رمدٌ و عمى

155 16 110
                                        

_"لا أريدُ أن أموتَ وحيدة! لا أريد! لا أحدَ منكم يفهمُني! لم يحدّثني أحدٌ منذُ عشرِ سنوات! لا أحدَ سيفعل! سأموتُ هنا وحيدة!"

كانَتْ تلك الجملُ تتردّدُ على رأسِ يوري منذُ أيّام ، مرّةً و اثنتين و عشراً ، تعيدُ نفسها كلّما سكنتِ الأصواتُ الأُخرى ، و تشعرُها بالذّنبِ لأنّها..
لا تعرفُ لماذا تشعرُ بالذّنب ، لا تميّزُ ما إن كانَ ذنباً حتّى ، هي تشعرُ بثقلٍ في جوفها مُذْ رأتْ ناري و هي تصرخُ و تصيحُ و تبكي ، و تدخلُ غرفتها أمام هاروتو الذّي كانَ على وشكِ ضربها لكثرةِ ما كانَ محتدّاً ، و أمسكَه أبوه و جيسونغ بنعمةٍ من اللّٰه عن اللّحاقِ بها ، و لم تعرف ، أهو نادمٌ على ردِّ فعله أم أنّه سيعيدُ الإقدامَ عليه ما إن تحينَ الفرصة؟
جيسونغ كان في زيارةٍ إسعافيّة ، دون علمِ عائلته ، اتّصلَ به العمُّ واتانابي مستنجداً ، ليس لوحده قادراً على ردعِ انفاعلاتِ ابنه العصبيّة ، و لولا ذلك ، لما جاءَ جيسونغ و لا اقتربَ من البيتِ لا هو و لا زوجه و لا ابنه؛
ناري فكّكتِ العائلةَ بالمعنى الحرفيّ للعبارة ، أصبحَتْ و أمُّها في حزب ، أبوها و هاروتو في حزب ، و الحزبان غير متّفقين بين بعضهما ، و كيكو و جيسونغ و ابنهما في كوكبٍ مختلف ، و ظلّتْ يوري تحومُ بين الجميع ، لا تتلفّظُ بحرفٍ لئلّا تفتعلَ مشكلةً جديدة ، و تحاولُ ألّا تتعاملَ معهم في ذاتِ الوقتِ لأنّها كذلك مجروحةٌ و لا أحدَ يفهمُ حقيقةَ جروحها أو يحاول ، تجلسُ منذُ أيّامٍ في غرفتها ، تخرجُ إلى المدرسةِ و تعودُ إليها ، خرجَتْ فحسبُ إلى محلِّ جايهيون عدّةَ مرّاتٍ لأجلِ الزّهر ، لا شيءَ يتغيّر ، لا شيءَ يهونُ مع الوقت ، كلُّ شيءٍ يسوء ، كلُّ ضيقٍ يزداد ، و الأمورُ إلى أسوأ فأسوأ.
كانَتْ يوري قادرةً على استشفاءِ قليلٍ من الجروحِ _مؤقّتاً_ إلى قربِ ريكي ، الذّي يغطّي على آلامِه و آلامها معاً بكوميديا مستمرّة ، و يرى ما وراءَ ابتسامتها الخفيفة ، يرى روحها من وراء كلِّ الأقنعةِ و كلِّ الألوانِ الفاشلةِ التّي تصطنعها أمام النّاس ، و يوري ، يوري و بحكمِ العمرِ الذّي جمعهما تراه شفّافاً ، تعرفُ متى يكذبُ و تشعرُ بقلبه الصّغيرِ كما لو كانَ مخلوقاً قربَ ضلوعها ، تعرفُ توصيفَ حاله عندما يصبحُ صعبَ المرأسِ كثيرَ السّخرية ، و عندما يكثرُ من النّكاتِ و التّنمّرِ على هذا و ذاك ، و عندما يغضبُ بسهولة ، و عندما يفترُ وجهه ، أبوه يصعّبُ عليه حياته ، تعرفُ هذا ، يخبرُها أحياناً كيف يقفُ ضدّه و لو كانَ على حقّ ، كيف يوبّخُه مهما فعلَ و لا يحاولُ سماعه أبداً ، و لا في أيّةِ حال ، حتّى لو اعتذرَ منه و كلّمه بهدوءٍ على الرّغمِ من أنّ هذه ليسَتْ من عاداتِ ريكي ، هو يكرهُه ، و لكنّه لا يعترفُ بمعاناته في حضرته ، لا يعترفُ على الإطلاق

...

كانَ الصّديقان يترافقان من جديدٍ في شوارعِ المدينةِ الفارغة ، اليومُ مميّزٌ بطريقةٍ ما ، بل مختلف ، مختلفٌ في أنّ أحداً لا يعرفُ مشاعره فيه ، لا يميّزُ ما إن كانَ قلقاً أم مهموماً أم سعيداً ، لا ، لا مكانَ للسّعادةِ في هذه الدّوّامةِ المُعتمة.
استندَتْ يوري من جديدٍ إلى ذراعِ ريكي ، و مالَ ريكي ممازحاً لكي يوقعها ، ثمَّ اعتدلَ في وقفته و أسندَها إليه ، و لم تؤتِ بردّ فعل ، في الواقع لم تكن تشعر بحركاته تماماً ، كانَتْ عالقةً في رأسها كما لو كانَ سجناً عملاقاً ، تتحرّكُ معه حيث يفعل ، بهدوء.
تنهّدَتْ بعد دقائق ، و ظلّتْ ساكتةً مأخوذةً بتدافعِ الأفكارِ الثّقيلةِ غير المفهومة ، هي تفكّر ، لا تعرفُ فيما ، لكنّها تفكّر

حديقةٌ و زنبق ~ يانغ جونغوونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن