48..اشتياق..رغم الألم

3K 76 19
                                    

تحركت بتول

مبتعدة عن ياغيز و هي تحاول أن تتحاشى نظرات هزان الغاضبة

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

مبتعدة عن ياغيز و هي تحاول أن تتحاشى نظرات هزان الغاضبة..و راحت تتلمس خصلات شعرها المجعد و توزع ابتساماتها هنا و هناك..بعد ساعة..نظر ياغيز الى المجموعة و قال بصوت عالي" أيها الضيوف الكرام..أنتم مدعوون على الغداء في واحد من ارقى المطاعم المصرية المطلة على نهر النيل..و لا أريد اعتراضا..انها تعليمات سيادة الوزير" ابتسمت بتول و قالت" اووه الحمد لله..أكاد أسقط من جوعي" ثم نظرت الى هزان التي كانت تنظف معدّاتها بعناية و تجمعها في حقيبتها المخصصة لها و سألت" هل ستأتين معنا أم سترفضين الذهاب لمجرد انه سيكون موجودا معنا؟" رمقتها هزان بنظرة حادة و ردت" و متى كنت بهذه السطحية و التفاهة؟ و ماذا يعني ان كان موجودا أم لا؟ لا شيء..هذا غداء عمل..و لا يهمني بصراحة وجوده من عدمه..هل جمعت أشياءك؟" اجابت" نعم..لقد فعلت" فقالت هزان" هيا لنذهب اذا" و خرجتا الى الخارج حيث كان البقية واقفين..قال ياغيز" سأكون في المقدمة..و أنتم اتبعوني بسياراتكم لكي لا تضيعوا و تخطئوا الطريق..كلكم قادمون أليس كذلك؟" أجاب برنار" نعم..كلنا..و متشوقون صراحة لتذوق الأكل المصري" ابتسم ياغيز و القى نظرة على هزان التي كانت تتحدث مع لاورا ثم اتجه الى سيارته..قادهم الى المطعم الفخم ذي الاطلالة الجميلة حيث كانت تنتظرهم طاولة كبيرة محجوزة من أجلهم..اعترضهم صاحب المكان العم طاهر..و هو والد ليلى التي تعمل مع ياغيز..رحب بهم بحفاوة ثم قال مخاطبا ياغيز باللغة العربية الفصحى" ياغيز..بني..لقد أعددت بعض الأطباق المصرية الشهيرة كالملوخية بالأرانب و الحمام المشوي اضافة الى بعض الكباب و الكفتة..أما الحلويات فجهزت القطائف و البقلاوة و بعض الكعك..هل تريد شيئا آخرا؟" ربت ياغيز على كتفه و رد" شكرا لك عم طاهر..سلمت يداك..اذا احتجنا الى اي شيء اضافي سأخبرك" ابتسم الرجل و ابتعد فإنظم ياغيز الى ضيوفه و هو يقول" مرحبا بكم من جديد..ستتذوقون بعد قليل أشهى الأطباق..و اذا كانت لديكم اية طلبات أتمنى ألا تترددوا" سألته بتول بفضولها المعتاد" سيد ياغيز..بدوت على معرفة بصاحب المطعم..هل أنت زبون دائم هنا؟" تولى إيلكر الجالس بجانبها مهمة اجابتها بقوله" نعم..العم طاهر والد احدى الزميلات التي تعمل معنا في الادارة..و نحن كثيرا ما نتناول طعامنا هنا" قطع حديثهم اقتراب فتى صغير بشعر اشقر جميل من ياغيز ..عانقه بقوة و هو يقول" و هذا إسلام..حفيد العم طاهر..لقد احتفلنا بعيد ميلاده البارحة" تابعت هزان ما يجري بصمت..لكنها لم تستطع الا أن ترجح بأن تكون هناك علاقة خاصة بين ياغيز و بين ابنة صاحب المطعم و الا لما كان الولد تعلق به هكذا..كانت تحدق به دون أن تشعر فرفع عيونه نحوها و التقت نظراتهما لبرهة قصيرة من الزمن ثم ابعدت عيونها عنه..امتلأت الطاولة بالأطباق الشهية و راح الجميع يتبادلون اطراف الحديث و يتذكرون اشهى الاطباق التي تذوقوها هنا و هناك..نظر برنار الى هزان الجالسة بجانبه و سألها" عزيزتي هزان..هل تذكرين طبق البايلا الاسباني الذي تناولناه عندما كنا في غرناطة نزور قصر الحمراء؟" ابتسمت هزان و أجابت" بلى..أتذكره جيدا..انه واحد من اشهى و ألذ الأطباق التي تذوقتها في حياتي..لقد كان وقتا ممتعا حقا قضيناه في اسبانيا..سأعود الى هنا مجددا على الأغلب..لقد أحببت المكان و الناس هناك" قرب برنار فمه من اذنها و همس" ستذهبين..شريطة أن اكون معك..متعة الرحلة تكمن في كوننا معا" رمقه ياغيز بنظرة باردة و قد سمع كلامه الهامس..أتراهما حبيبان؟ و لم يسأل؟ هل كان يتوقع أن تغلق قلبها بعده و أن تقضي بقية حياتها نادمة عليه؟ ..شغل نفسه عن تلك الأسئلة التي تضج في رأسه بالحديث مع روجر و زوجته..خلال الغداء..أبدى إيلكر اهتماما واضحا ببتول..كان يحدثها بإطناب عن المأكولات المصرية و طريقة اعدادها..و كانت هي مستمتعة بحديثه جدا..بعد الأكل..سأل ياغيز" قهوة؟" رد الجميع" نعم..بكل تأكيد" نظر هو الى هزان و قال" حلوة..مثل العادة" ابتسمت بسخرية و اجابت" مُرّة" رفع ياغيز حاجبه استغرابا و سألها بإصرار على المعرفة" منذ متى؟" قالت بهدوءها المعهود" العادات كالأشخاص..تتغير بسهولة" هز برأسه و قال بنبرة مخنوقة" نعم..معك حق" ..احضر العم طاهر القهوة و الحلويات و هو يسأل ان كان قد اعجبهم الأكل فشكره الحاضرون و اخبروه بأن الأكل كان رائعا..التفت ياغيز نحو الباب فرأى ليلى تدخل و تتجه نحوها..سحب كرسيه و وقف ثم اعترضها و خرجا معا الى الشرفة لكي يتحدثان بحرية..تمتمت بتول مخاطبة هزان" أشعر بأنها حبيبته..حتى ايلكر اخبرني بأنها تغازله منذ مدة و هو يهتم بها و بإبنها" هزت هزان كتفيها بلامبالاة و همست" و ما شأني أنا؟ لماذا تخبرينني بهذا؟ الحياة حياته و هو حر فيها" رمقتها بتول بنظرات استغراب و سألت من جديد بصوت خافت" ألا تغارين عليه؟ انظري اليها..انها تلامس وجهه بدلال..لا اصدّق بأنك نسيت حبك له بهذه السهولة..انك تتظاهرين بعكس ذلك فقط..لكن الى متى؟ سيأتي يوم و تعترفين فيه بأنك مازلت مغرمة به مثل أول يوم و ربّما أكثر..سترين..أنا واثقة من ذلك" وضعت هزان رأسها على كتفها قالت ساخرة" آه..انني أفقد الوعي من شدة حبي له..ألا ترين..ارجوك ساعديني و الا قتلني حبّه..ساعديني" أزاحت بتول راسها عن كتفها و خاطبتها بجدية" هزان..أختاه..لماذا تفعلين هذا؟ لماذا تنكرين ما أراه جليا في عيونك..لو كنت توقفت عن حبّه كما تدّعين لكنت عشت علاقة غرامية و ارتبطت بأحدهم..لكنك واقفة في مكانك..و تهبين كل حياتك للعمل..و كأن العمل هو الشيء الوحيد الذي يبقيك على قيد الحياة..تتظاهرين بقوة و جبروت اعلم جيدا بأنهما يخفيان خلفهما ضعفا و انكسارا..فلماذا لا تحاولين احياء علاقة الحب التي جمعتكما في السابق؟ ما سبب هذا الجفاء بينكما؟ لا أفهم" تجهم وجه هزان و غابت ابتسامتها و خيمت ظلال الحزن على عيونها و هي تقول بصوت منكسر" لأنك لا تعلمين شيئا..ما بيننا أكبر و أعمق من أن يتصلح بهذه السهولة..لا تنكئي جراحي و دعيها نائمة لكي لا تؤلمني من جديد" عاد ياغيز اليهم فاخبره الجميع بأنهم جاهزون للمغادرة..راحوا ينزلون الدرج المؤدي الى الطابق الارضي و المدخل..بقيت هزان للآخر..مرت من أمام ياغيز و وضعت رجلها على الدرج و دون أن تنتبه انزلقت رجلها و همّت بالسقوط لكن يد ياغيز التي التفّت على خصرها جذبتها و أنقذتها..وجدت هزان نفسها بين ذراعيه..رأسها ملقى على صدره و يداها متعلقتان بكتفيه..اما يديه هو فكانتا تحاوطان خصرها كسوط من نار..لم يكونا على هذا القدر من القرب منذ ثلاث سنوات..و ها هما يقفان متلاصقين..تسمع هي دقات قلبه المجنونة..و تسحب رائحة عطره الى اعماقها..و يدفن هو وجهه في خصلات شعرها حيث تلك الرائحة التي تذهب صوابه..لم تجرؤ هي على رفع عيونها نحوه..كانت تخشى أن تنسى كل شيء في لحظة واحدة..و يستيقظ جنونها الذي دفنته منذ سنين..أما هو فاغمض عيونه مستمتعا بهذا الاقتراب اللذيذ..وضع يده تحت ذقنها و رفع وجهه نحوها فالتقت عيونهما و قالت ما ينكرانه..لقد اشتاق احدهما للآخر..رغم الجرح..و رغم الألم..و رغم كل ما حدث..سارعت هزان الى الابتعاد عنه و هي تتمتم بصوت خافت" شكرا لك" و انطلقت تنزل الدرج بسرعة هربا منه و من نفسها..

الجريئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن