ماضي مؤلم

2K 135 32
                                    

"لن يسأل غيرنا حتّى نكتب حكاية، لسنا مهمّين بقدر أخبارنا لذلك أكتب شيئا جميلا يشدّ فضول من تريد استهواءه."

كنت بصدد مراجعة بعض المفاهيم استعدادا لحصّة الاشفال التطبيقية للاسبوع القادم.

كان الطقس جميلا و يشجّع على الدراسة حيث أنّ مكتبي كان مضاءً بنور الشمس المتسلل عبر ستائر النافذة التي كانت مقابلي معطية انعكاسا جميلا من الألوان على دفاتري و دفئا لطيفا ينعش أناملي التي تكاد تسقط من البرد بسبب غسل الأواني.

بجانبي استلقت لينا و على شفاهها ارتسمت بسمة عريضة فيما حدّقت عيناها بشاشة هاتفها. لم يحتج الأمر كثيرا من التفكير لمعرفة أنّ سبب بسمتها هو فتاها المعتاد. الذي لا طالما كرهته.

فتاها الذي كاد يكسر يدي و وقفت في صفّه. فتاها الذي يملي عليها طريقة عيش حياتها فيما تهيم به شغفا.
تنهدت طويلا و لوهلة ظننت قلبي نزف دما من ظلمها لي و أسفي لها.
جعلها ذلك تلتفت إليّ و تسألني ببراءة:
-أ أنت بخير؟
حدّقت في وجهها الذي لا يزال شبح الابتسامة يسكنه و تسائلت إن ما نسيت فعلا خصامنا. إن ما كنت أنا الوحيدة التي غادرت المعركة بجروح عميقة، إن ما كنت أنا المخطئة...
ضاقت بي الكلمات فما كان منّي إلّا الإجابة بأكثر الكلمات الفارغة:
-لم لا أكون بخير؟
و لم لا؟ فيما تخاطب أختي شابّا كان السبب في خصامنا. لم لا؟ عندما أتذكّر كلّ الكلمات الجارحة الني انهالت على قلبي الصغير تسمّمه، تفتك به و تلوّثه؟

أنا لا دخل لي بها...أنا لست والدتها حتّى أملي عليها ما تفعله بحياتها.
وعندما طلبت تدخّل والدتي و لجين لنصحها و إرشادها حتّى يحلّ المشكل، ما راعني إلّا تضخّمه.

لأنه عندما أطفأت النور بغرفتي لم أظنّ أنّي كنت أطفأ نور قلبي أيضا الذي كانت منارته طيبة عائلتي.

غيورة، معقّدة، تعيش بين صفحات الكتب، من هي لتأمر؟...لا تعطي بالا لأمرها...

كانت هذه كلمات عزيزاتي التي نمت عليها لذلك عندما استيقظت في الصباح ظننت أنّ مغادرة فراشي كان من المستحيلات و عندما فعلت أحسست بقطعة من روحي سقطت.

صرت على يقين أنّه، نحن الفتيات داء لبعضنا. أنّنا نضعف أمام الحبّ و نصبح مجانين و نفترس كلّ من حاولت صدّنا بتعلّة أنّها كلنت غيورة.
و كان لهذا جزء من خوفي من المستقبل الذي يجمعني بعزيز. سبب لضغطي كلّ الفرامل كمن كان على حافّة الجبل و لا يحتاج إلّا دفعة صغيرة ليسقط في الهاوية.

سمعت أحدا يقول:
-ليلى! أفيقي من شرودك! ماذا فعل لك عزيزك؟
و جدت لجين أمامي ممّا جعلني أدرك أنّها صاحبة الخطاب.
تجاهلت ملاحظتها و سألتها:
-أين بهاء و حمّادي؟
-تركتهما في الطابق السفلي مع مامل بالمطبخ حتّى أتفاضى بالحديث معكما.

جعلني ذلك أبدأ في جمع كتبي لأنّي أعرف أنّ حديث لجين و لينا كلّه ضجيج لا يحثّ على الدراسة إلاّ أنّ يد لجين جذبتني لأجلس من جديد.
عندما نظرت إليها متسائلة، قالت:
-ماذا؟ أتيت إلى هنا من أجلكما و ستذهبين؟ لينا أتركي الهاتف حتّى أعود إلى المنزل!
شبكت يديّ أمامي متظاهرة بالملل و قلت:
-أحاديثكما مملّة، أريد الذهاب.
-لن تكون مملّة لأنّك أنت من سيتحدّث. هيّا أخبرينا من أين حصلت على مجنون ليلى الخاصّ بك؟
رمت لينا هاتفها في الحال و انضمّت إلى لجين و قالت:
-نعم! كيف التقيتما؟ عبر أصدقاء؟
-أنا لا أريد الخوض في هذا الموضوع. لا أريد الحديث فيه بتاتا.
-أوه من المملّ الآن؟ لم لا تخبرينا فقط؟. لست صغيرة ليلى حتّى تحرجي من هذه المواضيع. نحن أختاك، نحن هنا لندعمك  و ننصحك لذا لا تخفي أيّ شيء. يجب أن نخبر بعضنا أيّ شيء و ننصح بعضنا. لم لا تخبرينا بحقيقة مشاعرك و كيف عرفتما بعضكما؟

وقفت بسرعة جاعلة الكرسي يسقط. انحنيت لارجاعه أينما كان و الدموع تكاد تنهمر من عينيّ.
مسحتهما بكفيّ و نظرت لهما و قلت بمرارة:
-لأنّني معقّدة! لا أستطيع التعبير عن مشاعري! لأنّي أعيش بين صفحات الكتب و ليس لي حياة إجتماعيّة وجدته في حقيبتي!

بعد قول ذلك لم يكن منّي إلّا أن غادرت الغرفة لأتفادى نظرهما.

♒♒♒♒♒♒♒♒♒♒♒♒

كنت بحديقة المنزل ألعب بقطّتنا الهرمة
عندما جلست والدتي بجانبي و حضنتني من دون سابق إنذار. ما كان منّي إلاّ ذرف الدموع.
سمعتها تهمس في أذني:
-لم لم تخبريني؟
-ماذا أخبرك؟ أحاديثكنّ؟ نعتكنّ لي؟ لم أخبركنّ بما لفظت شفاهكم؟
-لم أظنّ أنّك تأخذين كلّ شيء على محمل الجدّ. لم نعني ما قلناه.
-لأنّني طفوليّة؟ لأنّني لست الكبرى المفضّلة و لست الصغرى المدلّلة؟
-أحبّ كلّ أطفالي بنفس القدر ليلى لا يوجد تفضيل.
-أنا أعلم أنّ اكلّ الأمّهات تفضّل طفلا عن غيره و لا يزعجني ذلك بتاتا..و لكن لا تظلمي و لا تتستّري ماما.
ببطء نزعت يديها من كتفاي و حملت القطّة في يداي. ابتسمت قليلا لأمّي و عدت إلى غرفتي.

وجدت لينا و هاتفي بيدها. استلقيت على سريري و نظرت إلى السقف متأمّلة نقشه.
أحسست بثقل أحدهم على السرير ممّا أعلمني بوجود شخص جنبي.
-لقد تركت هاتفك، كان يرنّ طول الوقت.
أشخت بنظري من السقف إلى لينا و مددت يدي لأخذه و قلت:
-هاته.
عندما سلّمتني إيّاه وضعته تحت وسادتي و توقّعت أن تغادر لينا لكنّها أضافت:
-ألن تتفقّديه؟
-ليس الآن.
-ما الذي حدث لشاشة هاتفك؟
-لا شيء.
- ماذا تعنين لا شيء؟ أ فعل لك الأحمق شيئا؟
-لا تتدخّلي في أمر لا يعنيك لينا.
-ولكن أنا أختك! أمرك يعنيني!
جعلني ذلك أجلس لأنظر في وجهها و أتأكّد من أنّها جادّة. عندما لم أجد تعابير المزاح  ضحكت هزوا:
-ظننت أنّنا لا نملي على بعضنا طريقة عيشنا.
-ليلى أنا لا أمزح. هذا الشخص لا يريحني. شيء ما مريب حوله. هو وسيم، ثريّ ملتزم بدينه
و....
-و أنا؟
-لم أعني....
- و مريب؟ من أنت لتتحدّثي عن العادي و المريب. على الأقلّ عزيز لن يكسر يدك إذا ما طلبت منه الإبتعاد عنّي.
-أيهم جدّ آسف عمّا فعله بك. لم يقصد الأذى. ألم يعتذر لك؟
-إعتذاره لم يرمّم كسر عظامي.
-أتريدين أن أعتذر أنا من أجله؟
-لماذا، هل سيمحي ذلك ما قلته سابقا من ذاكرتي؟
-ليلى أصبحت فعلا وجعا في الرأس!
-إذا لا تتحدّثي معي لأنّني كنت أفكّر في نفس الشيء عنك!

بقينا نحدّق بغضب في بعضنا البعض إلى أن سمعنا خطوات مرفوقة بتصفير تقترب من الغرفة.

لم تمض ثواني حتّى دخل ياسين إلى الغرفة يديه مشبوكة وراء رأسه.
عندما وقع نظره عليّ قرن حاجبيه
و بادر الحديث:
-أتعلمين ما جعلني والدي أفعله؟
حرّكت رأسي نفيا.
-جعلني أكنس الفناء الخارجي! أمام الجميع! أمام الفتيات.
سرقت صورته في مخيّلتي منّي ضحكة  زادت في غضبه. التفت إلى لينا و سألها:
-ماذا عنك؟
-منعني من مصروف الأسبوع.
زادني ذلك رغبة في الضحك فتعالت قهقهاتي لكن سرعان ما زالت عندما سمعت ياسين يقول:
-تذكّرت، أريد مقابلة خطيبك عندما نعود إلى الدراسة بما أنه ليس صديق بابا.

و بعد طول انتظار.....آسفة للتأخير لقد نزف عقلي من الأفكار (///▽///)

أرجو أنّه أعجبكم.

قلوب لطيفة (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن