"...و إن صار و حدث، فإنّ كسر عظم اليد قد ينجر عنه شلل للخنصر و البنصر مع إمكانيّة ل..."تنهّدت و تجاهلت صوت الدكتور الذي أصبح ضجيجا شيئا فشيئا إلى أن تلاشى.
أصبحت أملّ المحاضرات بشدّة. المعلومات تتراكم في ذهني و تفقد حدّتها خاصّة مع إمتلاء جزء كبير من عقلي بمشكل واحد: عزيز.
بالكاد أتمكّن من استيعاب نصف ما وجب عليّ إتقانه و مساعدة ياسمين هي الحبل الوحيد الذي يربطني بالأمل.
رغم وعدي لياسمين بأن أصمد، لا أظنّ أنّني سأفعل. أحسّ بقلبي يكاد يتمزّق و بكُراتٍ من القطن تسدّ مسالكي التنفّسيّة و تمنعني من بلع ريقي و فتح فمي لأخرج أنينا علّه يبرّد رئتاي التي سكنتهما حرارة الألم.
بلّلت شفتاي بلساني و أمسكت قلمي لأنقل درسي دون أن أفقه الكلمات.
ملأت أوراقا قبل أن أرى الجميع يجمع أدباشه ليغادر.
ببطء فعلت مثلهم.
عندما رفعت نظري وجدت ياسمين تراقبني.
-لسنا بدرس التشخيص و لسنا ثنائيّ عمل، ياسمين.نفخت و لعبت بخصلات شعرها:
-صحيح و لكن لا يعني ذلك أنّ ما لاحظته خطأ.
وضعت حقيبة يدي على كتفي و قلت:
-ماذا لاحظت؟
-أنّك لا تعيرين نفسك اهتماما. لا بملابسك، لا أكلك و لا دروسك.تجاهلت ما قالت و أمسكت يدها. مضيت بها نحو الباب.
-ليلى هدا غير صائب. الحياة لا تقف على عزيز.
-أعلم. لن تقف عليّ أيضا.غيّرت الموضوع:
-إلى الكافتيريا؟
-لم لا؟
توجّهنا نحو الكافتيريا متجاهلين همس من مررنا بجانبهم.
عندما وصلنا، حجزت مقعدا و تركت ياسمين تتكفّل بعناء إحضار طلبنا المعتاد.
مضت دقائق و ياسمين بالكاد تقدّمت بالصفّ.
-كليّة الجوعى.
قلت ذلك بسخرية لنفسي غير متوقّعة ردّا من أحدهم:
-نفس الملاحظة.
رفعت رأسي لأرى مراد يأخذ مكانا جانبي.
احترت لرؤيته بعد كلّ ما حدث. ظننت أنّه لن يودّ الاقتراب منّي ثانية.
كأنّما سمع ما يجول بخاطري، قال:
-لا أحقد على غيري ليلى. هذا ليس من طباعي. ما قلته يومها كان بسبب غضبي. لا أستطيع كرهك حتّى لو حاولت.جلست مذهولة لما أسمع فأكمل:
-سمعت ما حدث. أنا آسف إلى ما آلت إليه الأمور. أتمنّى لو كنت قادرا على المساعدة بطريقة ما.لا إراديّا، التفتّ إلى ريما التي توسّطت حلقة من الأشخاص. لابدّ أنّها تستمتع بعرض حياتي الشخصيّة لهم للمرّة الألف.
يوما آخر كنت لأوقفها عند حدّها و لكن الآن كلّ نسيج منّي لا يبالي.
لابدّ أنّ مراد تبع حقل نظري و فهم ما يجول بخاطري لانّه قال:
-لا تعيريهم إهتماما. كلّ شيء سيمضي. لو إحتجت شيئا أنا موجود.
حدّقت به طويلا و حاولت تجاهل الدفأ الذي أحسست به لوجود شخص آخر يهتمّ.
-ما أظنّ أنّه وجب عليّ القدوم هنا. لست بارعا في مواساة أحدهم—
-شكرا مراد. لا تشغل بالك، لقد أبليت حسنا.
ابتسمتُ لأقنعه. أعاد الابتسامة قبل أن يقف و يذهب.جلست إثرها وحيدة مع أفكاري. كأنّما علمت بذلك، زادت حدّة و جعلتني سجينة إعصار من الفرضيّات حول ما كنت أستطيع فعله في الماضي لتغيير الحاضر، حول ما يجب أن أفعله الآن لأتجاوز المشكل و أتقدّم بحياتي.
رأيتُ كأس قهوة يُوضع أمامي.
-شكرا ياسمين—
ّعندما رفعت رأسي لأرى الشخص الذي احتلّ المقعد بجانبي كدت أفقد قلبي من المفاجأة. كان آخر شخص توقّعت قدومه إلى هنا.
-ياسين؟
ابتسم و قال:
-صباح الخير ليلى.لم أعرف ماذا أقول.
-أ أنت مريضة؟
حرّكت رأسي نفيا.-تبدين شاحبة. أ لم أقل لك مرارا و تكرارا أن تعتني بنفسك؟ لن تخسري شيئا عندما تفعلين ذلك، لن تفشلي بدراستك.
-لا دخل لدراستي بالموضوع.
ضحك و أضاف:
-أنت طريفة ليلى. لو كانت دراستك رجلا لتزوّجته!
ّ
لو كانت دراستك رجلا لتزوّجته!
ّ
لو كانت دراستك رجلا لتزوّجته!كانت كلماته هو أيضا.
استشطت غضبا و صرخت:
-ما الذي يزعجك في تفرّغي لدراستي؟ تجعلني أتساءل إن لم يغرس فينا والدانا نفس الإهتمام بها! و ماذا إن كنت مهووسة بها؟ أ ستتّهمني بأنّي أدرس لأنّني لا أعرف للحياة طعما؟بدا ياسين متفاجئا من غضبي. صمت ثوان و قال:
-لا أتّهمك بذلك أبدا يا ليلى. بالعكس أحترمك لسعيك نحو تحقيق هدفك. و إن كان عزيز راض بذلك فلم أنزعج أنا الآخر؟ فبعد كلّ هو من سيشاركك حياته حتّى مماته و مادام الأمر يسعده فلما لا أكون فخورا بأخت ناجحة في حياتها مثلك؟إمتلأت عيناي بالدموع و لم أدر ماذا أفعل غير أن أحضن ياسين. هو يثق باختياراتي أكثر من أيّ شخص في العائلة إذا استثنينا والدي رحمه اللّه.
-ليلى أ أنت بخير؟لم أجبه. تركت فقط دموعي تنهمر.
-أنا أعرف أنّ الإمتحانات تشكّل ضغطا على أيّ شخص ليلى و لكن عليك أن تسلّمي أمرك للّه أيضا. سيعتني بك ربّي أفضل منك و من غيرك.أخيرا وجدت الشجاعة لترك قميص ياسين و ابتعدت عنه. مسحت ما تبقّى من الدموع و نظرت لياسين.
-آوه!
إلتفتنا إلى مصدر الصراخ لنجد ياسمين تقف أمامنا بيدها أكلُنا.
راقبتني مليّا قبل أن تقول:-أرى أنّك أخبرتيه بأمر الطلاق.
أحسست بقلبي ينقبض بطريقة مؤلمة.
بجانبي جلس ياسين ككتلة من الحديد قبل أن يوجّه حديثه نحوي:
-أيّ طلاق تتحدّث عنه؟ ليس عنك أكيدا؟عندما لم أجبه، لابدّ أنّه أدرك لأنّه نهض من مكانه متمتما لعنات فصلها بين الفينة و الأخرى اسم عزيز.
ّ
أنت تقرأ
قلوب لطيفة (مكتملة)
Teen Fictionليلى فتاة تونسية، صاحبة أهداف كبيرة. لا طالما كان هدفها من الحياة، إرضاء خالقها و والديها ثم تحقيق حلمها. ألا وهو الإلتحاق بكلية الطب. لكن الكثير يمكن أن يحدث و يحول بيننا و بين أحلامنا. بعضنا قد يتحطم و يفقد الأمل في إمكانية تحقيقها بينما يتشبث الب...