56..وقت رائع

3K 73 11
                                    

تنهدت هزان بعمق و تمتمت بصوت مخنوق"و أنا ايضا اشتقت اليها كثيرا..لكنني دفنتها عميقا داخلي و قطعت صلتي بها بسبب ما تسببت لي فيه من مصائب..تلك الهزان كانت مستهترة و أنانية..كانت مدللة و مندفعة..تعيش رفاهية العيش في كنف أبوين ثريين لا أولاد لهما سواها..تعوّدت أن يستجاب لمطالبها دائما و دون نقاش..في جيبها بطاقة إئتمانية لا محدودة..تصرف النقود فيما يعني و فيما لا يعني..تتسوق بالساعات دون كلل أو ملل..تتعالى على الشبان الذين يركضون خلفها و لا تراهم مناسبين لها..و ما إن رأت الشخص الذي ظنت أنه مناسب..فعلت كل ما يلزم لكي توقع به..غير عابئة بإرتباطه و التزامه مع إمرأة أخرى كان يحبها..تلك الهزان لم تكن بريئة..لكنها أيضا عشقت ذلك الرجل الذي تلاعبت به و أغوته..لقد وقعت في شباكه قبل أن تتمكن هي من ايقاعه في شباكها..أحبته من كل قلبها كما لم تفعل من قبل..لم تكن قد شعرت قبل ذلك باللهفة و الشوق و الغيرة الحارقة و الرغبة العارمة..لم ينبض قلبها فرحا برؤية شخص ما..لم تغلي الدماء في عروقها بمجرد اقترابه منها..لم تلتهم الغيرة كل قطعة فيها عندما رأته مع غيرها..كان كل ذلك جديدا عليها..و تفانت فيه حتى آخر نفس لديها..اندفعت..و جُنّت..و غامرت..و تجرّأت..لأنها عشقت كما لم تجرب من قبل..لكنها ايضا دفعت ثمن استهتارها غاليا جدا..فتعلمت درسا لن تنساه..و لن تشفى من آثاره بسهولة..تلك الليلة.." بدا التوتر واضحا على هزان و هي تصل بحديثها الى تلك الذكرى القاسية..راحت تفرك أصابعها معا و تتنفس بسرعة..أمسك ياغيز كلتا يديها و همس بحنان" هزان..انظري الي..اهدئي..و تنفسي جيدا..لا داعي للحديث عن ذلك..لا ترهقي عقلك بتلك الذكرى السيئة..انظري الى روعة المكان من حولك..تنفسي لو سمحت..لا تجهدي نفسك" راحت هزان تسحب الهواء ببطء الى رئتيها و ترفع رأسها عاليا و تنظر الى ياغيز..سألها بقلق" بماذا تشعرين؟ هل أنت بخير؟ هل تريدين أن نغادر؟" أجابت بعد بعض الوقت" لا داعي لذلك..أنا بخير..لقد مرت بسلام هذه المرة" تنهد ياغيز و قال" أرجوك هزان..لننسى تلك الليلة و ما حدث فيها..و لنبدأ من جديد..و كأننا تعارفنا هنا في مصر..لا أنا أستاذك..و لا أنت طالبتي..أنا نائب مدير ادارة الآثار..و أنت العالمة الصغيرة..هلا فعلنا ذلك لو سمحت" سألته بعيون متلهفة لمعرفة اجابته" صراحة ياغيز..لو كان تعارفنا في ظروف غير تلك التي تعارفنا فيها..هل كنت ستلتفت الي او تعيرني اهتمامك؟" ابتسم و رد بثقة" يبدو أنك تستخفين بنفسك كثيرا..هزان..أنت امرأة فاتنة و جذابة و يصعب كثيرا تجاهلك و عدم الانتباه اليك..اياك أن تستهيني بما أنت قادرة على فعله و بتأثيرك على اي رجل كان..و ليس أنا فقط..و بإمكانك أن تسألي من تشائين..اسألي برنار مثلا..ألم يعبّر لك و لو مرة عن اعجابه بك؟ لأن ذلك جليّ في عيونه" ابتسمت بخجل و قالت" نعم..لقد فعل..لكنه لم يلقى مني سوى التجاهل" نظر اليها و سأل بإستغباء متعمد" و لماذا؟" رفعت عيونها نحوه و اجابت" لأن قلبي مختوم بإسم رجل واحد..هو الأول و الأخير بالنسبة الي..رغم الألم و الغضب و الجرح العميق الا أنني لم أتوقف يوما عن حبّه..لذلك كنت أصدّ كل محاولة أتلقاها من أي رجل للتقرّب منّي" انطلق صوت الموسيقى الهادئة فوقف ياغيز و مد يده نحوها و هو يقول" آنستي الجميلة..هل تسمحين لي بهذه الرقصة؟" وضعت يدها في يده و وقفت و هي تجيب" بكل سرور" ..اتجها معا الى المكان المخصص للرقص فجذبها ياغيز بين ذراعيه و وضع يديه على خصرها أما هي فلفّت يديها حول رقبته و استسلمت لخطواته المتقنة..رفعت عيونها نحوه فوجدته غارقا في تأمل تفاصيلها و تقاطيع وجهها و كأنه يراها للمرة الأولى..احمرت وجنتاها خجلا و هربت بنظراتها فهمس بالقرب من أذنها" لا تهربي بعيونك مني..انظري الي..دعي نظراتنا تقول ما نخفيه" فعلت ما طلبه فشعرت بنفسها تطير بين ذراعيه و بساقيها لا تلامسان الأرضية..لحظات من السحر و العجائب..كل منهما مأخوذ بالآخر..غارق في تفاصيله..ملاصق له..و متوحّد فيه..لهما عالم يحويهما معا بعيدا عن كل العيون..تمايلا معا على أنغام الموسيقى الكلاسيكية الساحرة دون أن تنفصل نظراتهما عن بعض..طبع هو قبلة رقيقة على جبينها و أخفت هي وجهها في صدره و واصلا رقصهما..عادا بعد لحظات الى طاولتهما..رفع ياغيز كأسه و قال" نخب تعارفنا الجديد" ابتسمت و رفعت كأسها و هي تقول" نخب هذا الوقت الرائع الذي نقضيه معا" غمزها بخفة و اضاف" وقتنا معا لم ينتهي بعد..و المفاجآت مازالت متواصلة..هذه الليلة..أنت معي..لا تنسي ذلك" همست" نعم..أنا معك" ..دفع الحساب للنادل و جذبها من يدها الى الخارج..ظنت انهما سيركبان السيارة لكنه كان يشدها نحو النيل حيث كان هناك مركب مكشوف ينتظرهما هناك..صعد و ساعدها على الصعود و هو يقول" و الآن موعدنا مع جولة ليلية على ضفاف النيل الساحر" نظرت هزان حولها..كان المنظر رائعا..القمر يعكس نوره على صفحة المياه..أضواء المدينة تتلألئ في الأرجاء..صوت ضجيج السيارات و الناس و الأغاني العالية..و هي..و هو..معا..على متن مركب جميل..يعبران قلب النهر العظيم بمياهه الفضية الساحرة..اشار ياغيز لقبطان المركب فانطلقت بعد لحظات صوت موسيقى و اغنية لم تستطع هزان فهم كلماتها فسألته" أغنية عربية؟" رد" نعم..لا تكتمل الجولة على نهر النيل دون صوت كوكب الشرق أم كلثوم..انها أشهر فنانة مصرية و عربية..يطلقون عليها لقب الهرم الرابع..أعلم بأنك لا تفهمين كلامها..لكنني سأشرحه لك" اقترب منها و جلسا جنبا الى جنب فقرّب فمه من أذنها و همس بصوت مبحوح" انها تقول..ياحبيبي..الليل و سماءه و نجومه و قمره..و أنت و أنا..ياحبيبي أنا..ياحياتي أنا..كلنا في الحب معا" قالت هزان" يا للكلمات الرائعة..و اللحن جميل جدا..يبدو أنني سأصبح مصرية القلب بعد أن أتيت الى هنا" ارتعدت من البرد فنزع سترته و وضعها على كتفيها ثم لف يده حولها و احتضنها و هو يقول" بلد رائع و جدير بالحب..أتعلمين..لقد تجولت كثيرا خلال السنوات الثلاثة الماضية..لكن..الآن..يبدو كل شيء أجمل من السابق..و السبب وجودك أنت معي..هزان..ابقي معي..و لا تتركي يدي مرة أخرى..اجعلي حضورك ينير حياتي من جديد" وضعت رأسها على كتفه و همست" لا نية لي للذهاب الى أي مكان..هذا مكاني..و الى هنا أنتمي" ضمّها ياغيز بحنان و قبّل جبينها بحنان..واصلا جولتهما و هي في حضنه و هو يريها الأماكن و يروي لها القصص القديمة التي يعرفها أهل مصر عن النيل..و كيف كانوا في السابق يختارون أجمل الفتيات لتكون ضحية و قربانا للنيل لكي لا يجف و لا يحل غضبه عليهم..و كانت هزان تستمع الى حديثه بقلبها قبل أذنيها..كانت تعشق نبرة صوته الرائعة تلك..و طريقة رويه للأحداث و الوقائع التاريخية الغريبة منذ أن كانت طالبته..انتهت الجولة فنظرت هزان الى ساعتها..انها الواحدة بعد منتصف الليل..سألها" هل مللت مني و من صحبتي؟" ردت" لا..على العكس..انني أستغرب سرعة مرور الوقت و أنا معك" ابتسم و سألها" قهوة؟ في شقتي؟" ترددت هزان قبل أن تجيب" نعم..و لم لا؟" ..بعد نصف ساعة تقريبا..كان معا في شقته..وضع أمامها فنجانا من القهوة و ارتشف رشفة من فنجانه ثم أمسكها من يدها و خرجا معا الى الشرفة..اطلالة رائعة تسحر العيون..اتكأ بجسده على الحاجز الحديدي و التفت اليها..قالت" واااو..كم أنت محظوظ بهذا المنزل..الاطلالة ساحرة" وضع يده على ظهرها و جذبها اليه و هو يهمس" نعم..أنا محظوظ..بالإطلالة..و بالشقة..و بك..وجودك هنا زاد المكان جمالا" كانت قريبة جدا منه الى درجة أنها كانت تشعر بأنفاسه الدافئة تلفح وجهها..قرّب هو فمه من فمها و أضاف بصوت مبحوح" كنت أؤخر هذه اللحظة طيلة السهرة لكي لا تهربي مني أو تصديني..هل أتشجع أم..؟" احمر وجهها خجلا و توقفت الكلمات في حلقها و بقيت صامتة..ظن أن صمتها رفض فتراجع الى الخلف و هو يقول" لن أفعل أي شيء يزعجك..يكفيني بأنك معي" كانت تريد أن تقبله..اشتاقت الى طعم قبلاته اللذيذة..و الى تأثيرها الساحر على كل جارحة فيها..و كأن هزان المندفعة عادت الى الحياة من جديد..و كأن وجود ياغيز أمامها ذلك الرجل الذي تعشقه أكثر مما تتصور قد أيقظ تلك الروح الجريئة و المتمردة لديها..فتقدمت نحوه..أمسكته من ياقة قميصه و سحبته نحوها لتأخذ شفاهه بين شفتيها في قبلة طال انتظارها

أمسكته من ياقة قميصه و سحبته نحوها لتأخذ شفاهه بين شفتيها في قبلة طال انتظارها

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
الجريئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن