وضعت بتول يدها من جديد على جبين هزان فوجدت حرارتها ما تزال مرتفعة رغم انها كانت تضع لها كمادات ماء بارد..الساعة تشير الى السادسة صباحا..اتصلت بأخيها صرب و أخبرته بما جرى فقدم على الفور..و ما ان لامس جبين هزان حتى صاح بقلق قائلا" يالله..ما هذا؟ بتول..هل انت واثقة بأنك اعطيتها خافض الحرارة؟" ردت بتول" نعم..لقد فعلت..و لم اتوقف عن وضع كمادات ماء بارد على جبينها طوال ساعات..لكن دون جدوى..انظر اليها..انها تختلج بشدة" حمل صرب هزان بين ذراعيه و قال لأخته" اذهبي و افتحي باب السيارة..سآخذها الى المستشفى" و فعلت بتول ما طلبه منها فوضع هزان في السيارة و انطلق بها الى المشفى..
في يخته..نام ياغيز بضع ساعات قبل ان ينهض على الساعة الثامنة..فاستحم و بدل ثيابه ثم وضع حقائبه في سيارته و اتجه مباشرة الى الكلية..قدّم استقالته مبرّرا ذلك بأسباب شخصية و غادر..وجد إيلكر في انتظاره في الخارج..اخبره بقراره فحاول أن يفهم منه السبب الذي دفعه لذلك لكنه أبى أن يخبره..أعلمه فقط بأنه تواصل مع إدارة الحفريات و التنقيب عن الآثار المصرية و وجد لديهم وظيفة تنتظره هناك..قال إيلكر" اسمع ياغيز..اتفهم عدم رغبتك في الحديث عن امورك الخاصة..لكنني اعي جيدا بأن هزان هي السبب الرئيسي وراء ذهابك من هنا..اريدك فقط أن تعتني بنفسك جيدا و بأن تفكر مليا في امورك كلها لكي لا تتسرع أو تتخذ قرارا تندم عليه..اذهب بأمان يا صاحبي و لن اتأخر عليك..سأقطع اجازتي قبل موعدها و ألحق بك..سيكون لدينا الكثير من الوقت لكي نتحدث هناك و نتشارك همومنا" عانقه ياغيز بقوة و هو يقول" لا داعي لقطع اجازتك يا اخي..استمتع بوقتك هنا و التقي بأقاربك و اصدقاءك الآخرين..و سأكون بانتظارك متى قررت المجيء..اعتني بنفسك جيدا و لا تتردد في الاتصال بي اذا احتجت اي شيء" ثم جال بنظره في أرجاء الكلية و كأنه يودع ذكرياته التي تركها هناك بين الأروقة و خلف الجدران..قال إيلكر" سآتي معك الى المطار" هز ياغيز رأسه بالنفي و رد" لا..لا داعي لذلك..سأذهب لوحدي..لقد عرضت اليخت للبيع..و تركت الاوراق مع المحامي..اتصل به اذا عثرت على مشتري مناسب" ربت صديقه على كتفه و رافقه الى السيارة ثم تابعه بعيون حزينة و هو يغادر..
في المشفى..فحص الطبيب هزان و اعطاها مجموعة من الادوية و الحقن و اخبر صرب بأنها تعاني من حمّى شديدة جدا و بأن شفاءها مرتبط بمدى تقبل جسمها للدواء و رغبتها في الشفاء..اخبرت بتول أبويها بما حصل فهرعا الى المستشفى و قد ألمّ بهما الرعب على ابنتهما الوحيدة..جلسا بجانبها و أمسكا يديها و هما يدعوان لها بالشفاء..لكنها كانت غائبة عن الوعي و عقلها لا يستذكر سوى وجه ياغيز الغاضب و كلماته القاسية..عقلها الباطني لم يتوقف عن جلدها و لومها بقسوة و كأنه لا يريد لها أن تنسى ما ارتكبته من خطأ في حق نفسها و في حق الرجل الوحيد الذي احبته بصدق و من كل قلبها..سأل صرب بتول عما حدث لعله يجد إجابة و تفسيرا لما حدث لهزان..فاخبرته بأن هزان كانت قد بدأت لتوها علاقة حب مع ياغيز و بأنها كانت سعيدة جدا عندما اعترف احدهما للآخر بحبه..ركب صرب سيارته و اتجه مباشرة الى يخت ياغيز لعله يجده هناك و يخبره بما اصاب هزان لكي ياتي معه و يقف بجانبها لكي تتخطى هذه الوعكة الصحية لكنه لم يكن هناك..لم يجد سوى رجلين يتجولان في اليخت..انتظر خروجهما و سألهما عنه فاخبره المحامي بأنه سافر الى مصر و بأنه عرض اليخت للبيع..صار صرب عندئذ واثقا بأن الأزمة الصحية التي ألمت بهزان سببها إما قرار ياغيز المفاجئ بالسفر او خلاف حاد حدث بينهما..
بعد يومين من مكوثها في العناية المركزة دون أن تنجح الأدوية في اعطاء مفعولها..اضطر صرب الى وضع هزان في حوض ملآن بالماء المثلج كآخر حل لمنع الحمى من الوصول الى دماغها و الا قضت عليها و قتلتها..و أتت هذه الحيلة أكلها و انخفظت حرارة هزان أخيرا لكنها كانت تحتاج الى راحة مطوّلة تساعدها على تجاوز الأزمة النفسية التي كانت تعاني منها..كان كل من يراها يلحظ تغيرا جذريا في سلوكها و في تصرفاتها..صارت هادئة و صامتة أكثر من اللازم..تنعزل لساعات في غرفتها و تأبى أن تفتح الباب لأحد..و لعل ما زاد من اكتئابها أنها علمت بسفر ياغيز و بافتراقها عنه الى الأبد..
![](https://img.wattpad.com/cover/270778041-288-k688104.jpg)
أنت تقرأ
الجريئة
Romanceهناك خيط رفيع بين الجرأة و الوقاحة..بين التحلي بشيء من الإندفاع و الجسارة للحصول على ما نريده..و بين الضرب بكل القيم و المبادئ و الالتزامات عرض الحائط لمجرد ارضاء غرور أو اثبات شيء ما..و قد تتداخل الأمور أحيانا لكي تتشابه الجرأة و الوقاحة من أجل تحق...