مشهد خاص- مهد الحضارات

19.1K 1.3K 230
                                        

"روايـة غَـــوثِـهِـمْ"
"مشهد خاص_ مهد الحضارات"
    
                     "يــا صـبـر أيـوب"
               ________________‏

حين تعود لماضيك وتراه بعينيك قد يُخالجكَ أحد الشعوريْن..
فَرُبما تشتاق وتحنُ يومًا الذي كانَ، ورُبما تهرب يومًا من الذي كان، وبين الشعورين من المؤكد أنك سوف تفتقد ذكرياتٍ كانت لكَ ذات يومٍ عُمرًا بأكمله، لأن مع كل ذكرى تركت منها شيئًا منك جعلك مفقودًا بالكلِ عند حاضرك، وبمجرد أن تذهب لماضيك سوف تجد ما كنت عليه ذات يومٍ..

"أنتِ لستِ الوحيدة التي خلقها الإله في الدنيا لكنك أنتِ الوحيدة التي خلقها الإله في قلبي"
«الملك أخناتون مخاطباً زوجته نفرتيتي»

                        *************

بيتٌ ذو فناءٍ واسعٍ رملي..
مهدُ الحضارات ومُلتقاها وسط الكلِ كما موقع موطنه، مكانٌ يشهد التاريخ بالحضارة ويوثق مرور الزمان عليهِ، هُنا حيث تقف فوق أرضٍ حُفِرَت فوقها معالم التاريخ وحملت اسم الماضي وزمانه، وقد وقف هذا الذي يُحب الحضارة واقترن بها منذ صغرهِ بعيدًا عن حشدِ الجالسين يبتسم وهو يرى ابنه يحتضن الخيل من قدمهِ، التقط بعينيه الخطاب الذي قد كتبه لزوجته منذُ زمنٍ وتركه فوق الحائط ثم قام بحفرهِ لتصبح مُجوفة لا يمحوها الزمانُ..

اقترب منه "مُـحي" يحمل ابنته فوق ذراعه وهو يقول بضحكةٍ واسعة يشاكسه بها:

_أنتَ قاعد كدا عادي وسايب أجدادك في ليلتهم؟ تلاقيك مبسوط يا "إسماعيل" أنتَ باللي بيحصل دا، مع إني مش عارف الخناقة دايرة بينهم على إيه؟ دول مولعين في بعض.

رفع "إسماعيل" عينيه وقال ببسمةٍ هادئة:

_على فكرة مابكرهش في حياتي قد الجدال، اليهود برضه كانوا بيفضلوا يجادلوا ويتكلموا وفي الآخر خسروا كل حاجة، الفكرة مش فكرة جدال يا "مُـحي" قد ما هي حاجة غير دي خالص، حاجة تشرف وتخلي الإنسان مبسوط، مصر طول عمرها مهد الحضارات، مصر جه التاريخ فيها، سر الأهرامات اللي لسه محدش قدر يوصله، والإبداع في الفنون، تخيل مدينة واحدة فيها تـلت أثار العالم، ولحد دلوقتي من أيام الفراعنة وهي بتتسرق، وجه عليها الإسلام لما "عمرو بن العاص" رضي الله عنه وأرضاه فتح مصر الفتح الإسلامي، مصر جه عليها كل الحضارات ولسه لحد دلوقتي عندها لغة منفردة، عندها منطقة حرة، عندها حضارة خاصة بيها هي لوحدها، فدي حاجة مفيش جدال فيها.

انتبه له صغيره وقد أتت "دهـب" ابنة أخيه وهي تقول بحيرةٍ:

_يعني التماثيل دي هي اللي فيها الفخر.

التفت يجاوب بثقةٍ:

_الفخر في وطنيتك وهويتك نفسها يا "دهـب" مش في التماثيل، في إنك مصرية ومش مكسوفة، إنك بتحبي بلدك ووطنك، مفيش حد مصري قدر يكره مصر كوطن، ومفيش حد يشتم بلده ويجور عليها ويستاهل يكون منها، اللي بيحصل دا مش فخر بس؟ دا اعتزاز بالهوية، كون بلدك فيها الآثار دي كلها وفيها الحضارة دي كلها بتاعتك أنتَ، أنا طول عمري كنت عايش هنا وحاسس إني بنتمي للمكان دا، ولما درست الحضارة دي بقيت حاسس بالفخر والذهول والغموض، حاسس إن كلمة مصري دي كبيرة أوي.

غَـــوثِـهِـمْ "يا صبر أيوب" الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن