ندوب

1.3K 113 3
                                    


-أنا حقـا آسفة ليلى. ما كنت لالفظ شيئا لو كان لديّ أدنى شكّ أنّه لا يعلم. سوف أصحّح الأمر و...

أومأت برأسي متظاهرة أنّي سمعت كلام ياسمين الذي بات يتكرّر منذ أن فهمت سبب مغدرة ياسين المبكّرة.
توجّهت إلى سائق التاكسي بالحديث:
-هل يمكنك أن تسرع قليلا؟ نحن في عجلة من أمرنا.

تجاهلني و واصل سماعه للراديو.

عضضت على شاربي و حاولت التنفّس بعمق لتهدئة أعصابي. لا أحد يعلم قساوة ياسين عندما لايكون الأخ الكوميدي. عندما يهدّد خطر ما عائلتنا، لن يقف مكتوف اليدين. مغلب الأحيان يعني ذلك ظهور جانبه الوحشيّ.

لهذا وجدت نفسي في طريقي  إلى مكان وعدتُ نفسي أن لا أعود إليه. منزل عزيز.

لو كانت شكوكي صحيحة، و أرغب أن لا تكون، سيكون ياسين هناك. أرجو أن لا يجد عزيز هناك على الأقلّ.
-ديناران يا آنسة.
أدركت أنّنا وصلنا. نقدتُ السائق و غادرت التاكسي بسرعة، تتبع خطاي ياسمين.
نقرتُ الجرس كثيرا و قبضت يداي توتّرا. لم يفتح الباب. ظننت أنّ العمّة سناء ستكون هنا و لكن يبدون أنّ مجلس الشاي مع صديقاتها لم يكن بمنزلها.

-ليلى، أليس لديك نسخة من المفتاح؟
-ياسمين، لا أظنَ أنّه-
-ليلى، هناك إحتمال كبير أنّ ياسين بصدد تهشيم عظام عزيز. العمّة سناء لن ترحم أخوك أبدا و ستقاضيه. لن تودّي أن يحدث لأخوك شيء. كما أنّك تقنيّا لازلت زوجة عزيز. لن تملك شيئا ضدّ دخولك المنزل. تستطيعين أن تبرّري قدومك لإعطاء المفتاح.

تردّدت قليلا قبل أن أخرج المفتاح من حقيبتي و أفتح الباب.
دخلنا الإثنين و مررنا بالحديقة لنصل الباب الرئيسيّ. بلعت ريقي و فتحته هو التّالي.
المنزل بالداخل كان مُنيرا ما يدلّ على وجود أحدهم و لكنّ الصمت المخيّم عليه أكّد غير ذلك.

- لا أظنّ أنّ كلاهما هنا. ربّما قصد ياسين مكان عمل عزيز؟

-صحيح، سألقي نظرة أخيرة حول المنزل. أظنّ أنّه من الأفضل أن تراقبي المنزل من الخارج فيما...فيما-

أومأت ياسمين و غادرت قبل أن أنهي كلامي.

تنهّدتُ و صعدت الأدراج في إتّجاه غرفتنا-
قصدت الغرفة
وقفت أمام الباب و تنفّست قليلا قبل أن أفتحه.
دخلت مبسملة، خائفة من وجود أحدهم و لن سرعان ما ارتحتُ لخُلوّ المكان.
تقدّمتُ ببطئ، أعاين الغرفة و محتواياتها. كلّ شيء لازال في مكانه. إقتربتُ أكثر من السرير بجانب الطاولة التي وُضعت جانبه.
فُتح فمي دهشة و حيرة عندما رأيت صورتي مع عزيز في زيارتنا لتركيا. كلانا مبتسم للكاميرا و نبدم مفعمين بالحياة. ظننتُ أنّه رمى بها منذ مغادرتي. حملتها بين يداي و داعبت وجهه اللامتحرّك بأناملي.

عيناي بدأتا تحترقان تهديدا بقروب دموعي إلى الخروج.
أغلقتهما لأتمالك أنفاسي.

-ماذا تفعلين هنا؟
تجمّدت عروقي و إمتلكت عمودي الفقري رعشة. ببطئ إلتفتُّ نحو مصدر  الصوت الذي ألفتُه للسنة الماضية.
ما راعني إلاّ رؤية وجهه الذي بالكاد تمكّنت من التعرّف إليه.
أحاطت عينه اليمنى مزيج من الألوان التي إندرجت ضمن البنفسجي، الأزرق و الأصفر معبّرة عن ألم شديد. شفته فُتحت إثر صدم الكدمة و تركت دما يغطّي خارجها. باقي وجهه رغم ذلك بدا خال من أيّ قطرة للدم.

-عزيز-
-سوف أتجاوز دخولك لمنزلي الذي سبق و عبّرت لك أنّك لست مرحّبا بك منذ ذلك الحين لذا غادري دون أن تثيري ضجّة-
-كان ياسين، أليس كذلك؟ ياسين هو من-
- نعم، كان هو. ثمّ بعد؟
تقدّمت نحوه بكلّ ثقة في النفس و وقفتُ أمامه. عينه السالمة الوحيدة راقبتني بتساؤل.

رفعتُ يدي و بسبّابتي لمست كدمة بخدّه. أغلق عيناه و أطلقا نفسا بين شفتيه.
كنتُ سأواصل فحص وجهه إلاّ أنّ قبضته إلتفّت حول يدي.
-توقّفي.
كنت سأردّ لكنّه واصل:
-توّقفي. ضعي حدّا لألاعيبك.
قطّبت حاجباي غير مدركة قصده:
-أيّة ألاعيب؟
-تعرفين... قدومك إلى عملي، حديثك مع جدّي، و الآن... الآن أنت هنا.
-جئت لأطمئنّ عليك.
-لسنا ثنائيّا.

تنهّدت.
-كنت لآتي حتّى لو كنت غريبا. ما فعله ياسين تجاوز الحدود. أرجو أن تقبل إعتذاري.

نظر كلانا إلى الآخر مدّة. ماذا يفكّر؟ لستُ أدري.

- لا داعي لإعتذارك... فقط لو تساعدينني بتنظيف الجرح سيكون ذلك رائعا.

وافقت حالا و إبتسمت. واصل الحديث:
- الأدوات بالحمّام. ستجدينني على السرير.

توجّهت نحو الحمّام بسرعة و بحثت بالخزانات عن علبة الإسعافات. عندما عدت، وجدت عزيز كما قال، جالسا عن السرير.

توجّهت نحوه و جلست على ركبتاي، على القاع، أمامه.

فتحت علبة الإسعافات و أخذت قطنا و أضفت عليه البيتادين.
بيدين واثقتين، إقتربت من شفته و بدأت غمرها بالبيتادين. بدا كأنّما يخفي ألمه.
أبعدت القطن عليه و فحصت وجهه محاولة تجاهل قربي منه أو نظرته الثاقبة التي راقبتني.
-حسنا، لا أرى غير الكدمات هنا لذا لن أستطيع فعل الكثير. ستحتاج إلى أن تترك الوقت يقوم بمفعوله لتتحسّن حالة وجهك.

قلتُ ذلك و كنت سأنهض إلاّ أنّ يدان دفعتاني نحو صدر عريض و دافئ و سرعان ما شعرتُ بقبلة تُطبع على خدّي بكلّ رقّة.

لماذا يحضنني؟ ألأنّني إعتنيتُ به؟ يعطيني القليل من العطف الذي أريده لكي أكتفي و ينهي حرماني فلا أعود.

بقوّة دفعته عنّي و وقفت. عندما رفع نظره إليّ، لابدّ أنّه رأى غضبي.
-أظنّنا انتهينا هنا. أتيت لأعتذر عن تصرّف ياسين و فعلت. لا تريدني أن أبقى أكثر، لذا سأذهب.

أومأ متردّدا قبل أن يقول:
-معك حقّ. سأسعد أكثر لو إعتنيت بنفسك. تبدين في حالة مزرية و هذا يشعرني بالذنب-
-لا داعي لشعورك بالذنب. الدراسة هي ما شغلني. بعد كلّ، هي جلّ ما أعرف فعله في الحياة.

صمت قليلا و قال:
-صحيح. أراك يوم الجمعة بالمحكمة. أرجو أنّك وكّلت محاميا.... أم أنّك لم تر البريد بعد؟

محكمة؟

تمالكت نفسي:
-آه... الحكمة. صحيح. أراك هناك.

قلت ذلك و هربت خوفا من يرى دموعي.

يا لك من جبانة.

******

بعد سنوات من السبات العميق آتيكم بتحديث جديد.
أرجو أنّه كان ممتعا 😀

قلوب لطيفة (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن