وصلت المنزل بعد مساء طويل أمضيته بالمكتبة أحاول تدارك الدروس التي سبقتني. عندما وضعت رأسي على الوسادة نسيت من أكون و غرقت في أقرب ما يكون للسعادة.
حلمت بنفسي أعود إلى سنوات مضت، أين كان أكبر همّي تحصيل نتائج ممتازة. أين أعود آخر النهار لأجد والدي بالحديقة يعتني بالأشجار و يطعم قطّتنا. أين ياسين لا يزال يضع ميدعته الزرقاء و لم تحطّم قلبه ألفة. لينا تلعب مع بنات الجيران و تسعد لرؤيتي.حلمت بنفسي طبيبة أنهت دراستها و تتفانى في عملها. يحبّها المرضى و يحترمونها لما تقدّمه من عون. حلمت بأمّي تنظر إليّ بفخر.
***نهضت عندما أحسست بعضامي تكاد تذوب و بثقل شخص على سريري. عندما فتحت عينيّ وجدت أعين ياسمين الغجريّة تحدّق بي. فتحت فمي ثمّ أغلقته غير دارية ما أقول.
"التحيّة كانت لتكفي."جلست في مكاني. "آسفة. لازلت غير متأكّدة أنّني استفقت." أضفت ضحكة زائفة علّها تخفي الحقد الذي أبت أن لا تظهره عيناي.
ضحكت ياسمين مع ذلك. "حسنا يا حمقاء، أخبريني. لا كذب. ما الذي يحدث معك؟"
"لا شيء."
"فعلا؟ إذا لماذا صرت تبعدينني عنك؟""لست أبعدك عنّي. أنا فقط أحتاج مساحة أجمع بها أفكاري حتّى لا أفقد من يقتربني في حالة بؤسي."
ربّتت على كتفي. " ليس عليك القيام بكلّ شيء وحدك. أنا صديقتك، لا يهمّ لو صرختي عليّ في غضبك. أنا أتفهّم."
أردت أن أصرخ لا! أنت لا تفهمين! أنت جزء من المشكلة! و أريد التخلّص منك لو لم أكن جبانة لا تريد زوال شخص تعوّت وجوده أو تعوّدت وجوده على ما تخيّلته!
"ليلى"
"آسفة. صرت أشرد كثيرا."
"لاحظت. ليلى عليك أن تخبري شخصا ما ما يحدث معك."
****لم أعد أطيق منزلي. ربّما لأنّني لم أعد أستطيع الوقوف بجانب والدتي و أنظر في عينيها دون أن أحسّ بالذنب أو الخوف. لذلك وجدت نفسي بمحلّ المثلّجات وحيدة رغم عرض لينا إصطحابي و محاولة ياسين إقناعي بالبقاء في المنزل و القيام بشيء مسلّ ثلاثتنا.
كلّ من بالمحلّ ينظر إليّ و يتهامس الحديث مع من بجانبه.
الكدمة على وجهي جذبت أنظارهم و لوهلة أردت المغادرة لو لم أعلم ما يتنظرني بالمنزل.رغم ملاعق المثلجات الكبيرة التي واصلت وضعها بفمي إلاّ أنّ قلبي لم يبرد و مزاجي لم يتحسّن بالشوكولا.
إهتزاز صدري بنسق سريع حذّر بانهيار توقّعت قدومه. بدأت عيناي تحترق. علمت أنّه آن وقت المغادرة إن لم أرد أن أنفجر باكية كفتاة بالخامسة من عمرها.وقفت بسرعة و بدأت أفكّر بالفرار إلى منزلي لو لم أتذكّر أنّه لم يعد وكر إختباء آمن لي. عيناي تسلّلت إلى دورة المياه و لم أضع ثانية قبل أن أجد نفسي هناك.
وقفت أمام المرآة و تركت ما بداخلي يغادر قلبي يكتشف العالم الخارجي.
أمامي وقفت فتاة مثيرة للشفقة لطالما أخفيتها تحت نكات ظريفة حاولت بها كسب مودّة عائلتها، تحت مساحيق تجميل أخفت بشاعة صورتها، تحت صمت أخفت به ظلمة أفكارها.
أنت تقرأ
قلوب لطيفة (مكتملة)
Jugendliteraturليلى فتاة تونسية، صاحبة أهداف كبيرة. لا طالما كان هدفها من الحياة، إرضاء خالقها و والديها ثم تحقيق حلمها. ألا وهو الإلتحاق بكلية الطب. لكن الكثير يمكن أن يحدث و يحول بيننا و بين أحلامنا. بعضنا قد يتحطم و يفقد الأمل في إمكانية تحقيقها بينما يتشبث الب...