شهر. شهر كامل مضى منذ افتراقي عن عزيز ولكن بدا عقودا. كنت أتوقّع أن الجروح لا تزداد سوءًا و لكن مع عزيز صرت أُعطى دروسا جديدة كلّ مرّة، إذ أنّ الفراغ بقلبي أصبح يمتدّ أكثر فأكثر كلّ يوم إلى أن إلتهمني عقلا و روحا.
العالم حولي أصبح ضبابيّا و فقد لونه. الطريق الذي أمرّ به لم يعطي أيّ إشارات إلى نهايته. كلّ شيء درجات مختلفة من الرمادي تمازحني و تظلّل وجهتي و وجدتُ نفسي فارغة من الألوان لأعطيها معنى.و أسوأ ما في الأمر هو تشكيكي لنفسي. طول عمري آمنت بأنّ دراستي تحتلّ المرتبة الأولى في أولويّاتي و لا مكان لأيّ شيء معها. و رغم ذلك تسلّل عزيز خفية و عرض نفسه ضمن قائمة الأولويّات.
كنتُ أعلم أنّني بموافقتي على عرض الزواج قفزت إلى مياه بحر عاتمة و أنّ تحديد مصيري سيصبح صعبا. لم أتوقّع أنّ الأمر سيسوء هكذا.
و الأسوأ ما في الأمر أنّني لم أندم على موافقتي به، لم أندم على إهمال دراستي التي لم أعد أستطيع التركيز بها فيما يعتصر قلبي.
أنا نادمة لأنّي لم أفعل ما بوسعي لإقناع عزيز أنّنا نليق ببعضنا البعض. لم أستمع له و لم أهتمّ بما يحبّ، لم أبالي بالسؤال حتّى.
لماذا؟ لأنّي كنت موضوع أحاديثنا. كان دائما ما يحاول إسعادي و صرت مدمنة لإهتمامه بي. ببساطة لأنّني كنت جائعة و محرومة من الإهتمام و الحبّ فأردت أن أعوّض النقص.أخذت و أخذت و لم أعطي.
لهذا السبب لا ألومه لإقتراح ذهاب كلّ منّا في طريقه.
لا ألوم أحدا غيري.
لا علم لعائلة بما حدث بعد. ليس لأنّني ماهرة في إصطناع الكذب و التمثيل بل لأنّهم فقط لم يتّصلوا حتّى.
-ليلى؟ أ أنت بخير؟نظرت إلى ياسمين بعد أن نسيت وجودها حذوي تماما. بعد أن حدث ما حدث، كانت عائلتها مستعدّة للوقوف بجانبي و فتحوا لي أبواب منزلهم و اعتنوا بي كأنّما كنت منهم.
اكتشفت حينها أنّ العائلة ليست وراثة جينات الوالدين و مشاركة دم الإخوة.
سعلتُ محاولة تعديل صوتي إلى درجة الواثق من نفسه و أجبت:
-بخير، طبعا. لم لا أكون؟
إبتسمت حتّى لأقنعها.ضحكت بسخرية و قالت:
-لأنّك ملأت كرّاسك باسم عزيز.نظرت أسفل لأجد ورق الكرّاس بالكاد أبيض و قد تردّدت فيه كلمة واحدة: عزيز.
أغلقت الكرّاس و وقفت من الكرسي فقط لتجذبني ياسمين:
-لا تتجنّبي النقاش-
-أنا لست-
-ليلى... لن تتجاهلي الموضوع أكثر. ستهاتفين عائلتك و تخبرينهم بالموضوع. هذا لا يجوز.-و لكن-
-لا يبالون صحيح، و لكن عليك التقدّم في حياتك. إلى متى ستخفين الأمر؟ أ لم يقترح ياسين لقائك؟
أنت تقرأ
قلوب لطيفة (مكتملة)
Teen Fictionليلى فتاة تونسية، صاحبة أهداف كبيرة. لا طالما كان هدفها من الحياة، إرضاء خالقها و والديها ثم تحقيق حلمها. ألا وهو الإلتحاق بكلية الطب. لكن الكثير يمكن أن يحدث و يحول بيننا و بين أحلامنا. بعضنا قد يتحطم و يفقد الأمل في إمكانية تحقيقها بينما يتشبث الب...