كانَ هاروتو واقفاً في مكانِه منذُ برهة ، أمام محلِّ أبيه ، و أمام عينيه المشتاقتين إليه ، يحدّقُ في شجرةٍ صغيرةٍ ذاتِ أوراقٍ خضراءَ نضرة ، هذه الشّجرةُ مزروعةٌ في مكانِ شجرةٍ أُخرى يتذكّرُها الحنونُ جيّداً ، كانَتْ شجرةً كبيرة ، شجرةَ أكاسيا عطرةٍ لها زهرٌ أبيضُ و ريحٌ ناعمة ، كانَ يأتي إلى هنا مع كيكو و يحملُها إلى جذعها ، و كانَ يجلسُ مستنداً إليها في بعضِ الأحيانِ عندما يحتاجُ وقتَ خلوة ، أخبرَه أبوه أنّها لم تنتظر من يسندُها في العامِ الماضي ، فهوتْ أرضاً؛
لقَدْ كبرت ، قالَ أبوه ، عمرُها يزيدُ على الأربعين عاماً و هذا نادرٌ في فصيلتها ، لقَدْ ماتَتْ واقفة ، شامخة ، ثمَّ وقعَتْ على الأرضِ التّي فيّأتها طوال هذه السّنين ، يكادُ هاروتو يبكيها في داخله ، لكنّه في الظّاهرِ يبتسم ، يبسمُ بهدوء.
نظرَ أبوه إلى بدايةِ الشّارع ، لاحَ له ظلُّ بنتٍ تركضُ هناك ، هذه على الأكيدِ يوري هاربةٌ من الحصّةِ الأخيرةِ كالعادة ، لا تستمعُ إليه في هذا الخصوصِ أبداً مهما حدّثها ، و هو يتفهّمُ رغباتها هذه أحياناً ، المهمُّ أنّها تهربُ لتأتي إليه ، و لكن ، هنالك لاعبٌ جديدٌ في الرّقعةِ لن يتفهّمَ كثيراً ، و ستوقعُ نفسها في المشكلةِ الحقيقيّةِ معه بعد قليلٍ ما لم تنتبه.
لحسنِ حظّها ، كانَ طريقُها قدِ افترقَ عن طريقِ ريكي مبكّراً اليوم ، قبل أوّلِ الشّارع ، في الواقعِ ريكي راغبٌ في رؤيةِ العمِّ واتانابي و محادثته ، فقَدْ أحبَّه كثيراً و ألفه قلبُه منذُ اللّحظةِ الأولى ، بيدَ أنّ وقتَه ضيّقٌ مع الأسف ، أمامه عملٌ إذا لم ينفّذه سيسلّطُ عليه مراقبةَ أبيه الفظيعة ، و على أيّةِ حال ، لم تكن يوري ستأخذُه إلى المتجرِ اليوم ، أوّلاً لأنّها ستغادرُ مع أبيها إلى المستشفى لمقابلةِ ابنِ أختها ، و ثانياً لأنّها سئمتْ من تصرّفاته حتّى لو تصالحا ، ربّما كانَ سيخبرُ أباها ببعضِ الأسرارِ ليستفزّها و يوقعها في المشاكلِ و لكي يبتزّها أيضاً ، حتّى لو قالَ أنّه لن يفعل ، ليس صادقاً.
كانَتْ تسابقُ نفسها في ذلك الوقت ، تتحدّاها بأنّها لن تصلَ قبلَ الرّقمِ مئة ، و تردُّ قائلةً في ذاتِ الوقتِ أن لا أحدَ يتحدّى البطلة! ستصلُ برغمِ أنفِ الأعداء!
و عندَ الرّقمِ سبعةٍ و سبعين ، أي قبلَ المتجرِ بقليل ، توقّفَ العدّ ، و توقّفتِ اللّعبةُ و المنافسةُ و توقّفَتْ يوري ، لقَدْ رأته ، رأتِ الغالي واقفاً أمام المحلّ ، يتابعُها..
لم تره منذُ عامٍ كاملٍ و أكثر من ذلك ، كانَ هنا لأجلِ زفافِ كيكو فقط ، و لم يبقَ أكثرَ من يومين قضَتْ أحدهما بعيدةً عنه ، لم تشبع اشتياقها لحضورِه و لا بأيِّ شكلٍ من الأشكال ، هاروتو عادَ الآن ، عادَ الغالي.
تشهّقتْ بغيرِ قصد ، و اغرورقَتْ عيناها بالدّموعِ مع أوّلِ ابتسامةٍ رُسِمَتْ في وجهه لأجلها ، ثمّ لم تعد تعي بشيء ، أجهشَتْ بالبكاءِ في الشّارع ، أوشكتْ على أن تنوحَ أيضاً لولا أمسكتْ نفسها_"هاروتو!"
_"عيونُه"
مشى نحوها برزان ، ثمَّ التقطها بين ذراعيه بحنوِّ الأبِ و أغلى ، توّجَ رأسها بعدّةِ قُبَل ، و في هذه المرّة ، لم يقمع دموعه ، تركَها تنسابُ على خدّيه بصمتٍ رقيق ، هاروتو نادمٌ لأنّه عاشَ حياته بعيداً و لم يحقّق شيئاً ممّا كانَ يسترئيه في شبابه الماضي ، كلّما أحسّ بأنّها تكبرُ بغيرِه عادَ النّدمُ و هيمنَ على صدرِه فأضاقه ، يريدُ أن يعيشَ معها مراحلها واحدةً واحدة ، لا أن يسمعَ أخبارها عبرَ الهاتفِ فحسب ، أليسَتْ طفلته؟
أنت تقرأ
حديقةٌ و زنبق ~ يانغ جونغوون
Fanfictionأتعرفين؟ إذا فارقَ أحدُنا الآخر في يومٍ من الأيّام سيدعو لأجله و سيزورُ الحديقة سيراه هنا ، حيث التقاه لأوّلِ مرّة لن نفترقَ أبداً جونغوون و يوري في حديقةِ الزّنبق 27/04/2024🌷 ???🌷 ملاحظة؛ تنتمي هذه الرّوايةُ إلى الحديقةِ السّرّيّةِ التّي تحتوي عل...