وقفت أمام القاضي بجانبي المحامية التي وكّلتها عائلتي. إمرأة عُرفت بمكرها و شراستها في مجالها. يُقال أنّها قادت العديد من المطلّقات إلى إنتقام ناجح مهما كلّف الأمر. لابدّ أنّ نجاحها المتواصل كان سببا في برودة دمها في ما رمقها المحامي من جهة عزيز بابتسامة سخرية. لأنّها إمرأة؟
الشهود، كانت عائلتي و والدة عزيز لا أكثر. أردت أن أشعر بالأسف من أجله لأنّ لا أحد يهتمّ كفاية ليأتي معه و يقدّم الدعم.
عضضت على شفتي و حاولت إلتقاط نفس عميق فيما مسحت قطرات العرق التي تساقطت بالمنديل.
إلتفتت إليّ المحامية و بنبرة حادّة قالت:
-سيساعدنا كثيرا لو تصنّعت الألم. سيؤثر ذلك عن القاضي. لديه نقطة ضعف تجاه جنس الإناث.
قطّبت جبيني و سألت:
-لماذا؟ إنّه طلاق بالتراضي.
إبتسمت و قالت:
-هذا ليس ما أخبرتي به والدتك.
-و لو؟ أنا من يحدّد طريقة إجراء الأمور.وضعت خصلة وراء أذنها و ضحكت:
-لن يكون ذلك ما تريدين عندما يبدأ الطرف الآخر في إتّهامك.
-ليس لديه أيّة حجّة!
-سنرى.رفع القاضي مطرقته و ضرب بها:
-القضيّة واحد و ثلاثون. الأمر، طلاق. المعنيّان بالأمر حاضران. تمّ توكيل محاميين كلا الطرفين ممّا يستبعد توكيل المحكمة لمحاميين لمن لم يقدر عن فعل ذلك. الطرف الأوّل، ما دعوتك؟وقف محامي عزيز شامخا رغم إعوجاج ظهره و أشار:
-موكّلي يريد طلاقا، خالص كلّ نتائج الضرر.فُتخ فمي دهشة. ضرر؟ ماذا فعلت لك يا عزيز؟!
نظرتُ نحوه لأجده يراقب ردّة فعلي. وجهه لم يتعافى بعد.-ما رأي الطرف الثاني؟
وقفت المحامية و قالت بكلّ ثقة:
-موكّلتي تطلب الشيء ذاته.تنهّد القاضي و قال:
-بالطبع. الأسباب بالنسبة للطرف الأوّل؟جلست المحامية و وقف محامي عزيز:
- موكّلي تمّ استغلاله، إذ أنّ الصفات التي قدّمت بها الآنسة محمودي قبل الزواج لم تكن حقيقتها بعده. و على غير ذلك، أثارت مشاكل بين الإبن و أمّه و مع بعض الصلات للعائلة.شهقت لمدى التلاعب بالوقائع. أحسست بقلبي ينزف لأنّ طول هذه المدّة كنت ألوم نفسي بينما جلس سبب كلّ مشكلة بالطرف الآخر من القاعة في هدوء كأنّما لم يلقي أسوأ إدّعاءات.
صراحة... لقد خسر عزيز ما بقي له من تقدير عندي.
لقد وعدني بطلاق بالتراضي و ذهاب كلّ منّا في هدوء. أيفعل هذا لكي يتخلّص من النفقة؟جلس المحامي لتقف المحامية:
-سيّدي القاضي. موكّلتي لم تكن أبدا سببا لمشكل. بل على العكس. السيّد عزيز هنا جعلها تمرّ بمشاقّ و ضغط عليها لتسكن مع عائلته و فرض إحترامها لأشخاص لا يريدونها هناك رغم علمه الكامل بأنّها تعافت مؤخّرا من إكتئاب سريريّ. هل تعلم ما معنى إكتئاب سريريّ؟!فقد وجهي لونه عندما رأيتها ترمي ملفّي الطبّي على الطاولة أمامنا. لماذا يا أمّي؟ لماذا؟ ظننت أنّنا تفاهمنا أن يبقى الأمر سرّا بيني و عائلتي و طبيبي!
وقف محامي عزيز غاضبا:
-سيّدي هذه إتّهامات باطلة و لا تستطيع-
-إجلسا... الآن قد لا أستطيع أن أجزم أنّ هذا الإتهام باطل أو صحيح و لكن فعلا ستكون على دراية بأمر كهذا سيّد عزيز؟ أعني حتّى لو أنّها كتمت الأمر، ستستطيع أن تلاحظ وجود مشكل ما معها؟
-موكّلي لن يقدر إذا كانت زوجته منشغلة عنه لدراستها، متجاهلة وجوده هو و عائلته.صمت القاضي غير دار لما يجيب إلاّ أنّ المحامية كانت له بالمرصاد:
-إذا فهو يدرك أنّ موكّلتي كانت نوعا ما تشغل بالها بدراستها. أليس ذلك وحده سببا يجعله يتسائل لو كانت لديه رغبة في المعرفة. أعني فقدان الرغبة في ممارسة الهوايات و الاستمتاع بالحياة هو إشارة كبيرة لإكتئاب. حتّى لو لم يكن إكتئابا، ألا أستطيع أن أقول أنّه هناك إهمال من قبل الزوج؟نظر القاضي إليّ، يفحص وجهي الذي سبق و بلّلته الدموع مع تواصل المحكمة. رأيت شيئا بعينيه بسرعة إختفى تحت قناع الجديّة:
-الطرف الأوّل، ما ردّك؟
-موكّلي كان غير سعيد في زواجه!
-بالطبع. لهذا الكلّ هنا.
-ما قصدته، الآنسة-وقف القاضي و قال:
-لاجدوى من تواصل هذه المحكمة أو إصدار حكم عاجل. سأغادر و أترككم تفكّرون في غضون الشهر. ربّما ترأف القلوب قبل أن تقوموا بخطأ فادح. السلام.قال ذلك و خرج.
بدأت المحامية تجمع أوراقها فيما جفّفت دموعي.
-عمل رائع آنسة ليلى. دموعك ستربحنا شوطا كبيرا.تجاهلتها و وضعت حقيبة يدي.
غادرت المكان متجاهلة هتاف والدتي لي. عليّ أن أبتعد قبل أن أنفجر.
حملتتي خطاي إلى مقهى المحكمة و وجدت نفسي أطلب عصير برتقال عَلِّي أستطيع فتح عينيّ.
جلستُ بإحدى الكراسي بزاوية و ترشّفت العصير.-لم تذكري أبدا أمر إكتئابك.
تنفّست عميقا قبل أن ألتفت تجاه من إحتلّ مكانا بجانبي.
-هل كان سيغيّر ذلك شيئا؟إبتسم عزيز و قال:
-لا أدري، ربّما.
ضحكت سخرية و عدت إلى ترشّف العصير متجاهلة وجوده.
-هل أنت أفضل الآن؟عندما أدرك أنّي لم أفهم قصده واصل:
-مع... مع إكتئابك. هل أنت أفضل؟
-ليس و أنت هنا. أنت تثير إشمئزازي.قلت ذلك بكلّ حقد و كره جعلني أحسّه بتلك المحكمة اللّعينة.
رأيت وجهه يشحبُ أكثر فأكثر و شفاهه تفتحان كأنّما لم يتوقّع أن أقول شيئا مماثلا.-لا تتصرّفي كأنّما أنت الضحيّة هنا.
وقفتُ في مكاني و قلت:
- لا تتحدّث معي. إجعل بيننا المحكمة فقط.
خطوت بعيدا عنه باحثة عن ياسين و ياسمين بين الحشود لأنّني لن أطيق تواجدي مع أمّي لوحدي.
أنت تقرأ
قلوب لطيفة (مكتملة)
Teen Fictionليلى فتاة تونسية، صاحبة أهداف كبيرة. لا طالما كان هدفها من الحياة، إرضاء خالقها و والديها ثم تحقيق حلمها. ألا وهو الإلتحاق بكلية الطب. لكن الكثير يمكن أن يحدث و يحول بيننا و بين أحلامنا. بعضنا قد يتحطم و يفقد الأمل في إمكانية تحقيقها بينما يتشبث الب...