وقفت هزان جانبا و هي تتجنب النظر إليه رغم انها كانت تشعر بنظراته التي تلتهمها إلتهاما..اقتربت منها بتول و همست بصوت خافت" لقد تغيّر كثيرا..و صار اكثر وسامة بصراحة..كيف تنجحين في البقاء هادئة هكذا؟" ابتسمت هزان و ردت" لقد مرّ وقت طويل..و انا ايضا تغيّرت..و ما كان يؤثّر فيّ سابقا لم يعد يفعل الآن..معادلة بسيطة..لنلتفت الى عملنا..هو اولويتي دائما" حملقت فيها بتول و كأنها لا تصدّق الثبات الذي هي عليه..تلك التي مرضت بسببه..و هدّت الحمّى جسدها لأيّام..تلك التي بكت كثيرا بسببه..و التي كانت تتأثر بمجرّد نظرة أو ابتسامة منه..تقف الآن كتمثال جامد لا حياة فيه..قاد ياغيز المجموعة نحو توابيت المومياوات الملكية التي خصصت لكل منها حجرة مجهزة بأجهزة إنذار و بشاشات ضخمة تعرض قصة حياة كل منها و تاريخ موتها و طريقته..راحت بتول تسجّل بعض المعلومات الضرورية اما هزان فاقتربت من التوابيت و راحت تدقق في شكل المومياوات..سأل برنار" سيد ياغيز..هل مسموح لنا ان نأخذ بعض العينات من الجثث المحنطة لدراستها؟" هز ياغيز برأسه بالايجاب و هو يقول" نعم..لقد أتتنا تعليمات واضحة من سيادة الوزير خالد بتسهيل عملكم و تمكينكم من كل الادوات التي قد تحتاجون إليها..و انا بدوري جاهز لتقديم كل المعلومات اللازمة" قال روجر" سيد ياغيز..يبدو انك تحب التاريخ و الآثار مثلنا" ابتسم ياغيز و اتجهت نظراته تجاه هزان ثم اجاب" نعم..لدي دكتوراه في التاريخ و كنت استاذا جامعيا فيما مضى" علق روجر" هذا رائع..وجودك معنا سيكون مفيدا جدا لنا سيد ياغيز" رد" هذا من دواعي سروري سيد روجر" نظرت هزان الى برنار و قالت" سأبدأ في اخذ العينات اللازمة للبحث..هلا احضرت لي المعدات اللازمة من السيارة لو سمحت" انحنى برنار امامها و قال مازحا" أمر مولاتي..و من يستطيع أن يرفض امر السلطانة" رمقته بنظرة حادة و قالت بنبرة صارمة" توقف عن إلقاء تعليقاتك المستفزة و قم بما طلبته منك" تحرك برنار مبتعدا فيما بقي ياغيز يتابع ما يحدث بدهشة و استغراب..لقد اختفت هزان القديمة التي درّسها..تلك الفتاة المدلّلة و المستهترة و الضاحكة على الدوام..لتحلّ محلّها إمرأة مثقفة و جادّة و صارمة تعطي الأوامر دون تردد و تعطي كل تركيزها لعملها..لكن هذا كله لم يبعد في ذهنه احتمال أن تكون تلاحقه الى هنا لكي تقنعه بمسامحتها و الغفران لها..اقترب منها مستغلا انشغال افراد المجموعة بعملهم..وقف خلفها و سأل بصوت خافت" كيف حالك؟" لم ترفع رأسها عن التابوت و أجابت ببرود" في أحسن حال" قال" لم أتوقع أن أراك هنا بصراحة..آخر ما كنت اتوقعه هو أن نلتقي هنا في مصر" ردت و هي تلتف الى الجهة المقابلة و تواصل عملها دون أن تنظر اليه" و انا ايضا..لم أتوقع أن اراك هنا" ابتسم ياغيز بسخرية و اتكأ بيديه على التابوت و قرب وجهه من وجهها و هو يهمس بصوت خافت" أمر لا يصدق..كيف ذلك؟ ألم تكوني تعلمين بأنني انتقلت للعمل هنا؟ الجميع يعلم بأنني مستقر في مصر منذ ثلاث سنوات..فكيف لم تتوقعي رؤيتي هنا؟" ردت هزان ببرود" لأنني لم اشغل نفسي يوما بالسؤال عن اخبارك أو بمعرفة اين تعيش..امر لا يعنيني صراحة" انزعج ياغيز من برودها في التعامل معه و علق بعصبية" توقعت أن تعامليني ببعض الاحترام نظرا الى انني كنت أستاذك ذات يوم..ثم لا تتوقعي مني أن أصدّق بأنك لم تكوني تعلمين بوجودي هنا في مصر..من قال بأنك لست هنا لكي تريني بالأساس و تحاولي اعادة ما مضى" ابتسمت هزان بسخرية و رفعت عيونها لكي تنظر اليه ثم قالت" آسفة..هذا ليس صحيحا..أعتذر لأنني خيبت أملك..مشكلتك انك تعتبر نفسك محور الكون و كل ما يحدث على المجرّة له علاقة بك..يمكنك أن تعتقد ذلك..أنت حر..لكن لا تضعني ضمن دائرة الأشخاص المهتمين بملاحقتك حيث ذهبت..تلك الفتاة الساذجة التي كانت تركض خلفك لتحظى منك بنظرة لم تعد موجودة..الصغيرة كبرت و نضجت و صار لديها عقل يحرّكها و يضبط تصرفاتها..ما فات مات..مثل هذه المومياوات..لم يعد به حياة..لم يعد سوى مادة للدرس و التدقيق..و انا تعلّمت الدرس جيدا..و الآن عن اذنك..لدي الكثير من العمل أقوم به" و تحركت من امامه لكي تبتعد لكنه أمسكها من ذراعها و همس بصوت خافت" لست وحدك من تألم و تعلّم درسا قاسيا مما حدث..أنا ايضا كذلك..أنت تغيّرت..و أنا تغيّرت..و أتمنى بأن نحافظ على مسافة الامان التي تضمن الابقاء على علاقة عمل صحية بيننا" انتزعت هزان يدها من يده و اجابت" و هذا يناسبني..عن اذنك" و مشت بخطوات ثابتة نحو برنار الذي احضر المعدّات فأخذتها منه و راحت تسحب بعض العينات من المومياوات..
أنت تقرأ
الجريئة
Roman d'amourهناك خيط رفيع بين الجرأة و الوقاحة..بين التحلي بشيء من الإندفاع و الجسارة للحصول على ما نريده..و بين الضرب بكل القيم و المبادئ و الالتزامات عرض الحائط لمجرد ارضاء غرور أو اثبات شيء ما..و قد تتداخل الأمور أحيانا لكي تتشابه الجرأة و الوقاحة من أجل تحق...