41..جرح نازف

2.8K 67 6
                                    

عادت هزان الى يختها و هي ترتعد من القهر و الغيظ و الحزن و الانكسار..لم تنتبه حتى لقطعة الزجاج المنغرسة عميقا في قدمها من الأسفل و التي داست عليها دون أن تنتبه و هي ترتدي ثيابها و تغادر بسرعة من يخته..اختلاج قوي ألمّ بها و برد قاس لفّ كل جسمها..لقد أهانها ياغيز و أذلّها و عاملها معاملة العاهرة التي تبحث عن ارضاء غريزتها و بيع جسدها لمن هبّ و دبّ..معه حق..ربّما..لا تنكر أنها اخطأت في حقه..و أنها وضعته في موقف سخيف عندما قررت أن تلاعبه و أن تغازله لكي تلفت انتباهه..لكنها لم تتحدث عنه هنا و هناك كما اتهمها..لم تقلل من شأنه و لا من احترامه أمام أحد..لقد أحبته من كل قلبها..و صارت مستعدة لوهبه كل قلبها و مشاعرها دون تردد..ما ابتدأ بلعبة صار واقعا و حقيقة لا مفرّ منها..و الآن بعد أن أسعدها تحقيق حلمها بأن تعيش معه قصة حب رائعة..هاهو هذا الحلم يتحوّل الى كابوس مزعج و الى عقاب قاس لا يقوى قلبها على تحمله..اتجهت هزان الى حمام الغرفة السفلية و فتحت مرش المياه الدافئة و وقفت تحته لعلّ تلك الرعشة التي تسري في جسدها تختفي..لكن دون جدوى..كانت تهتز كورقة شجرة في مهبّ الريح..و دموعها تسيل على خديها دون توقف..مازالت كلماته القاسية ترن في أذنيها و نظراته المرعبة تحاوطها من كل مكان..لم يسبق لها أن رأته هكذا..لم يسبق لها أن خافت منه..لم يسبق لها أن رأته منكسرا و مهزوما كما رأته اليوم..و هي السبب..لم تستطع إلا أن تلوم نفسها على الخطأ الذي ارتكبته في حقه و ان تحمّل نفسها مسؤولية ما حصل له..هي المذنبة الوحيدة..بسبب دلالها و استهتارها و جرأتها الزائدة عن الحد و التي تحولت الى وقاحة و تلاعب قاس بمشاعر الآخرين..و ها هي تحصد ما جنته يداها..نظرت هزان الى الأسفل بعيون ضبابية بسبب دموعها السخية فرأت الدماء تسيل من قدمها..انهارت على الارضية و صارت تنهج بالبكاء بصوت عالي..ألم قلبها و روحها يفوق بكثير ألم رجلها المجروحة..صوت بكاءها ايقظ بتول من نومها فأسرعت نحوها و راعها ما رأت..جثت على ركبتيها أمام رفيقتها و راحت تلامس وجهها بحنان و تسأل بقلق"هل أنت بخير يا صديقتي؟ مالذي اصابك؟ ما هذه الحال التي انت عليها؟ هل انت مريضة؟" وضعت بتول يدها على جبين صديقتها فوجدت حرارتها مرتفعة جدا..صاحت بخوف" يالله..أنت تحترقين..و ماهذا ايضا؟ ساقك تنزف..أين ذهبت؟ هل تشاجرت مع احد؟" لم تجبها هزان..ساعدتها بتول على تغيير ملابسها و نظفت لها جرحها و ضمدته ثم مددتها على السرير و اعطها دواء خافضا للحرارة و بقيت جالسة بجانبها..سألتها مرارا و تكرارا عما حدث لكنها لم تجبها..كانت تنظر في الفراغ بعيون جامدة لم تتوقف دموعها عن الانهمار..
في يخته..بقي ياغيز مستلقيا على ظهر اليخت و غضبه لم يهدأ بعد..هل قسى عليها؟ نعم..لأنها تستحق قسوته تلك..لقد عاملها بالطريقة التي تستحقها..يجب ان تفهم بأن مشاعر البشر ليست لعبة في يدها لكي تتلاعب بها كما تشاء..لقد أهانته و جرحت كرامته فأهانها و جرح كرامتها..لقد تحول ما بينهما فجأة من حب جارف و مجنون الى جرح غائر و نازف..هل سيشفى يوما؟ لا يعلم..هل سيكون قادرا على مسامحتها يوما؟ لا يعلم..هل سيكون قادرا على مواصلة العيش هنا و كأن شيئا لم يكن؟ صعب..لا بل مستحيل..أن يراها كل يوم أمام عينيه..أن يلمح نظرات السخرية و تهامس طلبته عليه..أن يلوم نفسه على الموقف المذلّ الذي وضع فيه نفسه..أن يلومها كل يوم على ما اوصلتهما اليه..هذا كله ثقيل على قلبه و لن يقوى على تحمله..نظر الى ساعته..انها الرابعة فجرا..نزل الى الأسفل و قد اتضح القرار الذي سيتخذه في ذهنه..و بدا كل شيء جليا امامه..سيبتعد عن هنا و سيواصل حياته في مكان آخر قد يساعده على الشفاء من جرح كرامته و ألم قلبه..دخل الى الغرفة السفلية فرأى قطع الزجاج المتناثرة هناك و قطرات دماء على الارضية..تتبع اثر الدماء فرآه يمتد الى الخارج ففهم أنه يخص هزان..لا شك انها داست على قطعة زجاج عندما كانت تغادر..وقف في الخارج و نظر الى يختها..أيعقل بأنه قلق عليها و يريد أن يطمئن عنها بعد كل ما فعلته معه..تأفف بضيق و عاد الى الداخل و راح يجمع ثيابه و أشيائه استعدادا للرحيل..

الجريئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن