عنف

1.8K 95 16
                                    


عزيز لازال يشاركني الغرفة رغم مغادرة لينا لمكانه السابق. يبدو أن غضبي تجاهه بدأ يتلاشى لأنّني ام ألقي بوسادته و غطائه كأوّل يوم.

ربّما نوع من التفاهم حصل بيننا أثناء رحلاتنا للتسوّق. تحدّث عزيز كثيرا عن حياته. تحدّث عن كلّ تفصيل. مخاوفه، فشله، إحباطه، حبّه للمغامرة لتوليد شعور فقده، هروبه من منزل محطّم مع أصدقاء لا يبالون لأمره...

عزيز الذي كان كأمير قصصي الخيالية اضمحلّ و شحب عند خصاماتنا. لكن بعد مشاركته ماضيه معي، أصبح له بعدا ثالثا. أصبح شخصا لا صورة.

لم أسامحه بعد. لا أظنّ أنّني سأسامحه أبدا. لا، لا. العكس تماما. لن أنسى ما فعل أبدا. سأسامحه يوما ما. ذلك قلبي الغبيّ. حتّى عند خصامي مع إخوتي أسامح. قلبي لا يستطيع تحمّل الكثير من البغض. أطول فترة أمكنه ذلك كان مع عزيز و لكنّه مثقل الآن و لا يستطيع التمسك بالكره أكثر.
ربّما لن يبالي لأجل عزيز و لكن لن يكرهه.

أقول ذلك لأفسّر تجاهلي أنامله التي تسرق خصلات من شعري تتلاعب بها عندما يظنّني نائمة، لأفسّر أنّ مشاركتي إيّاه الطعام الذي أعدته و إعطاءه الكثير منه ليس إلاّ شفقة لغياب شخص الأمّ في حياته، لأفسّر قبولي الكتب التي يهديني إيّاها قائلا أنّه وجدهم صدفة و ليس بحثا، لأفسّر مساعدته يوما في البحث عن مفاتيحه.

لأفسّر...

جلوسي معه الآن أمام التلفاز نشاهد فيلما. كنت سأعدّ الأكل بطاولة المطبخ و لكن عند رفوضه القدوم قائلا أنّه وجد فيلما أراد مشاهدته منذ فترة و أنّه سيتناول لاحقا بالومضات الإشهارية، إقترحت أن نشاهده معا، أن أحضر الطعام إلى التلفاز.

إبتسم و ساعدني.

تجاهلت وجوده و رفعت فرشاتي إلى فمي و تناولت السباڨيتي. عيناي إلتصقت بالشاشة تشاهدان كلّ حركة للفتاة التي تكاد تتوسّل أن تقتل.

كانت ستقول شيئا ما إلاّ أنّ الإشهار أوقفها. وضعت فرشاتي منزعجة.
لم يبدر ضجيج من عزيز فالتفت نحوه. أ كان يشاهدني طيلة الوقت؟

كنت سأقول شيء لكنّه قاطعني:
-فمك...

أشار إلى جانب شفاهه. لم أتحرّك بسرعة فقام هو بالعمل. إبهامه مسح فمي بلطف. حاجباي إرتفعا إستغرابا. بقيّة أصابعه أمسكت ذقني و لم تتركه إلا عندما أخذ وجهي تعبير حدّته المعتادة. إلتفت أمامه و أشار إلى التلفاز. إنتهى الإشهار.

عندما نهضت الصباح الموالي، لم أكن بسرير. كنت نائمة على أريكة غرفة الجلوس. غطائى كان بشريّا حيث إختبأت بين أحضان شخص و جعلت يداه مصدر حرارة أمام نسمة الهواء الصيفية المتأتية من النافذة.
خديّ الأيمن طُبع على صدره، رأسي توسّد يده اليسرى، بينما يده اليمنى وضعت على خصري. يداي وقفت عند بطنه و لامست القليل من الجلد الدافئ.

أغمضت عيناي و قررت التظاهر بالنوم لأحضى بدفء بشر آخر. إلاّ أنّ عيناي فُتحتا عند ملامسة شفاهه لجبهتي في قبلة. رفعت ىأسي لأجد عيناه تراقبني في هدوء.

بلعت ريقي. تجاوزت خطا أحمر.

-أ ليس مرهقا محاربة قلبك كلّ هذا الوقت؟ أ لن تريحي نفسك بعدم المقاومة؟
-لم أدري أنّني نمت هنا.

كأنّ ذلك يفسّر يداي التي لاتزالان تلتمس حرارة جسمه. إحمرّ وجهي.

-لست أمانع. أحبّ وجودك هكذا.

بلعت ريقي ثانية:
-نحن- هذا خطأ؟
-بأيّ شكل؟

دفعت نفسي عنه و جلست عند ساقيه. راقبني بحذر.
-أنا أكره وضعيتنا.
-لماذا؟
نظرت إليه كأنّه أغبى ما رأيت:
-في مكان مثالي، ما كنت لأعود إليك. في مكان أستطيع أن أكون به مستقلّة.

جعله ذلك يقف بسرعة، في غضب:
-حسنا ليلى، لقد سئمت هذا الروتين. تريدين النغادرة؟ غادري! لا تريدين إغضاب والدتك؟ لا تعودي إليها! سأهتمّ بكلّ ما تحتاجين. منزل لك وحدك كي لا تري وجهي. أنت تعيشين بين غضبك معي و خوفك من أمك. و أنا أعيش بين ندمي و مشي على خطى غير ثابتة معك. علاقتنا سامّة إذا تواصلت هكذا.

صمتت. من أين أتى بالإقتراح؟ أهو جادّ؟

قلبي إنقبض. يجدر بي أن أسعد لسماعي ذلك.

-و ماذا سأقول لعائلتي لو قرّروا زيارتي؟
-تلك مشكلتك وحدك ليلى. جدي حلاّ لنفسك لأنّنا بذلك الوقت سنكون شخصين مفترقين.
-و لكن، أنت سبب كلّ شيء!
-سحقا ليلى! إحتملي عقبات أفعالك أيضا.
-أيّة أفعال؟ عدم كوني ياسمين؟
بعد قول ذلك وقفت أمامه. أتحدّاه النفي.

- عدم نضجك و بكائك كالطفلة عند كلّ مشكل يتعرضّك.

لم أدر كيف و لماذا و لكن يدي صفعت خدّه الأيسر بقوّة أدارت وجهه.
عندما نظر إليّ، غضبه تضاعف. ولكن غضبي أكثر:
-كنت مشكلا أردت إخراسه.

يداه بجانبه تحولتا ٱلى قبضات. إرتعش قلبي خوفا.

-لا أريد رؤية وجهك ليلى. إذهبي قبل أن أقول شيئا يدمّرك.

لم أتحرّك من أمامه:
-لا أخاف كلامك.
-بالطبع. أنت أعنف من أن تكوني ذات مشاعر.

قال ذلك و تراجع هو من الغرفة.
لست أدري لماذا و لكن نظرته الغير مصدّقة لأنّي صفعته كسرت شيئا في روحي.

***

العنف، العنف العنف؟

هل تعرفون أنّ هناك من الرجال يتعرضون للعنف و يرفضون الإعتراف؟

لذا هل ما فعلته ليلى صائب أم لا؟

قلوب لطيفة (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن