قسوة

1.3K 112 20
                                    


عندما نهضت، توقّعت أن أكون بغرفتي. ربّما غرفة الجلوس بمنزلنا. حتّى قسم التشريح كان منطقيّا.

لم أكن بأيّ من تلك الأماكن.

كنت بغرفة بالمستشفى. غرفة تعوّدت أن أتلقّى بها دروسا. ولكن لم يكن الدرس أبدا شخصيا و لم أكن أعرف المريض شخصيّا.
هذه المرّة؟
عزيز كان مستلق بالسرير. صدره يرتفع و ينخفض في نسق ضعيف مدّته به الآلة عبر أنبوب. يداي لا تزالان تمسك بيده من أمس في إنتظار أن يستفيق ثانية.

عمودي بالكاد يتمكّن من تحمّل ثقلي و رفع رأسي.

إلتفت نحو العمّة سناء التي أبت أن تجلس أو تنام. كأنّه ستساعد بذلك.
"هو بخير صحيح؟ إبني بخير؟"
بللت شفتاي بتمرير لساني قبل أن أجيب. "ليست لديّ أدنى فكرة."
صمتت قليلا و سألت. "أ تعلم والدتك أنّك هنا؟"
عندما لم أجب، أضافت "أفترض أنّها لا تفعل."

تجاهلتها ثانية.
بدت كأنّما ستقول شيئا آخر عندما شعرت بيد عزيز تحاول التمسّك بي أكثر. وقفت في مكاني لأجد عيناه تراقباني و والدته.
إبتسمت لوهلة نحوه ناسية كلّما فعله بي.
إجابته كانت بتضييق قبضته أكثر حول يدي. كنت أريد أن أضربه و أوبّخه لإخفاء الأمر و لكن مع وجود أمّه ظننت أنّه سيكون من الأفضل تأجيل الأمر. ربمّا إلى الأبد لأنّنا لم نعد نحن لا أنا و هو.

دلّكت كفّ يده بإبهامي و قلت. "سأبحث عن طبيبك."
أخذ وقته في ترك يدي و وجدت نفسي أشتاق إلى ملمس أصابعه رغم برودتهم. تجاهلت الإحساس.

خرحت من الغرفة و بحثت عن الطبيب.
مقابلته أمس كانت تجربة لا أوّد إعادتها. تقديم مريض على أساس زوجي رغم أنّي لا أعتقد أنّه من المسموح لي إستعمال المرادف فقط لأكتشف أنّه مريض قديم لطبيب يدرّسني بالصفّ.

بحثت عنه حتّى وجدته. في طريقنا لم أنتظر قبل أن أسأل. "منذ متى و هو يزور عيادتك؟"
"أكثر قليلا من نصف سنة. و لكن حالته كانت جيّدة جدّا لذا لا تلومي نفسك إن لم تكتشفي أمره."

إبتسمت قبل أن أودّعه و أذهب إلى الإتجاه المعاكس.
ألوم نفسي؟ لماذا؟

لأنّي أخفيت سرّا؟ لأنّي خنت؟ لأنّي لم أكترث؟ لأنّ لساني يشقّ قلوبا بكلماته القاسية؟

عزيز قد يكون على فراش المرض و لكن لن أعذر له ما فعله.

فتحتُ الباب لأجد والدته مازالت بجانبه. يداها تظاعبان شعره. عند رؤيتي، إبتسما كلاهما كأنّنا عائلة واحدة. كأنّما أنتمي لهما. كأنّ شيئا لم يكن.

نهضت العمّة سناء و إتّجهت نحوي. "سأترككما لتحلاّ مشاكلكما لوجدكما."
قالت ذلك قبل أن تغادر الغرفة.
تقدّمت أين ما كانت و أخذت مقعدها متجاهلة نظرات عزيز التي تابعت خطواتي.

عندما أيقن أنّني لن أبادر الحديث بدأ هو. "كيف حالك ليلى."
"أفضل منك."

صمت قليلا. "أ يمكنك أن تنظري إليّ عندما نتحادث؟ قيل لي أنّ ابتسامة الطبيب علاج أقوى من دوائه و لكن سأرضى بنظرة عينين."

رفعت رأسي غضبا. جرؤته تجاوزت الحديد.
"سحقا لك و لحديثك السطحي الذي لا لبّ له غير الكذب."

رأيت حدقتي عيناه تتّسع كأنّما لم يتوقّع ذلك.
كان سيقول لي شيئا و لكن سبقته. " أنت لا تهتمّ. لم تهتمّ بي أبدا. زواجنا كان مسرحيّة بالفعل. كذبة، لا، كابوس، سعدت بانتهائه."
تنهّد عزيز.
"والدتي تصرّ أن نعود إلى بعضنا البعض."

وقفت في مكاني و ضحكت سخرية. "والدتي تصرّ أن لا أرى وجهك أبدا. ستغضب لو علمت أنّي لم أغلق أنبوب تنفّسك. ستصاب بالجنون لو علمت أنّي أنقذت حياتك."
تقدّمت نحوه قليلا و قلت. "أ تعرف ما الغريب في الأمر؟ شيء ما في داخلي يشاركها الرأي."

شحب وجه عزيز و رأيت تفاحة آدم خاصّته ترتفع و تنزل. "أ تكرهينني لهذا الحدّ؟"
"سرقت أفضل ما لديّ. ثقتي بالحياة، بالأصدقاء... بنفسي. لن أغفر لك أبدا."

قبل أن أنهار بكاء من قسوة ما قلت، من تحوّلي لشيء حاولت تجنّبه بأتعس لحظات حياتي، من إنكسار عزيز عند وقع الكلمات عليه، غادرت الغرفة.

بالخارج العمّة سناء تنتظر. ملامح التفاؤل غادرت وجهها عند رؤيتي. قبل أن تتفوّه بكلمة، باشر لساني القاسي الحديث. "أراكم في المحكمة. للمرّة الأخيرة لو استطعت."

★★٭٭★★٭٭

أعلم أنّي تأخّرت و أنّ الجزء قصير للغاية و لكن على الأقلّ حاولت. 
فقدت الإلهام لهذه القصّة. ربّما لأنّ نظرتي للطبّ ككلّ تغيّرت. ربّما للحياة عامّة.

لم أعد أفهم ليلى. ليس كثيرا. و الخطّة التي نويت إنهاء القصّة بها بدت تخطيط طفل صغير.

هذا طبعا خلافا لإنعدام وقت للكتابة. (أكتب في كليّة المكتبة حين يجب عليّ حفظ دروسي) و لكن سأحاول أكثر.

تعليقاتكم و أرائكم تهمّني و تلهمني.

إن شاء اللّه نهاركم زين.

قلوب لطيفة (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن