50..المواجهة المنتظرة

2.8K 70 10
                                    

في غرفتها..اتصلت بتول بإيلكر و قالت" مرحبا..هل وجدت مكانا ملائما لخطتنا؟" رد" نعم..هناك شقة اشتريتها عندما أتيت الى مصر للمرة الأولى و قطنت فيها لشهور ثم و عندما جاء ياغيز أصر ان نبقى سويا في شقته التي وفرتها له الادارة..أتعلمين؟ لقد استغرق كثيرا من الوقت لكي يتأقلم هنا رغم انها لم تكن المرة الأولى التي يأتي فيها الى مصر..لكن..هذه المرة كانت مختلفة..كان حزينا و كئيبا..و كأن شيئا ما ينقصه..و لا يمكن له أن يكتمل بدونه..أعتقد أن للأمر علاقة بهزان" تنهدت بتول بعمق و ردت" و هزان ايضا عانت الكثير بعد انفصالهما..لقد مرضت و بقيت في المشفى لأيام..و حتى عندما شفيت من المرض..لم تعد أبدا كما كانت..فتاة مفعمة بالحيوية و النشاط..صارت نسخة اخرى اقوى ربما لكنها اكثر صمتا و كآبة" قال إيلكر" اسمعيني بتول..انا علي أن أحضر ياغيز الى منزلي..و أنت احضري هزان..و لا تقلقي..سأرسل لك سيارة بسائق يعرف المكان جيدا لكي لا تخطئا الطريق..و ما علينا سوى أن نغلق عليهما الباب و نتركهما هناك لكي يتكلمان..اتفقنا" قالت" اتفقنا..موعدنا على الساعة التاسعة ليلا..و لنتمنى بأن يلين قلب كل منهما و ينتهي هذا الجفاء الذي طال بينهما" اجاب" آمين..الى اللقاء" و أنهى المكالمة..
تناولت هزان و بتول طعام العشاء في الفندق مع المجموعة و ظلوا يتسامرون و يشربون القهوة و يتبادلون اطراف الحديث..و كانت هزان أقلهم كلاما كعادتها..و مع اقتراب الساعة التاسعة..أخذت بتول هزان الى الخارج و اقنعتها بأن هناك مكانا اثريا سريا يجب ان يذهبا اليه و أنها اتفقت مع إيلكر على زيارته بسرية تامة..أخذت هزان حقيبتها على عجل دون أن تنتبه الى علبة الدواء التي سقطت منها و تبعت بتول الى الخارج..ركبتا السيارة التي أرسلها إيلكر و ما هي الا دقائق حتى وصلتا الى المنزل..و كان قد سبقهما إيلكر اليه صحبة ياغيز بعد أن أقنعه بأنه يريده أن يساعده في تنظيف البيت كما تعودا أن يفعلان بين الحين و الآخر..نظرت هزان الى المنزل و رفعت حاجبها استغرابا ثم سألت" بتول..هل هذا هو الموقع الأثري السري الذي احضرتني اليه؟" ردت" لا تتسرعي..سترين بعينك..ادخلي" فتح إيلكر الباب و ما ان دخلت هزان حتى خرج و اغلق الباب بالمفتاح..ثم اصطحب بتول في جولة بالسيارة..بقيت هزان واقفة لوهلة ثم ما ان رأت ياغيز يخرج من المطبخ حتى راحت تطرق الباب بعنف و تصيح بصوت عالي" بتول..افتحي الباب و اخرجيني من هنا و الا اتصلت بالشرطة" نظر ياغيز حوله و سأل بدهشة" هزان..ماذا تفعلين هنا؟ و أين إيلكر؟" أجابت دون أن تتوقف عن طرق الباب" لا أعلم..لقد خرج و أغلق الباب بالمفتاح..و بتول..ذهبت معه..الحقيرة..لقد خدعتني..سأقطع رقبتها عندما أخرج من هنا" قال ياغيز بهدوء" توقفي اولا عن ضرب الباب..ثانيا..اهدئي..ثالثا..يبدو أن غايتهما ليست سيئة..يريدان جمعنا في مكان واحد لكي نتحدث" رمقته بنظرة حادة و صاحت" و من قال لك بانني أريد أن أتكلم معك؟ و عمّ سنتكلم؟ لا داعي لذلك..ما فات مات..افتح الباب لو سمحت..أو حاول كسره لأنني سأجن ان بقيت هنا أكثر من هذا" ابتسم ياغيز و قال" قد لا تصدقينني اذا قلت لك بأنني لا املك مفتاحا و الخبيث إيلكر أغلق حتى النوافذ لكي لا نستطيع الخروج من هنا..فإهدئي و تعالي اجلسي" هزت كتفيها بعناد و ردت بإصرار" لا أريد..أريد أن أذهب من هنا" وقف ياغيز بقربها و همس" هزان..لو سمحت..تعلمين جيدا بأنني لن اؤذيك..تعالي و اجلسي" رمقته بنظرة باردة و كأنها تقول نعم لقد فعلت و اذيتني كثيرا..ثم ابتعدت عن الباب و جلست على الأريكة و هي تفرك اصابع يديها بتوتر واضح..ضحك ياغيز و جلس قبالتها ثم علق ساخرا" من يرى توترك هذا يظن بأنها المرة الأولى التي نكون فيها معا لوحدنا في مكان ما..في السابق..كنت تستغلين الفرصة لكي تستفردي بي و .." قاطعته بعصبية" هلا توقفت عن هذا لو سمحت..لا اريد أن أسمع منك شيئا..اصمت فقط..لا داعي لنبش الماضي..هذا لن يفيدنا بشيء" انتفض ياغيز واقفا و صاح بها" هزان..لا تفقديني صوابي..لماذا تتكلمين و كأنك انت الضحية و انت المجروحة و التي لا ترغب بالحديث عن الماضي لكي لا تتألم أكثر..غريب أمرك..أنت من اوصلنا الى هنا..أنت المذنبة الوحيدة..مصيبة ان لم تكوني قد ادركت هذا بعد..أنت من لعبت بي و بمشاعري و ضحكت علي مع رفاقها..كنت موضوع تسلية رائع..أليس كذلك؟ هذا كله و تمثلين أنت دور الضحية؟ هذا كثير صراحة" بقيت هزان في مكانها تهز رجلها بعصبية و تفرك أصابع يديها..انتظر أن تتكلم..او أن تجيبه..لكنها لم تفعل..راحت تبحث داخل حقيبتها بيدين مرتعشتين ثم صاحت بعصبية" اللعنة..لا يوجد لا هاتف و لا..بتول..سأقتلك على فعلتك هذه" انقض ياغيز عليها و قد نفذ صبره و زاد غضبه..أمسكها من ذراعيه و اوقفها و راح يهزها بعنف و يقول" قولي شيئا..أجيبي..دافعي عن نفسك..لا تصمتي هكذا..صمتك يثير جنوني" نظرت اليه و ردت" لن افعل..لن ادافع عن نفسي..هل سمحت لي بذلك منذ ثلاث سنوات؟ هل اعطيتني فرصة واحدة للدفاع عن نفسي؟ هل سمحت لي بتوضيح ما حصل؟ طبعا لا..فغرورك و غضبك اعميا بصيرتك و جعلاك تحاكمني دون اية فرصة للدفاع عن نفسي..المحكوم بالاعدام يعطونه فرصة للدفاع عن نفسه..اما انا فلا..و لماذا؟ لانني مسست من كرامة الأستاذ العظيم ياغيز ايجمان..فماذا فعل هو؟ عاقبني بأحقر الطرق..لقد قتلت فيّ ليلتها كل شيء جميل أحمله لك في داخلي..لقد عاملتني معاملة العاهرة الساقطة التي تترفع عنها لانك لا تريدها..انت لم تجردني من ملابسي فقط ليلتها..لقد جردتني من كرامتي و عزة نفسي و ثقتي بنفسي..لقد قضيت علي ليلتها..قتلت هزان اليافعة الشقية التي كانت تتخذ كل الأمور ببساطة و تواجه قسوة الحياة بضحكتها..و تأتي الآن لتسمع دفاعي عن نفسي..لن افعل..هل فهمت..لن أفعل..لانك فقدت تلك الفرصة منذ ثلاث سنوات" ضغط باصابعه اكثر على ذراعيها و قربها منه حتى صار جسدها لصق جسده و وجهه على بعد إنشات قليلة من وجهها و اجاب بنبرة غاضبة" و أنت ماذا فعلت؟ هل عاقبتك هكذا دون سبب؟ هل ظلمتك؟ أنسيت كيف كنت تتحدثين عني يومها مع بتول؟ و كيف فعلت كلما يلزم لكي تحصلي علي؟ حركات الاغراء و الدلال المدروسة التي قمت بها آتت أكلها؟ بماذا كنت اشعر أنا حينئذ؟ ها؟ هل كنت سأشعر بالفخر لأنك اعتبرتني مجرد لعبة أحببت الحصول عليها و انتصرت؟ هل كنت سأكون سعيدا بكلامك الساخر عني و باستهزائك بمشاعري بعد أن وقعت في حبك دون يقين؟ هل كان يفترض بي أن أنتظر انتشار الخبر في الوسط الدراسي لكي أطرد من عملي و اصبح محط سخرية الجميع فأخسر هيبتي و مكانتي امام زملائي و امام طلبتي؟ لا..آسف..لم أستطع أن أفعل ذلك..كانت علاقتنا خطئا و أصلحته" حملقت فيه هزان و ردت بمرارة" خطأ؟ علاقتنا خطأ؟ و أنت أصلحته؟ نعم..لقد فعلت..و بطريقة رائعة..لقد تخلصت من تلك الفتاة اللعوب التي سخرت منك و من مشاعرك و تركتها دون أن تلتفت وراءك..برافو..لقد فعلت الصواب..فلماذا نتحدث اذا؟ و ما فائدة هذا الكلام السخيف الذي نقوله؟ المشاعر التي ماتت و دفنت تحت التراب صارت من الماضي..و لا داعي لكل هذا" حاولت هزان ان تتخلص من قبضته لكنه لم يسمح لها بالابتعاد..تمتم بصوت خافت" ليت ما تقولينه كان صحيحا..لو ماتت المشاعر حقا لما كنا هنا الآن يحترق أحدنا من أجل الآخر..و لا تحاولي اقناعي بأنك نسيت ما كان بيننا و لم تعد لديك مشاعر تجاهي..أستطيع أن أسمع دقات قلبك العالية من مكاني..اليوم عندما أمسكتك و منعت سقوطك فهمت بأنني هربت منك لكي لا اضعف أمامك و أنسى ما فعلته بي..لأنك خطر علي..و قلبي مازال يكن لك.." قاطعته و هي تصيح" اصمت..لا اريد أن اسمع..دعني..أتركني..لا أريد أن أسمع" و راحت تتخبط بين ذراعيه في محاولة للتخلص من قبضته المحكمة..

الجريئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن