نتائج

1.4K 110 15
                                    

"أين كنت؟"

تضاهرت بعدم اللامبلاة بينما ارتعشت كاّ خلايا جسمي لنبرة الصوت.

"أنا أتحدّث معك. أين كنت هاه؟"

رفعت ملعقة الحساء إلى فمي متجاهلة السؤال و خوفي.
"أقسم باللّه يا ليلى لو لا تفتحين فمك الغبيّ و تصارحين بأين كنت ليلة أمس لآخذ إجراءات أخرى معك."

رفعت ملعقة أخرى. لم تصل فمي لأنّ والدتي صفعتها من يدي. أحسست بالحساء الساخن يخترق ثيابي و يعذب بشرتي.
لم أفكّر في الأمر كثيرا، لأنّ يدها أمسكت ذقني و أغلقت مسالك الدمويّة هناك.

"أنت تؤلمنني." نظرت إليها أخيرا محاولة أن أخفي ضعفي أمامها.
"جيّد. لأنّ اللّه وحده يعرف كم عانيت بسببك. أنت خطأ والدك رحمه اللّه. أعطاك أهميّة لا تستحقّينها فظننت نفسك أعلى من أن تلتزمي بتربية هذه العائلة."
"غير صحيح!"
إتّهاماتها جرحتني.

دفعت وجهي بقوّة و التفتت نحو ياسين. "أ هذا ما كانت تفعله منذ أن أرسلناها إلى الكليّة؟"
ياسين لم ينطق بكلمة ليدافع عنّي. توسّلته بعينيّ و لكنّه واصل صمته.
إلتفت نحو لينا و أشارت " إرفعي رأسك يا قليلة التربية و تعلّمي من من يصغرك. لينا قدوتك. لم تزعجني يوما بمشاكل تتعلّق بهمّ الرجال. أنت؟ أنت خيبة ظنّي."

عضضت شفتي لأكتم صراخا قادما من قلبي المهشّم. قطعة أخرى أخذت منّي.

عندما ظننت أنّها أنهت إهانتي. يدها إنهالت عليّ صفعا، خاتم والدي ينسخ ألما بوجهي.
لم أقو إلاّ على مشاهدة أخواي كالتماثيل التي لا تقدر على فعل شيء خلف ضباب دموعي.

******

إستلقيت في سريري، دموعي لا تنفكّ عن الإنهمار. أخبرت والدتي القصّة كاملة فقط ليزداد سخطها عليّ.

أعلم أنّي أخطأت. أعلم أنّه وجب عليّ إخبارها أين كنت ذاهبة، ربّما حتّى عبر إرساليّة.
ولكن ردّة فعلها كانت مبالغة. أن تتّهمني بالمبيت عند منزل رجل غريب أمر مؤسف. أن تزيد غضبا عند ما تعلم أنّه عزيز و أمّه أمر محيّر.

و ماذا لو خان؟ و ماذا لو سرق و ظلم و إعتدى؟
أ كان عليّ أن أتجاهل أمره و أتركه ليموت بكلّ برودة دم عندما كنت أستطيع فعل شيء.

"ليلى، لا تعيريها همّا. هي فقط خائفة عليك."
"لم تبدو كذلك عندما أدمت وجهي."

تنهّدت لينا و وضعت يدها على كتفي. " كنت لأتدخّل لو لم أكن أعرف أنّ سيزداد سوءا. ياسين يتحدّث معها الآن. هي تعلم أنّها مخطئة و لكنّها كبرياؤها أكبر من يقينها بالغلط."

شهقات خانت كتماني لبكائي في الظلام. عندما إستلقت لينا بجانبي على السرير و حضنتني، زادت وتيرة بكائي.
****

"ليلى أقسم لك أنّي لم أعلم أنّك كنت تخفين مكان تواجدك. لو علمت أنّك كنت مع عزيز لما أخبرتها أنّك لم تكوني معي."
أومأت رأسي لا واعية بما تقول. أردت لليوم فقط أن ينتهي. أردت أن تنتهي هذه المرحلة من حياتي.

وقفت ياسمين أمامي، جمالها أعمى نظري. لا إراديّا بدأت أقارن نفسي بها. عيناها الجذابتين التي تستدعي المخاطب، شفراتها الطويلة ادالتي تداعب بسمة شفتيها الدائمة و أنفها الذي إستقام ليعطي وجهها عمقا.
عندما دقّقت أكثر، رأيت عيوبي فيها.

"ليلى، أ أنت بخير؟ يمكننا الذهاب إلى منزلي. والدتي ستعتني بك."
"لا شكرا. أنا... لديّ الكثير من الواجبات. سوف أذهب إلى المكتبة و أحاول إنجازها هناك."
حدّقت بي طويلا قبل أن تقبّل خدّي و تودّعني.

واصلت خطواتي نحو المخرج. كأنّما يريد أن ينفجر، ذاكرتي باتت تسترجع ما حدث مع والدتي.
كلّ مرّة رغبتي في البكاء لا تقلّ.

ربّت أحدهم على كتفي من الخلف. مذعورة إلتفت لأقف وجها لوجه مع العمّة سناء. وجهها ودود و كلّه حنان. "أرى أنّك أنهيت صفّك."

"نعم. هل لي أن أعرف لم أنت هنا؟"
"تبدين غير سعيدة لرؤيتي. ماذا لو إصطحبتك للمنزل و تحدّثنا قليلا على فنجان شاي؟ متأكّدة أنّه سيريح أعصابنا المتشنّجة."
"أنا فعلا عليّ الذهاب." قلت ذلك و هممت بالمشي.
"أنا آسفة لم حدث. أعني طيلة السنة. أنا فعلا آسفة ليلى. أخطأت في حقّك."

"لو لم أنقذه لكرهتني أكثر، لقاضيتني."

لم تنفي الأمر.

"أ إستقرّت حالته؟"
فرحت لسماع سؤالي. " إنّه بخير. عاد معي إلى المنزل."
تجاهلت عيناها التي تسلّلت إلى الخراب البنفسجي و الأحمر الذي رسمته والدتي.

"جيّد. سنستكمل المحاكمة عن قريب إذا."

قلوب لطيفة (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن