حبّ إصطناعيّ

1.5K 112 23
                                    

مضى أسبوعان منذ المحكمة. لم ألتق بعزيز منذ حينها و لم أرغب رغم إقتراح القاضي محاولة النقاش إلى موعد المحكمة التالية. أرضى بالموت عشرين مرّة قبل أن أعود إلى مخادع مثله.
 
-ليلى! كم مرّة نبّهتك إلى التركيز بوجود أحد معك.
-فقط مائة مرّة، ماما.

نفخت منزعجة و وقفت:
-أنت لا يفيدك لا نصح و لا إرشاد لأنّك عنيدة. لا عجب في أن ينتهي بك الأمر مطلّقة.

شعرت بضيق نفس عميق إثر سماع ما قالته. رئتاي أفرغتا ما بهما من هواء و رفضتا إدخال المزيد.

-أمّاه! هل عليك أن تذكّريها بذلك في كلّ نقاش؟! أ هذه القسوة مبرّرة أو ضروريّة؟
-ياسين بنيّ-
-لقد سئمت فعلا إحباطك لليلى. لا تنهريها بهذا الشكل. على الأقلّ ليس أمام غيرها.

إحمرّت وجنتا ياسمين خجلا و نهضت بسرعة مغادرة قاعة الجلوس.
وقفت أنا الأخرى و حملت قدماي إلى باب قاعة الجلوس.
-و ماذا عن طفوليّتها؟ أنظر! هي لا تأخذ شيئا على محمل الجدّ، تغادر عندما تلحق بها نتائج أخطائها.

دفعت بأصوات حديثهم إلى مؤخرة ذهني و نفخت في حيرة.
-والدتك ثانية؟
نظرت إلى ياسمين ثمّ أومأت.
-بدأت أملّ كلامها الذي لا ينتهي. لنغادر هذا الجحيم و نذهب إلى مكان ما.
- أودّ ذلك فعلا و لكن عليّ أن أذهب إلى مكان ما.

قالت ذلك متفادية النظر في عينيّ. تجاهلت ذلك و ابتسمت.
-آسفة. لقد أجهدتك معي. نسيت أنّ لك حياة أخرى غير هذه.
رفعت رأسها.
-لا تقولي ذلك. أنت من أولويّاتي. أنت أفضل ما حصل لي...

حمدت اللّه على حصولي على صديقة مثلها.
ودّعتني ياسمين بحضن و غادرت المنزل بسرعة.

نظرت حولي محلّلة المنزل الذي إكترته أمّي و حضن أغلب أفراد العائلة.

تنهدت و غادرت المنزل.

بدأت أمشي بلا هدف، قدماي تقودني إلى حيثما تريد.
وجهتي غير معلومة و لا إحساس دخل قلبي البارد. و رغم رغبتي للبكاء إلاّ أنّ جرثومة الأحاسيس التي سكنت قلبي منعت تكاثف دقاته للتشجع عيناي على إفراز الدموع.
مررت بمتجر موّاد غذائية و اشتريت مثلاجات بنكهة الشوكولا علّ برودتها تقتل تلك الجرثومة اللّعينة. يا اللّه متى ينتهي هذا الكابوس و يعود كلّ شيء إلى مكانه؟
على فكرة، قد أرحّب بهذه الجرثومة إذا عنى ذلك أنّي لن أُخدع من قبل عزيز آخر.

رفعت رأسي لأجدني أمام المكتبة العموميّة. تذكّرت إلتقائي بعزيز هنا. لقد لعن المكان بتوسيخه لذكرياتي لهذه الجنّة الأرضيّة.
يوما ما سآتي هنا بعد إلقاء كلّ شيء يرتبط بالمخادع و أنظّف ذكرياتي بالقدوم وحيدة. تمام كما فعلت قبل أن يدخل حياتي.

تناولت القليل من المثلجات و نظرت نحو الطريق المؤدي إلى منزل عزيز.

سأذهب هناك و ألعن المكان بوجودي و أعود. ربّما أجده و ألعنه هو أيضا.

مصمّمة، توجّهت نحو منزله. قدماي واثقتان و لهما وجهة هذه المرّة. تصميمي من فلاذ و دقّات قلبي ثابتة.
شكرا يا جرثومة.
مثلاّجاتي هي كلّ الدعم الذي لديّ و مع ذلك مفعولها كان كافيا.

منزله بدأ يلوح من بعيد، شامخ بغرور كالأشخاص التي تسكنه.
لعقت الشوكولا حول شفتاي و واصلت.

بدأت أقترب. ربّما أجده و أذكّره بأن يقول للقاضي أنّنا حاولنا وجود حلّ آخر لكنّ الطلاق بدا الحلّ الوحيد.

و لكن المشهد الذي رأيته صعقني. قدماي أصبحتا أثقل من أن تتحرّك من مكانها. رعشة إمتلكت جسمي و قلبي فقد حراكه. دموعي التي إستجديتها أن تخرج لأيّام فعلت كأنّما صدّقتني و قالت "نعم إنّها تراجيديا".
كلّ التصميم الذي كان لديّ سقط مع مثلّجاتي أرضا.

كالجماد راقبت عزيز يحضن فتاة بين يديه. بدا معها كصورة تمّ إلتقاطها من الأحلام. أمام منزله، أمام شجرة الياسمين التي لا طالما أحببتها و أجبرته على أن يلتقط لي صورا أمامها.
شهقت من شدّة الألم لتمسك يدي فمي و تمنعه من إخراج المزيد من الأصوات المثيرة للشفقة.
أردت أن أذهب إليهما و أبعدهما عن بعضهما. أن أصرخ بوجههما و يحسّا الألم الذي سبّباه لي. ظننت أنّهما سيحترمان حبّي لهما إذا ما لم يقدرا على أن يحبّاني. ما الذي فعلته خطأ؟ يا إلاهي ماذا فعلت؟ ظننت أنّني أحبّ بصدق. أ لم يكن حبّي كافيا؟ أ كان إصطناعيّا؟

ما العيب فيّ؟

لم أرد أن يراني إحداهما كفتاة صغيرة تقف باكية و تنتظر المواساة، كقطيط فقد أمّه و يستنجد بآداميّ لا قلب له ليطعمه.
لم آبه لمسح دموعي لأنّني أعرف أنّ المزيد قادم و تركتهما ورائي: ياسمين بين أحضان عزيز.

****

لا تقتلوني.

*الهرب في مكّوك فضائي أين لا يصل مشجّعو ياسمين*

قلوب لطيفة (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن