52..جلد الذات

3K 73 18
                                    

اوصل إيلكر هزان و بتول الى الفندق و عرض عليهما أن يتصل بالطبيب لكنهما رفضتا..رافقت بتول صديقتها الى غرفتها و وضعتها في سريرها و هي تهمس بحنان" اهدئي أختاه..تنفسي جيدا و حاولي ألا تفكري..نامي و لا تقلقي..أنا هنا معك" أمسكت هزان يدها و ردت" شكرا لك صديقتي..لولاك لم أكن أعلم ماذا كان سيحدث لي" لامست بتول وجهها و قالت" لا مكان للشكر بين الأصدقاء..هزان..آسفة لأنني تسببت فيما حدث..كنت أظن بأنكما تحتاجان الى الحديث معا لكي تحلان سوء الفهم الذي صار في السابق..لقد رأيت حبكما في عيونكما مازال موجودا..لهذا فكرت أن اقوم بمحاولة بسيطة لإعادة المياه الى مجاريها..لكن..يبدو أنني أخطأت" نظرت اليها هزان و أجابت" لا..انت لم تخطئي..لقد فعلت الصواب..كان هناك كلام واقف في حنجرتينا و يجب أن يقوله أحدنا للآخر..كان يجب أن نتحدث عما حدث منذ ثلاث سنوات..أن نتعاتب..أن يلوم احدنا الآخر..أن نوضح الكثير من النقاط..جيد ما حدث..لقد ارتحت بعد أن قلت ما بقي عالقا في داخلي" قطبت بتول جبينها و سألت بقلق" لماذا اذا ساءت حالتك فجأة و عادت لك تلك الحال؟" تنهدت هزان بعمق و اغرورقت عيونها بالدموع ثم قالت"ياغيز..و كلامه المستفز..فجأة نسي كل غضبه و امتعاضه مني..و نسي ما فعله بي منذ ثلاث سنوات..و صار يريد أن نعود الى بعض..هكذا..بهذه البساطة؟ تخيلي..و كأن شيئا لم يكن..و كأن ما حدث في تلك الليلة المشؤومة لم يحدث..و كأنني لم أتعذب و لم أعاني و لم أتألم بسبب ما فعله بي..أبهذه السهولة يظن بأننا سنتجاوز ما حصل؟ أبهذه السهولة يمحى أثر ثلاث سنوات من المعاناة و الألم؟ غريب أمره..كنت أظن بأنه لن يتنازل و يتحدث معي حتى بعد تلك الطريقة المذلة التي عاملني بها في تلك الليلة..ظننت أن غضبه لن يهدأ..لكن.." قاطعتها بتول" لكن يبدو بأن حبه لك أكبر و اقوى من غضبه منك..ألا تعتقدين هذا؟ مالذي يجبره على طلب فرصة جديدة لو لم يتأكد عندما رآك من جديد بأن حبه لك لم يتغير و لم يقلّ أبدا..بل على العكس..صار أقوى من السابق..رؤيته لك من جديد و بعد غياب طويل جعله يفهم خطأه و يندم عليه و يحاول أن يكفّر عنه..أعلم بأنك لن تغفري له بسهولة ما فعله بك..لكن يجب أن تري صدق حبه لك..لقاء واحد بينكما بعد طول غياب جعل الحب يعود الى الحياة من جديد..فكري في الأمر يا صديقتي..بتعقل و وعي..و ستجدين بأنني على حق..ثم هل تريدين اقناعي بأنك لم تتأثري أبدا برؤيتك له بعد كل هذه السنوات؟ ألم تشعري بشيء و أنت تنظرين داخل عينيه؟ اذا كنت اعرفك و لو قليلا فأنا واثقة بأنك تأثرت به كثيرا..لكن غضبك و جرحك العميق يمنعك من الاعتراف بهذا" تقوقعت هزان على نفسها و همست بصوت خافت" أريد أن أنام" داعبت بتول خصلات شعرها بحنان و قالت" نامي و ارتاحي يا حبيبتي..كوني بخير فقط" ..
في منزل إيلكر..بقي ياغيز جالسا في مكانه و هو يخفي وجهه بين يديه..عقله لا يكاد يستوعب فظاعة ما ارتكبه بحق المرأة الوحيدة التي أحبها من كل قلبه..كيف سمح لغضبه منها بأن يعمي بصره و بأن يدفعه الى فعل ما فعله؟ كيف سمح لنفسه بأن يعاملها بتلك الطريقة المذلة و المهينة و كأنه لا يكن لها سوى الكره و الاحتقار؟ كيف تسبب لها دون أن يدري في ازمة صحية و نفسية حادة جعلتها على الحال التي رآها عليها قبل قليل؟ ..الندم يلتهمه التهاما و الحزن يكسر روحه..لكن ما صار واثقا منه مئة بالمئة هو أن حبّه لها أقوى و أكبر بكثير من غضبه و من جرح كرامته المزعوم..لقد آذاها و آلمها و آذى نفسه معها..كان يظن بأنه عاقبها على استهتارها بمشاعره لكنه عاقب نفسه بحرمانه منها بينما هو يحبها كل هذا الحب..حبه لها كان كالنار الخامدة تحت الرماد و بمجرد التقاءهما من جديد عادت تلك النار للاشتعال و كأنها لم تهدأ أبدا..لكن..ما يهمه الآن قبل كل شيء هو كيف ينسيها كل العذاب الذي سببه لها..كيف يساعدها على تجاوز هذه الأزمة الصحية و النفسية التي كان له يد فيها..كيف يجعلها تسامحه و تتجاوز عن خطئه في حقها..كيف يعيد ابتسامتها و شقاوتها و اقبالها على الحياة..كيف يحيي داخلها تلك الفتاة الجريئة و العاشقة التي وأدها و دفنها حيّة ذات ليلة مشؤومة..عاد إيلكر الى المنزل و رأى ياغيز على تلك الحال فجلس بجانبه و وضع يده على كتفه و سأل بصوت خافت" تُحبّها..أليس كذلك؟" تنهد ياغيز و أجاب" اللعنة علي..نعم..أعشقها..أحبها..و كأنني لم اتوقف يوما عن ذلك..و كأنها تمتلك قلبي و  تختمه بإسمها و مهما طال فراقنا يبقى ملكا لها و مغلقا في وجه غيرها..لقد نسيت كل غضبي منها بمجرد أن احتضنتها بين ذراعي و سحبت رائحتها الى أعماقي..و كأنني كنت ميتا و اعادت الى روحي الحياة..و كأن نبض قلبي لا يتسارع الا اذا كانت هي موجودة و قريبة..أي غضب هذا الذي يتلاشى في لحظة؟ أي جرح هذا الذي يلتئم بهذه السرعة؟ لقد ظلمتها..نعم..لقد فعلت..و بقسوة..و بلا رحمة..حولتها بغبائي من فتاة مفعمة بالحياة تنير ابتسامتها كل مكان تكون فيه..الى جثة هامدة تضع قناع القوة على وجهها و تخفي تحته انكسارا و ضعفا و جرحا عميقا..على ماذا لمتها؟ على ماذا؟ على جرأتها و على مغازلتها لي؟ هل هي الملومة الوحيدة على ذلك؟ هل كانت لتنجح في لفت انتباهي و في جعلي احبها لو لم أكن قد تأثرت بها بسهولة؟ هل كانت لتترك في أعماقي هذا الأثر العميق لو لم أكن قد فتحت باب قلبي على مصراعيه أمامها؟ هل كانت لتأخذ مكانة في قلبي و في عقلي لو لم أكن أعيش فراغا عاطفيا و علاقة منتهية الصلوحية كنت أبقي عليها فقط لأجل الالتزام و الارتباط؟ لقد لمتها هي و نسيت أن ألوم نفسي..عاقبتها على جرأتها و نسيت أن أعاقب نفسي على غبائي و على تجرئي عليها؟ جعلت منها كبش فداء و شماعة اعلق عليها أخطائي لأن غروري و عنجهيتي أكبر من ألقي اللوم عليهما..بأي حق فعلت بها هذا؟ بأي حق أذللتها و عاملتها معاملة سيئة؟ من سمح لي بإرتكاب هذه الجريمة الشنعاء بحقها؟ لو مهما كان ما فعلته جارحا و قاسيا..لم يكن علي أن أذلّها بتلك الطريقة..معها حق ألا تسامحني..معذورة..و من يستطيع مسامحة جريمة مثل جريمتي..اللعنة علي..اللعنة علي" وضع إيلكر يده على كتفه و قال" لن أسألك عم فعلت لأن هذا لن يغير من الأمر شيء..ما فات مات..و الآن ليس أوان الندم..الآن يجب أن تفكر في طريقة تجعلها تسامحك..ليس مهما أن تستعيد علاقتك بها كعاشقين..لكن..على الأقل..تستطيع المحافظة عليها كشخص مهم في حياتك و تفعل كلما يلزم لكي تسامحك و تنسى جرحك" 

الجريئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن