الأمرُ حبيبي؟ لا تبدو على ما يُرام"

_"أنا بخير ، مجرّدُ صداع"

ابتلعَتْ جوفها؛
كانَتْ قادرةً على رؤيةِ المسافةِ ما بينها و بين ابنها الحبيبِ و هي تنمو و لا تُردَع ، لقَدْ كانَ جونغوون رفيقَ حياتها ، الولدَ المهذّبَ المتعطّشَ للمعرفة ، كثيرَ الضّحكِ و الضّجّة ، ها قَدْ شبَّ بعيداً و هو أمامها ، شبَّ على نحوٍ مختلف ، غريب ، أضحى هادئاً جدّاً ، لا يعودُ إلى البيتِ و لا يُناقَشُ في شيء ، ما عادَتْ ترى ابتسامته إلّا فيما ندر ، و ما عادَ يجالسُها و يحكي لها قصصَ الأطفالِ في الحيّ ، و لا يشاركُها آخرَ ما قرأ ، لقدْ تغيّرَ جونغوون ، ربّما قبل أن شبّ ، بيدَ أنّها كانَتْ تخشى أن تلاحظ.
جلسَتْ إلى جواره بعيدَ لحظات ، و مسحَتْ على شعرِه رغبةً في التّقرّب ، لم يمانع ، ليس لأنّه لا يفعلُ فعلاً ، و إنّما لأنّه وجدَ الممانعةَ من قلّةِ الأدب

حديقةٌ و زنبق ~ يانغ جونغوونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن