49..حالة صعبة

2.9K 72 7
                                    

بقي ياغيز واقفا للحظات في نفس المكان..جامدا..متفاجئا من نفسه..و من ضعفه أمام هزان..بإقتراب هيأته صدفة بحتة بينهما استطاعت أن تؤثر فيه من جديد و أن تحيي داخله حماسا و لهفة و شوقا ظن انه دفنهما داخل أعماقه بسبب جرح استهدف كرامته..كيف تنجح هذه الفتاة في فعل هذا؟ كيف تستطيع أن تتسلل الى عقله بهذه البساطة؟ كيف تقدر على جذبه نحوها و بقوة دون أن يقدر على مقاومتها؟ ..ما ادركه فعلا بأنه كان في مأمن من خطرها عليه طيلة السنوات الثلاث التي مضت..لقد كسب نفسه بإبتعاده عنها و أنقذ كرامته من الانهدار بسهولة على يديها..لو بقي بالقرب منها لنسي ما حصل ببساطة..و لأخذها من جديد بين ذراعيه..و لغفر لها ما فعلته به بمجرد اقترابها منه..انها المرأة الوحيدة التي يخشى على نفسه منها و يعجز عن مقاومتها و الهرب منها..تنهد بعمق قبل أن  يلحق بالمجموعة و يمتطي سيارته ليقودهم الى الفندق حيث كانوا يقيمون..في سيارتها..كان الارتباك باديا على هزان..كانت تغرز أصابعها بقوة في المقود و تتنفس بسرعة و كأنها كانت تركض لمسافات طويلة..كانت غاضبة من نفسها..و من سهولة تأثرها به من جديد بعد طول فراق..لكنها لم تستطع ان تنسى تلك اللحظة الأخيرة المدمّرة التي كانت بينهما..كانت كلما رمشت بجفونها..تتذكّر نفسها و هي عارية في سريره و تتذكر نظرة الاحتقار و الازدراء في عينيه و كلامه القاسي و المذل و هو يطردها من يخته و يعاملها معاملة العاهرة..داست بقوة على الفرامل حتى كاد رأسها يرتطم بالمقود..تمتمت بصوت مخنوق" لم أنس..و انسى..لم أغفر..و لن أغفر..لم أتأثر..و لن أتأثر..ياغيز ايجمان صار من الماضي..ماض اسود موجع و مؤلم..باب اغلقته و صفحة طويتها..و لن أسمح لنفسي بفتحها من جديد" حملقت فيها بتول التي كانت تتراسل مع إيلكر عبر الهاتف بعد أن تبادلا أرقامهما..و فاجأها ما حدث..فسقط هاتفها من يدها و ارتعبت و هي ترى هزان على تلك الحال التي لم ترها عليها منذ ثلاث سنوات..وضعت يدها على كتفها و همست بحنان" هزان..حبيبتي..مابك؟ ماذا جرى؟ هل حدث شيء بينك و بين ياغيز عندما تأخرت في الخروج من المطعم؟ هل ازعجك بكلمة أو بتصرف ما؟ تستطيعين اخباري بكل ما تريدين..أنا هنا معك..لكي اسمعك و أساعدك..اهدئي حبيبتي..و تنفسي جيدا..و لنواصل طريقنا قبل أن نتوه" مررت هزان يدها على جبينها و راحت تسحب نفسا عميقا متتابعا الى اعماقها قبل أن تشغل السيارة و تواصل طريقها..سألت بتول من جديد" ألن تخبريني؟" ابتسمت هزان و ردت" لا شيء..لا تقلقي..لم يحدث شيء..أنا بخير..لقد ازعجتني رؤيته بعد كل تلك السنوات التي مرّت..هذا كل ما في الأمر..و كنت أحدث نفسي بأنه قطعة من الماضي و لن تعود أبدا..أبدا..لا تقلقي اختاه..أنا بخير" لم تقل بتول شيئا و راحت تراقبها طوال الطريق الى حين وصلتا الى الفندق..هناك..وجدتا ياغيز و إيلكر أمام البوابة و معهما برنار الذي كان القلق باديا عليه..ترجلت هزان من السيارة فاعترضها ياغيز و سأل بقلق" هزان..أين كنت؟ لماذا تأخرت عن المجموعة؟ ماذا لو ضعت في الطريق؟" ابتسمت هزان بسخرية و ردت" لكنني لم اضع..ها أنذا..لا داعي للقلق..برنار يحب المبالغة كالعادة" همت بالابتعاد عنه فأمسكها من يدها و هو يهمس" ليس برنار من قلق عليك..أنا من فعلت..لماذا تصرين على تجاهل وجودي..و كأنني غير مرئي؟" نظرت اليه هزان و أجابت ببرود" لأنك فعلا كذلك..أنا لا أراك..و لا يهمني وجودك من عدمه" ضغط ياغيز بأصابعه على ذراعها و تكلم من بين أسنانه" هكذا اذا..مذنبة و قوية..تخطئين في حقي و تتلاعبين بي و تجعلين مني موضوعا للسخرية و الاستهزاء ثم تكونين أنت الغاضبة و المستاءة و المجروحة..أليس كذلك؟ لم أر وقاحة كهذه صراحة" أبعدت هزان يده عن يدها و ردت بهدوء" نعم..أنا وقحة..و الى درجة لا يمكنك تخيلها..أخطئ و أجرح و أتلاعب ثم أمثل دور الغاضبة و المجروحة..هل تريد شيئا آخرا؟ ان كنت أزعجك الى هذا الحد فمن الأفضل ألا تتحدث الي أبدا..و أن تتجاهل وجودي أنت أيضا..و بذلك نكون قد تعادلنا..عن اذنك" و مشت من أمامه فيما سارع هو الى اشعال سيجارة راح ينفث دخانها بعصبية..وقفت بتول مع إيلكر و همست" ليتهما ينسيان الغضب الذي يعمي بصيرتهما لوهلة و سيجدان الحب الكبير الذي كانا يكنانه لبعضهما مازال موجودا و بقوة ايضا..رؤيتهما على هذه الحال يوجع قلبي" تنهد إيلكر و رد" و أنا ايضا..أقسم لك بأنني أحزن كثيرا على حالهما..مع انني حاولت كثيرا أن أعرف ما جرى من ياغيز لكنه يرفض اخباري" قالت بتول" و أنا أيضا..هزان ترفض اخباري..الأمر الوحيد الذي أعرفه أن ما بينهما جرح عميق لا يشفى بسهولة..الموضوع موضوع كرامة..لهذا يصعب حله" قال" يجب أن نفعل شيئا..كي نصالحهما..أو على الأقل لكي يتحدثان و يحلان ما بينهما من جذوره..هذا أقل ما يمكننا فعله لأعز صديقين عندنا" ابتسمت بتول و ردت" نعم..معك حق..اسمع ماذا سنفعل..يجب أن نجمعهما في مكان واحد و ندعهما لوحدهما..و نضمن عدم تمكنهما من الذهاب الى أي مكان..ما رأيك؟" ابتسم إيلكر بحماس و قال" رائع..هذا ما يجب أن نفعله..بتول..أنت حقا شخص مميز جدا..و هزان محظوظة لوجود صديقة مثلك في حياتها" احمرت وجنتا بتول خجلا و تمتمت" شكرا لك..و أنت أيضا سيد إيلكر..ياغيز محظوظ بك" قرب إيلكر فمه من أذنها و همس" نادني إيلكر..إيلكر فقط" رفعت بتول عيونها نحوه و همست بإسمه ثم سارعت الى الاختفاء من أمامه..في غرفتها..فتحت هزان حقيبتها و أخرجت منها علبة دواء صغيرة..انها المهدئات التي اعتادت تناولها كلما ساءت حالتها و تذكرت تلك اللحظات المريعة التي عاشتها في آخر مرة كانا فيها معا..كان جسدها يرتعد بشدة و تنفسها يتسارع و خفقات قلبها تدق كالطبول في أذنيها..تشعر لوهلة بأنها غير قادرة على التنفس و كأن صخرة ضخمة تطبق على صدرها..نظراتها تصبح تائهة و شاردة في الفراغ..أطرافها ترتعد و يلفها البرد..تسقط على الارض و تتثاقل ساقاها و تصبح عاجزة عن حملها..فتحت العلبة بيد مرتعشة و وضعت حبتي دواء في كفها و ابتلعتهما دون ماء و هي تحاول السيطرة على اختلاج جسدها و ارتعاشه..سمعت صوت طرقات على باب غرفتها..انها بتول تريد أن تطمئن عليها..أجابت و هي تحاول أن تحافظ على نبرة صوت طبيعية"أنا بخير..أريد أن أرتاح قليلا" ردت بتول" أنا هنا..اذا احتجت اي شيء نادني" قالت هزان" شكرا صديقتي" ..لحظات و هدأت هزان و عادت الى حالتها الطبيعية فارتمت على سريرها و حاولت أن تنام..

الجريئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن