54..إنقلبت الأدوار

2.8K 71 19
                                    

..وصل ياغيز و هزان الى المختبر التابع لإدارة الأبحاث المصرية..مبنى فاخر يقع في قلب العاصمة القاهرة..بواجهة زجاجية و حديقة محيطة و مرآب مخصص للسيارات..أوقف ياغيز السيارة و ترجل منها..فتح الباب لهزان و وضع يده بخفة على خصرها يرشدها الى الطريق..دخلا فاقترب من موظفة الاستقبال و سألها" أين السيد جمال..لدي موعد معه..أنا ياغيز ايجمان" ابتسمت الموظفة و أجابت" مرحبا سيد ياغيز..انه ينتظرك في مكتبه" رد" شكرا لك" سألت هزان" من يكون السيد جمال؟" أجاب و هو يضغط على زر المصعد" هو مدير المختبر..أو بالأحرى مدير مركز الاختبارات العلمية..هنا تجرى كل الاختبارات في مختبرات منفصلة..أردت أن أعرفك عليه لكي يساعدك في عملك و يسهل لك كل الأمور" قالت" شكرا لك..أقدر كثيرا المجهود الذي تقدمه لتسهيل عملنا" رد و هو يفسح لها المجال لتركب المصعد" لا داعي للشكر..هذا واجبي" ..انغلق عليهما باب المصعد فإتكأ هو بجسده على القضيب الحديدي و وقف قبالتها يتأملها..سألت بخجل" هل ستبقى تنظر الي هكذا طوال اليوم؟" ابتسم و رد" النظر اليك يسعد قلبي..و يعطيني طاقة ايجابية كنت أفتقدها..فلا تحرميني منه" ابتسمت هزان و لم تجد كلاما تردّ به عليه..كلماته كانت تبعث الدفء في قلبها و تسعدها حتى و لو حاولت انكار ذلك..مازال قادرا على تحريك سواكن مشاعرها رغم كل الوقت الذي مضى و رغم كل ما حدث بينهما..مازال هو الرجل الوحيد القادر على اثارتها و على جعلها مندفعة و مجنونة من جديد..مازال حبها له يلتهب تحت رماد الغضب و الفراق و الألم..كانت واثقة بأنه سيكون هو الأول و الأخير في حياتها ..لو مهما حدث بينهما و مهما اعترض طريقهما من مصاعب و انحدارات..سيكونان معا في النهاية..وصلا أخيرا الى مكتب السيد جمال..رجل في اواخر الخمسينات من عمره..بطلعة بهية و بطول فارع..بشرته سمراء فاتحة و عيونه واسعة و جبينه عريض..ابتسامته تزين محياه و مشيته واثقة و مهيبة..رحّب بهما بحفاوة و وضع كل الامكانيات المتاحة تحت تصرّف هزان ثم اصطحبهما الى المختبر الخاص بالعينات الأثرية حيث وجدت هزان أحدث الآلات و التجهيزات التي تساعدها على انهاء عملها أسرع مما كانت تظن..خرج جمال و تركهما لوحدهما..فتحت هزان حقيبتها و راحت تضع العينات في الأماكن المخصصة لها قبل أن تنطلق في تحليلها..قالت" بإمكانك الذهاب ان كان لديك عمل..و سأتصل بك متى أنهيت عملي" ابتسم و سحب كرسيا ليجلس قبالتها ثم أجاب" اليوم أنت عملي..و أنا على ذمّتك و تحت أمرك..اشتقت للبقاء معك في مكان واحد..لكن الادوار انقلبت اليوم..فأنت الأستاذة و أنا التلميذ" ردت" لا..العفو..كنت و ستبقى أستاذي الذي علّمني و الذي أنا ممتنة لكل ما قدمه لي..لكنني خفت أن تضجر و تملّ و أنا.." قاطعها" أضجر و أملّ و انا اراقب هذا الجمال الأخاذ و هو يعمل؟ هراء..مراقبتك و أنت تعملين متعة ما بعدها متعة..و ان كنت خائفة من أن أزعجك..فلا تقلقي..لن تشعري بوجودي حتى" ..كانت تعلم بأن هذا صعب جدا عليها..كيف تستطيع ألا تشعر بوجوده بينما حضوره الطاغي يسيطر على المكان..هيبته..جماله..رائحة عطره..صوته..و كل ما فيه..كل هذا يجعل عدم احساسها به مستحيلا..خاصة مع هذه النظرات الدافئة التي يرمقها بها..سحبت نفسا عميقا قبل أن تحاول أن تصب كل تركيزها على عملها..ارتدت النظارات المخصصة و راحت تحلل العينات و تسجل الملاحظات الهامة على دفترها..بقي هو في مكانه للحظات قبل ان يتحرك داخل المختبر و يعرض عليها مساعدته..طلبت منه بعض الامور البسيطة و التي كان يقوم بها و الابتسامة لا تفارق محياه..كان فعلا سعيدا لأنه بقربها..لمح بعض قطرات العرق تتلألئ على جبينها فأخذ منديلا من جيبه و اقترب منها و همس بصوت مبحوح" اسمحي لي" رفعت رأسها نحوه فراح يمرر المنديل ببطء على جبينها..كان أقرب اليها من النَّفَس الذي تسحبه الى أعماقها..تشعر بدفء انفاسه يلفح وجهها..و برائحة عطره تداعب أنفها..هربت بعيونها من عيونه البلورية المغرية و تمتمت" شكرا لك" و همت بالحركة لكنه أوقفها بأن ثبّت كرسيها بساقه و همس من جديد" بقيت بعض القطرات هنا" و كان يقصد ب هنا رقبتها..قرّب وجهه أكثر منها و راح يمسح قطرات العرق اللامعة على عنقها..تسارعت خفقات قلب هزان و عادت بها الذاكرة الى حركات الاغراء الجريئة التي كانت تفعلها عندما كانت طالبة لديه..و ها هي الادوار تتغير..و يصبح هو من يشاغبها..أغمضت عيونها مستمتعة بتلك الذكريات اللذيذة و بقربه الجميل منها فاستغل هو الموقف و طبع على رقبتها قبلة خفيفة جعلت جسدها يرتعش و أنفاسها تتسارع..فتحت عيونها و نظرت اليه بغضب فقال" آسف..لم أستطع منع نفسي من القيام بذلك..أنت مغرية بكل تفاصيلك" قطبت جبينها و ردت بعصبية" دعني أقوم بعملي لو سمحت" رفع يديه مستسلما و عاد ليجلس قبالتها..بعد ساعتين..أنهت عملها و راحت تجمع اغراضها استعدادا للمغادرة..سألها" ماذا ستفعلين الآن؟ هل لديك خطط مسائية؟" ردت" سأسلم نتائج المختبر للمجموعة و نحاول تجميع ما حصلنا عليه..أما في المساء..فلا أعلم..هذا مرتبط بفريق العمل..ربما نذهب الى.." وقف أمامها مباشرة و نظر داخل عيونها و قال بإصرار" أنت معي..هذا المساء..لن أقبل أي اعتذار..سأصطحبك في جولة ليلية على النيل..سنتناول معا طعام العشاء ثم سأعيدك الى الفندق..هي ساعة واحدة سأسمح لك فيها بالغياب عن ناظري..ثم..سنكون معا من جديد..هل هذا واضح؟" بقيت تحملق فيه و كأنها لا تصدق نبرة الثقة التي خاطبها بها..وضع يده على خصرها و جذبها نحوه حتى التصق جسدها بجسده و سألها من جديد" هل هذا واضح؟" سارعت الى الابتعاد و ردت" نعم..اتفقنا" ..خرجا معا من المختبر و ركبا السيارة..في الطريق..توقف ليشتري لها نوعها المفضل من المثلجات..اعطاها اياها و هو يقول" أتمنى الا يكون قد تغير ذوقك في المثلجات ايضا" هزت برأسها بالنفي و سارعت الى فتح العلبة و لعق الملعقة و كأنها فتاة في الخامسة من عمرها..راح يراقبها و هو يحاول ألا ينشغل عن الطريق..كانت مثيرة كالجحيم و بقايا الشوكولاطة و الكراميل تحيط بشفاهها الممتلئة..قال بصوت مخنوق" هزان..أنهي ما تفعلينه بسرعة قبل أن تتسببي لنا في حادث مميت..انك تقتلينني" تظاهرت بالغباء و ردت بسذاجة مصطنعة" و ماذا فعلت أنا؟ أنت من اشترى لي المثلجات" قال باستسلام" نعم..انا السبب..اللعنة علي" فانفجرت هزان ضاحكة كما لم تفعل منذ زمن..ضحكت من كل قلبها..و بسعادة فتاة صغيرة و بريئة لم يفعل الزمن فعلته في قلبها و روحها..كم أسعد ضحكها ذلك ياغيز..

الجريئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن