في اليوم الموالي..استيقظت هزان بملامح متعبة و عيون متورمة لأنها لم تستطع أن تنام بهدوء..عقلها أتعبها و أفكارها أرهقتها و قضّت مضجعها..ارتدت فستانا أسودا يصل الى ركبتيها و جمعت شعرها كله الى الأعلى و حاولت اخفاء ارهاقها بمساحيقها قبل أن تأخذ حقيبتها و تنطلق الى الكلية..
في المستشفى..نامت إيلا على كتف ياغيز الجالس على مقعد في الردهة المقابلة لغرفة العناية المشددة حيث يمكث أبوها..فتح ياغيز عيونه على مهل و نظر الى ساعته..لقد تأخر على عمله..و لن يكون قادرا على الذهاب الى الجامعة و على ترك إيلا لوحدها في هذا الظرف العصيب..أرسل رسالة الى المدير يخبره فيها بأنه سيتغيب لمدة يومين عن العمل بسبب وعكة صحية ألمّت بوالد خطيبته و طلب منه تأجيل محاضراته الى وقت لاحق..تحركت إيلا على مهل و وضعت يدها على رقبتها المتشنجة ثم رفعت عيونها نحو ياغيز و قالت" صباح الخير حياتي..آسفة..لم أنتبه كيف غفوت على كتفك..لا بد أن جسمك كله متخدّر..لماذا لم توقظني؟" ابتسم و رد" لم أستطع أن أزعج منامك..لقد تعبت كثيرا بالأمس" مررت أصابعها على وجهه و سألت" ألن تذهب الى العمل؟" هز رأسه بالنفي فابتسمت و أضافت" شكرا لك حبيبي لأنك لم تتركني لوحدي..أكاد أموت من الخوف على والدي" ربت على يدها و قال" لا تقلقي..سيكون بخير..لقد طمأنني الطبيب منذ قليل بأن وضعه مستقر..لكنه يبقيه تحت المراقبة في حال حدوث أية مضاعفات" تنفست إيلا الصعداء و قالت" سأتصل بالبنك لكي أعلمهم بغيابي..و سأمر على الكافيتيريا لكي أحضر قهوة..هل تريد؟" أجاب" نعم..بكل تأكيد" تحركت إيلا من أمامه فأمسك هاتفه و بقي يتأمله و كأنه ينتظر اتصالا من شخص محدد لكي يطمئن عليه بعد معرفته بغيابه..لكن هذا الاتصال لم يأت..
في الكلية..تجمع طلبة قسم التاريخ أمام المدرج في انتظار وصول الأستاذ..قالت بتول بقلق" غريب..ليس من عادة الأستاذ ياغيز أن يتأخر..لعل المانع خير" صمتت هزان و لم تقل شيئا فحملقت فيها بتول بإستغراب و سألت" هزان..مالأمر؟ ألا يقلقك غياب ياغيز؟" ردت ببرود" لا..ما يهمني هو الدرس الذي لا أريد أن أفوته" ابتسمت بتول بسخرية و علقت"خيرا ان شاء الله" اقترب منهم المدير و قال" أيها الطلبة..الأستاذ ياغيز في اجازة لمدة يومين..ستؤجل محاضراتكم..لا تنتظروا عبثا" سألت هزان بقلق" هل هو بخير؟" رمقها المدير بنظرة غريبة قبل أن يجيب" هو بخير..والد خطيبته أصيب بوعكة صحية..هيا..تفرقوا" قطبت هزان جبينها و بقيت صامتة..جذبتها بتول من يدها الى الخارج و هي تسأل" هزان..هل أنت بخير؟ لا تبدين مرتاحة أبدا..هل حدث شيء لا أعرفه؟" مررت هزان يدها على جبينها و قالت" لا شيء..لم يحدث شيء..أريد فقط أن أذهب من هنا" توقفت سيارة صرب أمامهما وأطل هو برأسه و هو يقول" مرحبا يا فتيات..إلى أين؟" أجابت بتول" تأجلت محاضراتنا..و لا نعلم الى أين سنذهب" ابتسم و ترجل من سيارته ثم قال" هذا سهل جدا..دعا الأمر لي..و أنا سأتصرف..أنتما مدعوتان على الفطور" قالت هزان" اذهبا أنتما..سأعود الى المنزل" رفع صرب حاجبه باستغراب و سأل" خيرا ان شاء الله؟ ما بها الصغيرة منزعجة؟" هزت بتول كتفيها و كأنها تقول لا أعرف..اقترب صرب من هزان و نكش شعرها كعادته فصاحت بعصبية" لا تفعل هذا..أوف يا" نظر اليها صرب و قال" تبدين فعلا منزعجة..لن أدعك تذهبين الى المنزل و أنت على هذه الحال..هيا..اركبي..و سنذهب معا لتناول الفطور..لا أريد اعتراضا" حاولت هزان أن تعترض لكنه حملها بين ذراعيه و وضعها في السيارة..
في المشفى..جلس ياغيز صحبة إيلا يشربان قهوتهما و يتحدثان عندما اقترب منهما لافانت و هو يحمل باقة من الورود..رفعت إيلا نظرها نحوه و سرعان ما بدا الارتباك جليا عليها..قال لافانت بهدوء" مرحبا آنسة إيلا..مرحبا سيد ياغيز..أردت أن أطمئن على صحة السيد فؤاد..هل هو بخير؟" وقف ياغيز و صافحه بحرارة و هو يقول" شكرا لك سيد لافانت..هذا من لطفك..العم فؤاد تعرض لذبحة صدرية و هو الآن في العناية المشددة..لكن وضعه مستقر" أخذت إيلا الباقة من يد لافانت و هي تقول" شكرا لاهتمامك سيادة المدير..لم يكن هناك داعي لقدومك الى هنا" حدجها ياغيز بنظرة استنكار ثم سحب الكرسي و دعى لافانت للجلوس لكنه رفض و قال" لم آت لكي أبقى..أردت فقط أن أطمئن عليه..حمدا لله على سلامته" ثم التفت الى إيلا و أضاف" أنت في إجازة مفتوحة الى حين تعافي والدك..فليشفه الله..الى اللقاء" صافحه ياغيز و شكره من جديد..ابتعد لافانت فسأل ياغيز بإستغراب" ما هذا الذي فعلته؟ لم يبقى سوى أن تطردي الرجل..هل هذا جزاءه لأنه مهتم" ردت بعصبية" لم يطلب منه أحد أن يهتم..لقد شكرته و انتهى الأمر" صمت ياغيز قليلا ثم سأل" هل هناك ما يزعجك منه؟ هل قام بتصرف غير لائق معك جعلك تعاملينه بهذه الفظاظة؟" أجابت" لا..لكنني أريد أن أحافظ على مسافة أمان معه و مع الجميع" زم ياغيز شفتيه و قال" جيد أن تبقي على مسافة الأمان هذه..لكن دون أن تتصرفي بفظاظة مع شخص مهذب و لطيف مثله..هذا عيب" تأففت إيلا بضيق و ردت بعصبية" لا داعي لهذا الكلام الٱن..سأذهب لكي أرى أمي"
أنت تقرأ
الجريئة
Romanceهناك خيط رفيع بين الجرأة و الوقاحة..بين التحلي بشيء من الإندفاع و الجسارة للحصول على ما نريده..و بين الضرب بكل القيم و المبادئ و الالتزامات عرض الحائط لمجرد ارضاء غرور أو اثبات شيء ما..و قد تتداخل الأمور أحيانا لكي تتشابه الجرأة و الوقاحة من أجل تحق...