" ناجح بملاحظة حسن.
المعدل الجملي: 15,67
علوم الحياة و الأرض:18.75
الفيزياء و الكيمياء: 14,5
الرياضيات:11.75
الفرنسية: 13.25..."
لم أعد أرى بوضوح و لم أدرك أني صرت أبكي إلى أن تذوقت على شفتاي ملوحة سائل خان مقلاتاي و انحدر على خداي. دموعي. دموع لم أستطع التحكم فيها طيلة السنة الدراسية جراء ضيق الوقت و كثرة المواد، أمام توقعات عائلتي الكبيرة و طاقة احتمالي التي باتت تتناقص يوما بعد يوم و معها أملي في تحصيل نقاط كافية لضمان قبولي باحدى كليات الطب الأربعة.
أما اليوم، ففسحة أملي انعدمت تماما و ضاقت حيلتي.
حلمي! كل ما طمحت بتحقيقه منذ الصغر ضاع! و لا أحد يلام غيري أنا. ماذا ستقول أمي للجيران و الأقارب؟ لطالما نادتني بالدكتورة أمام الجميع مثيرة غيرتهم. لقد خذلتها، خذلت الجميع بما فيهم نفسي.لم أدرك أني أسقطت الهاتف إلى أن رأيت أمي تنحني لتأخذه من الأرض. لم تحاول أن تقرأه بنفسها لكونها أمية لذلك أعطتني إياه قائلة:
- كم تحصلت؟
تمنيت لو استطاعت قرائة الرسالة النصية المرسلة من قبل وزارة التربية و التعليم. أجبتها بصوت خافت، خوفا من أن أغضبها أكثر:
-ليس جيدا.
-كم؟
-خمسة عشر فاصل سبعة و ستون.
-خذي التليفون. قلت لك أن هذا ما سيحدث لكنك لم تطيعيني. الآن سيتشمتون بك. كلهم! طول السنة و أنت لا تحاولين! زملائك يسهرون و يذاكرون دون توقف بينما لا تكملين تمرينا و تذهبين للنوم.
-أنا لا أدري كيف؟ أمي أنت تعلمين أني فعلت ما بوسعي لكنّ كل ذلك الضغط...
-كلهم مروا بنفس الضغوطات التي مررت بها لا تصطنعي الأعذار!لم أعرف ماذا أجيبها لأن كل ما قالته لا يحتمل الخطأ. كان بمقدوري أن أفعل ما أفضل، أن أصبر قليلا و لا أبالي بما حدث لي. سمحت لمشاكلي بأن تتحكم بي و تقودني إلى الإكتئاب و العزلة و نسيت أن أذكر اللّه و أطلب مساعدته عوض أن أشتكي لأمي لتسخر منها و تستصغرها.
لمحت أخي الذي كان جالسا يقف و يأخذ التليفون منها ليقرأ النتائج بصوت عالي ممزقا إيّاي مع كل عدد يرن في أذناي. كان الأمر مذلا جدّا و لم أستطع إيقافه لأني أردت لنفسي أن تذلّ و تعاقب لتكاسلها. معه الحق فلو أني اجتهدت لما أثبت كما كنت أفعل سابقا أني الأفضل أكاديميا.
صمت أخي قليلا و تنهد كأنه يحس بألمي ثمّ قال:
-صراحة، أنت في موقف لا تحسدين عليه. تلميذة معهد نموذجي ثم تحصّلين معدل كهذا في البكالوريا...إنّه أمر مؤسف.و بالفعل أمر مؤسف، أمر مؤسف أن تتحطم أحلامك لأنك ارتبكت في امتحان رياضيات وطني و لم تنهه ليربكك الأمر أكثر في امتحان الفيزياء في اليوم الموالي.
رنّ جرس المنزل فذهبت أمي لتفتح الباب. جيران أتوا لتهنأتي بالنجاح لعلمه بخروج النتائج. لا أريد استقبالهم و عيوني لم تجف بعد. لا أريد أن أزيف بسمة شكرا لكلماتهم اللطيفة المزيفة.
هم هنا ليتأكدوا إن كانت أمي ستتفاخر إلى ما لا نهاية بنجاحي و الكلية التي سأرتادها و بالطبع لا يريدون أن أحصّل ما أريده حتى لا يكون لأمي سبب للفخر.مسحت دموعي و وضعت بسمة ديبلوماسية تحميني شماتتهم و سخريتهم. لم أكن لأستقبلهم لول خوفي الشديد من إغضابي أمي أكثر.
رحبت بالجميع الذي هنأني بفرح، فرح لأني لم أخيب آمالهم و فشلت.
قدمت لهم الحلويات و المشروبات و تظاهرت بالفرح لأجل أمي بينما ارتجفت يداي و فقدت الإحساس في كلّ خنصر و بنصر من كلتا اليدين. حدثتهم عن حماسي للدراسة بإحدى المعاهد التحضيرية للهندسة و حاولت في باطني عقلي أن أقنع نفسي بها أيضا.و بعد ساعات طويلة قرر جميعهم أن يعودوا إلى منازلهم. ودّعتهم و هرولت إلى غرفتي حتى لا تلتحق بي أمي و تعاتبني أكثر.
أغلقت الباب و فتحت جهازي المحمول لسماع بعض الأغاني الغربية الصاخبة التي اعتدت سماعها طيلة الثلاث سنوات الفارطة.
إلا أنّه خطر ببالي عندما فتحت محرك البحث أن أكتشف مختلف المعاهد التونسية المختصة التي تدرس شعبة الهندسة في مختلف جهات الجمهورية.
فتحت الرابط الأول في صفحة البحث لأجد مدونة كاملة مختصة بمساعدة تلامذة البكالوريا في اختيار التوجيه الذي يلائمهم. كانت مقسمة حسب الشعب ثم حسب الإختصاصات. نقرت شعبة العلوم التجريبية لأتحصل على مختلف الإختصاصات التي أستطيع طلب التوجه لها.
لا أدري لماذا لكن عندما لاح لي رابط اختصاص الطب نقرته رغم أني أعرف جيدا أن مجموع نقاطي لا يمكّنني من الالتحاق بإحدى الكليات التي تدرسه.
رأيت أنه لا يحمل سوى مناقشة واحدة بعنوان 'اعادة توجيه'.
استغربت شبه خلائه من المناقشات. ربما لأن أغلبهم يحتفل في هذه اللحظة التي أكاد أخنق فيها.
قررت أن أقرأ ما كتب في هذا الموضوع فنقرت الرابطّ.
" لكلّ من فقد الأمل في الالتحاق بكلية الطب!
أنا طالب بالسنة الأولى بكلية الطب. السنة الفارطة واتتني ظروف جعلتني أتحصل على معدل ضعيف جدا (13,82) أحبطني جدا الحقيقة إلا أنه لم يفقدني الأمل في امكانية تحقيق حلمي. شاركت بدورة إعادة التوجيه التي تنظمها كل من كليات الطب الأربعة و سحبت ترسيمي من الكلية الذي وجهت اليها. قمت بسنة بيضاء و خلال الوقت ا الذي يفصلني عن شهر مارس، بذلت جهدا كبيرا في المراجعة. و الحمد للّه الآن أنا طالب بكلية الطب بالعاصمة. لذلك لا تيأسوا هذه الدورة هي فرصو ثانية لا تعوض."
أحسست بجرعة كبيرة من الفرحة تسري في عروقي. كنت أعلم بأمر هذه الدورة لكن لم أولها اهتماما لأني لاطالما ظننت أني لن أحتاجها و أني سأحقق ما أريده من دورة البكالوريا الرئيسية.
هرعت لفتح الباب و ناديت أمي و كلّي أمل متجدّد.هل كان طريقة كتابتي جيدة؟ إذا لم تكن إنصحوني كيف أحسنها لأني بالفعل أحب أن أحسن لغتي الفصحى وهذه أول محاولاتي.
أيضا أحب تفاعلكم فإذا أعجبكم الجزء الأول و تريدونني أن أواصل أعلموني.
ّ
أنت تقرأ
قلوب لطيفة (مكتملة)
Roman pour Adolescentsليلى فتاة تونسية، صاحبة أهداف كبيرة. لا طالما كان هدفها من الحياة، إرضاء خالقها و والديها ثم تحقيق حلمها. ألا وهو الإلتحاق بكلية الطب. لكن الكثير يمكن أن يحدث و يحول بيننا و بين أحلامنا. بعضنا قد يتحطم و يفقد الأمل في إمكانية تحقيقها بينما يتشبث الب...