يومان مرا دون أن يلتقي ياغيز بهزان و دون أن يرى وجهها..انشغل مع خطيبته إيلا في المستشفى..ثم قاموا بإخراج العم فؤاد و إعادته الى منزله سليما معافى..كانت هناك مسافة غريبة بينه و بين إيلا..نادرا ما يتكلمان..و إذا قال أحدهما شيئا يرد الآخر عليه بطريقة مقتضبة..يجلسان جنبا الى جنب لكن بينهما هوة سحيقة لا يستطيعان تلافيها..برود يلف علاقتهما و صمت ينطق بما يخفيانه أحدهما عن الآخر..هو مشغول بالتفكير في هزان التي استحوذت على عقله و امتلكت دقات قلبه بسرعة كبيرة جعلته يستغرب من نفسه..و هي كانت تراجع في عقلها كلمات لافانت الذي كان واضحا و صريحا معها و ترك الكرة في ملعبها لكي تقرر ماذا تريد و بوضوح..
و اليوم..عاد ياغيز الى الكلية..بلهفة لرؤية هزان بعد مرور يومين مرّا عليه و كأنهما دهر من الزمن..ارتدا قميصا أخضرا يعكس جمال عيونه البلورية و سروال جينز أسود اللون و حذاء رياضياو صفف شعره بعناية و رش من عطره المفضل و كأنه فتى مراهق يذهب لأول مرة الى موعد غرامي يلتقي فيه حبيبته التي تربك خفقات قلبه كلما رآها..بحث عنها بعيونه فور توقفه بسيارته في مدخل الجامعة لكنه لم يراها..ألقى التحية على بعض زملاءه قبل أن يتجه الى المدرج لإلقاء المحاضرة..وضع حقيبته على طاولته و نظر في وجوه الطلبة لكنها لم تكن تجلس أمامه كعادتها..كانت تجلس في الصف ما قبل الأخير و رأسها الى الأرض..كانت ترتدي قميصا أسودا معرقا بخيوط فضية و سروالا رماديا و كانت ترسل شعرها في شكل ظفيرة..قطب ياغيز جبينه و هو ينظر اليها مطولا قبل أن يقول" صباح الخير جميعا..كيف حالكم؟" أجاب البعض" بخير أستاذ..اشتقنا اليك" ابتسم و رد و هو ينظر اليها" و أنا أيضا..اشتقت اليكم كثيرا" لم ترفع عيونها نحوه و كأنها تتعمد تجاهله..ابتلع ياغيز ريقه بصعوبة و هو يحاول اخفاء امتعاضه و ضيقه ثم انطلق في القاء محاضرته عن المواقع الأثرية و التاريخية حول العالم..عرض لهم بعض الصور و الفيديوهات و تجول بين الصفوف و تعمّد المرور بجانبها أكثر من مرة علّه يحظى منها بنظرة تطمئن قلبه لكن دون جدوى..ساعتان مرتا كأنهما شهران..انها بعيدة عنه على غير عادتها..متباعدة و حزينة و هادئة أكثر من اللازم..تتجاهله بإصرار على عدم التقاء عيونها بعيونه إلا ما ندر..و إذا صادف و التقت نظراتهما فإنها تسارع الى الهرب بعيونها بعيدا..قال ياغيز في نهاية المحاضرة" يا شباب..سنلتقي بعد ساعة من الآن في درس تطبيقي في القاعة الخامسة..يجب أن نتجهز جيدا للإمتحان النهائي..و على كل واحد منكم اختيار مشروع تخرّج ينهي به مسيرته الدراسية لهذا العام..احرصوا على حسن الاختيار..و أنا موجود لتوجيهكم و الاشراف عليكم..بإمكانكم الخروج" رآها تتحرك من مكانها فأضاف" آنسة هزان..لحظة لو سمحت" ارتعش جسد هزان و اضطربت خفقات قلبها بمجرد أن سمعت صوته يناديها..لقد غالبت نفسها طوال ساعتين لكي لا تنظر اليه و لا تنهزم أمام حبها له و شوقها لرؤيته..تمنّت أن تحدث معجزة تحول دون وقوفها أمامه و تحدثها معه..لكنها وجدت نفسها في النهاية معه وجها لوجه و لوحدهما..طأطأت رأسها و سألت بصوت مرتعش" خيرا أستاذ؟ لم طلبتني؟" التفّ حول الطاولة لكي يقف أمامها مباشرة و رد و هو يتأملها بعيون عاشقة" أردت أن أسألك..هل أنت بخير؟" أجابت و هي تفرك أصابع يديها بتوتر واضح" نعم..أنا بخير..شكرا لسؤالك" تقدم خطوة أخرى ناحيتها و همس" لا تبدين بخير..هل أنت مريضة؟" و مد يده ليضعها على جبينها و هو يسأل من جديد" هل حرارتك مرتفعة؟" تراجعت الى الخلف مبتعدة عن يده التي وقعت على جبينها كقطعة ثلج جعلت الرعشة تسري في كامل بدنها و تمتمت بصوت متلعثم" لا..أنا..بخير..لست..مريضة" حملق فيها ياغيز مستغربا تصرفها الذي يعتبر جديدا عليه..لطالما كانت هي التي تتعمد ملامسته او الاقتراب منه..فمالذي تغيّر يا ترى؟ ..اتكأ بجسمه على الطاولة و قال بنبرة قلقة" هزان..مالأمر؟ لماذا تتصرفين هكذا؟ لماذا غيرت مكان جلوسك؟ لماذا تهربين مني؟ لماذا لا تنظرين الي؟ هل حدث شيء سبّب كل هذا؟" رفعت عيونها نحوه و أجابت" لا..لم يحدث شيء..فقط استفقت من وهم كنت أعيشه..على واقع لا مكان لي فيه..لم أرد أن أغرق أكثر في دوامة تشدني نحوها دون دليل..نسيت أن أسألك أستاذ..كيف حال حموك والد خطيبتك؟ هل هو بخير؟" تنهد ياغيز بعمق و تقدم نحوها و أمسك كلتا يديها و هو يهمس بصوت مبحوح" هزان..لا تفعلي هذا..تعلمين جيدا بأن وجودي هناك لم يكن سوى واجب و التزام فقط..أما وجودي هنا..معك..هو ما يريده قلبي" حملقت فيه و قد اغرورقت عيونها بالدموع و سألت و كأنها لا تصدق ما تسمعه" أحقا ما تقوله؟ هل تعني هذا حقا؟ أم أنا أحلم؟ أرجوك أستاذ.." قاطعها و هو يضع جبينه على جبينها" نادني ياغيز..أريد أن أسمعك تنطقين اسمي" مررت لسانها على شفتيها و نظرت اليه و قالت بصوت مرتعش" يا..ياغيز" ابتسم و همس" أكاد أجزم بأنها المرة الأولى التي أحب فيها اسمي الى هذه الدرجة" سألت" ياغيز..هل أنا أحلم؟ هل ما يحدث هذا حقيقة؟" ابتسم و رد" نعم..حقيقة..و بإمكاني أن أثبت لك ذلك" و دون مقدمات أخذ شفتيها بين شفتيه في قبلة جعلت الدماء تغلي عروقهما..
أنت تقرأ
الجريئة
Romanceهناك خيط رفيع بين الجرأة و الوقاحة..بين التحلي بشيء من الإندفاع و الجسارة للحصول على ما نريده..و بين الضرب بكل القيم و المبادئ و الالتزامات عرض الحائط لمجرد ارضاء غرور أو اثبات شيء ما..و قد تتداخل الأمور أحيانا لكي تتشابه الجرأة و الوقاحة من أجل تحق...