مر أسبوع على وفاة والدي و لكن لم يبدو أسبوعا فقط بالنسبة لي. من المستحيلات السبع أن يكون مجرد أسبوع لأنه بدى دهرا.شيء ما فيّ قُتل و حُطّم. كل يوم أعيشه و أدرك أنّني لن أرى والدي ثانية، أحسّ بقطعة من الذي تهشّم تهوي أرضا و تجد قبره و تندسّ فيه. لم يوجد أحد ليرمّم لي ما هدّم و يداوي ما جُرح فتوالت أيّام الأسبوع لأقف اليوم أمام المرآة و أرى قطعة كبيرة من روحي تاهت في الحزن.
أعلم أنّه قضاء و قدر و أنّ أفضل ما أفعله هو الدعاء له بالرحمة و بلقائه برياض الجنّة و لكن لم أستطع التظاهر بأنّني بخير. لا أستطيع التظاهر بأنّ كيانه سيصبح غبار، بأنّ حنانه سيصبح فراغ، بأن بسماته ستصبح مجرد صور ذاكرة و أن صوته سيضمحلّ....سيضمحلّ و أتناسه....
هذه الفكرة فقط جعلتني أندسّ تحت فراشي و أضع سمّاعاتي و أمضي ساعات أشاهد فيديوات سجلتها له و هو يعاتبني بأن أوقف التصوير بينما يبتسم بين الفينة و الأخرى للكاميرا. يتظاهر هو أنه لم يفعل ذلك عمدا و أتظاهر أنا بأنني لم أعرف ذلك.
أبكي قليلا و أتذكر أنّني قتلته. أنّني لم أكن بجانبه لأساعده، بأنّني سأكون طبيبة فاشلة لأنّه ما هدفي من الحياة؟ كم من السنين كدحت و درست ليكون لي الشرف بأن أداوي المحتاج و أخفّف الأنين؟كم مرّة وقفت أمام والدي و وعدته "بابا، ابنتك ستصبح طبيبة! سأصبح طبيبة العائلة و لن تحتاج إلى الذهاب إلى المستشفى أبدا! سأشتري لك سيارة جديدة و آخذك معي لرؤية أجمل الأماكن التي حرمتك مصاريف دراستي منها!"
يبتسم لي ويقول كأنما يعاتب "أنا لا أريد لا سيارة و لا نزهات، فقط انجحو انتم و سأكون سعيدا. لست كجيلكم، لا أهتم بالسيارات و صخب الحياة."
و لكن أرى في عينيه فخرا فلا أحزن، بل أسعد لأني أعرف كم يصعب لوالدي التعبير عن مشاعره لأنه عاش يتيما و لم يتلق الحنان.لكنّ والدي مميّز، مميّز جدّا تعرفون؟ لأنّه بطريقته الخاصّة يعبّر عن حبّه و كم نعني له! هو لا يعلم كيف و مع ذلك حنانه أدفأني كلّ حياتي.
هو لم يطلب أن أردّ له الجميل، هو لم يطلب حتّى حجّا تعويضا لم صرفه عليّ!لذا الشيء الوحيد الذي فنيت حياتي لإتقانه و الشيء الوخيد الذي احتاجه لم أمكّنه منه.
هو لم يحتج شيئا على الإطلاق! فقد مجرّد ضغطات على قلبه الدافئ لأكسبه بعض الوقت للنجاة. فقط مجرّد تنفّس اصطناعي.
وعدته! وعدته بأنّه لن يختاج للذهاب إلى المستشفى أبدا فلمذا إذا تركته ينام في ثلاجتهم؟ لماذا أشتكي غياب دفئ حنانه بينما تركته يتجمّد معه هناك؟
فُتح باب غرفتي فجأة فمسحت دموعي و تظاهرت بأنّني لم أكن أبكي.
نظرت لي لينا بعيونها التي ذهب الحزن بجمال لونهما البرّاق و قالت بصوت خافت:
-أمّي طلبتك تحت.
ارتجفت لذلك و تذكّرت موقفها منّي.
لم نتحدّث منذ أن هاتفتني. أعلم أنّه أمر لا يقبل التصديق و لكن مع قدوم العديد للعزاء، انعزالي بغرفتي طول الوقت و التفات اخوتي حولها تناساني الجميع.
لكنّني لم أنسى. لا شيء ينسى عندما يمسّ أعماقك و يطمسها.
اقتربت لينا منّي و سألتني بحذر:
-أ أنت بخير؟
أخفيت يدي التي لم تتوقّف عن الارتعاش منذ مكالمة والدتي. كنت أعلم مابها و لكن تجاهلتها. لا حقّ لي في تطبيب نفسي إن لم أساعد والدي.
زيّفت بسمة و حاولت التصرّف كطبيب سيعلم عائلة بوفاة طفلهم و يخفّف من وقع الصدمة.
أنت تقرأ
قلوب لطيفة (مكتملة)
Teen Fictionليلى فتاة تونسية، صاحبة أهداف كبيرة. لا طالما كان هدفها من الحياة، إرضاء خالقها و والديها ثم تحقيق حلمها. ألا وهو الإلتحاق بكلية الطب. لكن الكثير يمكن أن يحدث و يحول بيننا و بين أحلامنا. بعضنا قد يتحطم و يفقد الأمل في إمكانية تحقيقها بينما يتشبث الب...